إيطاليا بعد الانتخابات الأوروبية: العنصرية تنتصر!
انتهت الانتخابات الأوروبية باختراق مؤثر لمقاعد البرلمان الأوروبي، حققه اليمين الشعبوي في "القارة العجوز" وبشكل أساسي في كل من فرنسا وإيطاليا، حيث تقود مارين لوبن "التجمع الوطني" في باريس، ويقود ماتيو سالفيني حزب "الرابطة" في روما.
سالفيني ينتصر
مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات، عقد وزير الداخلية الأمين العام لـ"الرابطة" مؤتمراً صحافياً في مدينة ميلانو الإيطالية، أعلن فيه انتصاره على منافسيه الداخليين، مشدداً على برنامجه السياسي الذي أطلقه بعد انتخابات آذار مارس 2018 وهو "إيطاليا قبل الجميع" في إشارة واضحة إلى نزعته المعادية لمنطقة اليورو. ونقل موقع TPI الإيطالي عن سالفيني قوله: "ولاء الرابطة لإيطاليا ليس موضع تشكيك من أحد، وبرنامجنا الحكومي القادم يواجه تحديات هي تخفيض الضرائب والإسراع في الحكم الذاتي والبنية التحتية".
وحصلت "الرابطة" على نسبة 34.3% من أصوات الناخبين في الانتخابات الأوروبية التي صوّت فيها الإيطاليون يوم 26 أيار/مايو الحالي، بينما حلت حركة "خمس نجوم" في المركز الثالث بنسبة 17.1% في تراجع واضح لحضورها وشعبيتها، بعد أن كانت قد فازت في الانتخابات التشريعية الإيطالية العام الماضي بنسبة 32% بزعامة نائب رئيس الوزراء ووزير العمل والتنمية الاقتصادية حالياً، لويجي دي مايو.
وفي تعليق وحيد له على نتائج الانتخابات، قال دي مايو في حديث إلى صحيفة "كورييري ديلا سيرا": "ناخبونا امتنعوا عن التصويت، وقد عوقبنا بالإقبال المتدني على صناديق الإقتراع، علينا الآن خفض رؤوسنا ومواصلة العمل".
من جانبه، أعلن سالفيني على الملأ: "نحن الحزب الأول في إيطاليا، وسنقوم بتغيير أوروبا. شكراً إيطاليا على ثقتك". وظهر سالفيني في فيديو وهو يحمل لافتة "الشكر لإيطاليا" وتظهر خلفه صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما أثار موجة من الانتقادات ضده على مواقع التواصل الاجتماعي.
يُذكر أن سالفيني من الأصدقاء المقربين لبوتين، وكان مدافعاً عن رئيس النظام السوري بشار الأسد في فيديوهات عديدة، تحدث فيها عن "اتهامات باطلة تطال النظام السوري وصور مفبركة حول استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد السوريين في دوما".
إيطاليا واللحظة الفاشية
قبل الانتخابات بحوالى شهرين، وفي إطار تحضيرات سالفيني لحملته الانتخابية، بدأت وسائل الإعلام الإيطالية تتحدث عن مصير إيطاليا وعلاقتها بالاتحاد الأوروبي، انطلاقاً من هيمنة الشعبويين على البلاد ودوائر القرار فيها، وخصوصاً بعد الهزيمة التي مني بها "الحزب الديموقراطي" الحاكم سابقاً "يسار الوسط"، لكن أغلب التحليلات كانت تتوقع فوز سالفيني وحزبه، بما فيها التحليلات والكتابات التي كانت تأتي من صحافيين ومحللين سياسيين مناوئين له، وبعضهم آتٍ من خلفيات ومشارب يسارية حزبية وغير حزبية.
ويأتي هذا النصر لليمين الشعبوي والعنصري في إيطاليا في لحظة كان ماتيو سالفيني يواجه فيها انتقادات على نطاق واسع من قبل التيارات اليسارية ومنظمات المجتمع المدني في إيطاليا، على خلفية مواقفه العنصرية المعلنة تجاه المهاجرين، وهو الذي قام بإغلاق الموانئ الإيطالية في وجه السفن التي تقلّ مهاجرين غير شرعيين، في حين شهدت الساحة السياسية الإيطالية قبل فترة سجالات وجدالات حادة بين سالفيني وبين "حليفه" في الحكومة لويجي دي مايو على خلفية اتهام الوزير أرماندو سيري والمقرب من سالفيني بالفساد المالي، ما أثار عاصفة من الردود بين القطبين الرئيسين في الحكومة الإيطالية الحالية، "خمس نجوم" و"الرابطة"، إلى جانب ما كانت تتداوله بعض المواقع الإلكترونية من اتهامات لسالفيني نفسه بالفساد المالي، في أوقات سابقة.
كل ذلك يطرح على الوضع الداخلي الإيطالي والحكومة الحالية أسئلة أكثر مما يقدمه من أجوبة، وهو ربما يحيل المتابع إلى أسئلة عابرة للحدود الإيطالية تتعلق بتوجه أوروبي ينمو ويتزايد يوماً بعد يوم، توجه مناوئ لكل ما هو عابر للحدود وداعم، شعبوياً بالضرورة، لانغلاق وجَزْرٍ إلى داخل الحدود الإيطالية (والفرنسية والمجرية والبريطانية) على تفاوت النسب في كل بلد من هذه البلدان.
وحول ذلك، نشر موقع "جولي نيوز" الإيطالي مقالاً لاذعاً للكاتب والصحافي الإيطالي أنطونيو ريسبولي، حمل عنوان "الانتخابات الأوربية: إيطاليا اليوم فاشية، رسمياً"، قال فيه إن "الفاشية لا تقتصر على جماعة كاساباوند والنازيين الرسميين، لأن الرابطة تقوم بالدعاية نفسها كما كان عليه الحال مع الحزب النازي في ألمانيا قبل أقل من قرن، وهي دعاية مبنية على خطاب الكراهية؛ النازيون ضد اليهود، واليوم الرابطة ضد المهاجرين. وبالتالي يمكن اعتباره وببساطة: حزباً نازياً".
وأشار الكاتب في مقاله إلى شريط فيديو موجود على "يوتيوب" ويعود تاريخه إلى عام 1998، يتحدث فيه النائب الإيطالي الممثل لـ"الرابطة" في البرلمان الأوروبي ماريو بورغيزيو، عن التوجه الفاشيّ لها، وبيّن المقال أنه "إذا ما أضفنا إليها (الرابطة) حزب أخوة إيطاليا ذا التوجه الفاشي الواضح أيضاً، وأخذنا بعين الاعتبار حركة خمس نجوم وهي حزب ديكتاتوري يقوده سيد مطلق، فإننا سنتجاوز 50 ٪ من الأصوات، وهذا يقول الكثير".
ليس من الواضح ما سيكون عليه حال الحكومة الإيطالية الحالية والأوضاع الداخلية للبلاد بعد نتائج الانتخابات الأوروبية، لكن من المؤكد ان تأثير التيارات الشعبوية سيكون أكبر تحت قبة برلمان أوروبا، بعد أن فقد "حزب الشعب الاوربي" وكتلة "الاشتراكيين الديموقراطيين" الأكثرية التي كانت بحوزتهم لفترة طويلة.
تعود الفاشية وتصعد بقوة اليوم، وتحوز مقاعد بتفويض وتصويت من كتل بشرية أوروبية بعد 74 عاماً على دحرها في الحرب العالمية الثانية. سيكون من المبكر توقع الخط البياني للصعود الحالي لها، لكن المعطيات تشير إلى أنها ستحظى بفترة ذهبية قادمة، على النطاق المحلي والداخلي على الأقل.
في ختام فيلم "la vita è bella - الحياة جميلة" للإيطالي روبرتو بنيني، يصرخ الطفل اليهودي الخارج من معسكر "أوشفيتز" النازي للإبادة بعد دخول قوات الحلفاء إليه: "Abbiamo vinto"، أي: "لقد ربحنا". إنها، وللمفارقة، نفس العبارة التي يرددها سالفيني، حامل لواء الفاشية الجديدة في إيطاليا اليوم.