زيارة الأسد لطهران:الالتزام السوري بجدول الاعمال الايراني
وُصِفَت الزيارة المفاجئة السرية، التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى طهران، بـ"زيارة عمل"، إلا أن الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية والسورية، تشير إلى أنها زيارة "شخصية". فالأسد كان وحيداً، من دون وفد مرافق، ولا حتى وزير خارجيته. مصادر "المدن" أشارت إلى أن حرسه الشخصي لم يرافقه في هذه الزيارة، التي تكفّل الجانب الإيراني بها بالكامل، حتى بسرّيتها.
إسرائيل: الغائب الأكبر
وغاب عن التصريحات الرسمية للطرفين، ذكر اسرائيل، وكأن الزيارة كانت لتعريف الأسد بتغيير الأولويات الاستراتيجية لإيران، والتركيز على مواجهة الأهداف الأميركية بدلاً من الإسرائيلية. وهذا ما بدا واضحاً في مهاجمة خامنئي لـ"المنطقة الآمنة" المفترضة على الحدود السورية-التركية.
قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، حضر اجتماعي الأسد مع روحاني وخامنئي، وكأنه وزير دفاعه أو مستشاره العسكري. ويدل ذلك، على طرح خيارت عسكرية جديدة على الأسد، تتعلق بنقل التصعيد من حدود الجولان إلى الشمال الشرقي السوري، بعدما أدركت إيران صعوبة المعركة مع إسرائيل. تحويل سوريا إلى أرض النزال مع الأميركيين، يبدو عنوان الرسالة الإيرانية للأسد في زيارته السرية الغامضة لطهران.
وأهم ما في الزيارة، هو اقناع القيادة الإيرانية لبشار الأسد، بما تملكه من وسائل ضغط عليه، بوجوب اتخاذ "موقف مشترك رافض للمشاريع الأميركية المتجددة في سوريا"، ميدانياً وسياسياً. خامنئي ذهب بمغازلته للأسد حداً بعيداً، حين قال: "مفتاح النصر في سوريا، وهزيمة الولايات المتحدة الأميركية ومرتزقتها في الإقليم، هو الرئيس السوري وعزيمة الشعب ومقاومته". مؤكداً أن "المنطقة العازلة" هي "واحدة من المؤامرات الأميركية الخطيرة التي يجب رفضها ومقاومتها بشدة".
الوجود الأميركي على الحدود السورية العراقية، ووجوب مقاومته، يعني أن إيران تقدم رسالة واضحة للأميركيين: سلام في العراق، وحرب في سوريا.
وإيران إذ تسقط إسرائيل من معركتها المستقبلية، نظراً لعدم قدرتها على شن أكثر من حرب في لحظة واحدة، فإن الهجوم على أميركا في سوريا يحمل أيضاً وجهاً غامضاً: بعد شهور من اتخاذ الرئيس الأميركي قراراً بالانسحاب من سوريا، تم التوافق على إبقاء 400 عسكري أميركي في سوريا. فهل هذا الوجود العسكري الهزيل يحتاج تغييراً استراتيجياً من هذا النوع.
في هذا السياق، يبدو التصعيد الإيراني موجهاً أيضاً ضد أوروبا، التي أصرّت خلال رفضها الانسحاب الأميركي من سوريا، على أن "الفراغ هناك سيسمح بتعزيز النفوذ الإيراني". ويبدو أن طهران، المتألمة بشدة من خذلان الأوروبيين بسبب موقفهم من "الاتفاق النووي"، بحاجة لتوجيه رسالة شديدة لهم على الأرض.
أين العلم السوري؟
إعلام "الممانعة" قال بإن طبيعة الزيارة غير الرسمية، و"تخطيها قواعد البروتوكول" تدلُ "على ماهية الحلف القائم" بين سوريا وإيران. مصادر "المدن" أكدت أن لا مترجم خاصاً بالأسد حضر اجتماعه مع القادة الإيرانيين، واكتفى الطرفان بمترجم إيراني واحد. وتقول الصور، إن "تخطي قواعد البروتوكول" وصل إلى مرحلة غير مسبوقة في الأعراف الدولية: غاب العلم السوري عن لقاءات الأسد مع المرشد الأعلى وقائد "فيلق القدس" والرئيس الإيراني.
المذهب أولاً
وهذه هي زيارة الأسد، الأولى المعلنة لطهران، منذ اندلاع النزاع السوري قبل نحو ثماني سنوات. "علاقات الأخوة الراسخة" التي استعرضها الجانبان والتي شكلت "العامل الرئيسي في صمود سوريا وإيران في وجه مخططات الدول المعادية"، لم تمنع خامنئي من القول: "ينبغي تطوير العلاقات المذهبية وزيارات متبادلة لعلماء إيران وسوريا".
الأسد الذي شكر الجمهوریة الإسلامیة "قیادة وشعباً" على كل ما قدمته لسوریا "خلال الحرب ضد الإرهاب" اعتبر أن "العلاقات المذهبية، تشكل فرصة مهمة لمواجهة التيارات التكفيرية"، داعياً أيضاً إلى "تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين".
في حين اعتبر روحاني "الجذور والقواسم الدینیة والثقافیة المشتركة بأنها مصدر لتلاحم الشعبین"، مشيراً إلى أن العلاقات بین البلدین قائمة على أساس الإخاء والوحدة.
حالة ثقة؟
وسائل إعلام "الممانعة" ركزت على قول خامنئي: "هوية المقاومة وقوتها تعتمدان على التحالف الاستراتيجي لسوريا وإيران". وكيف لا، إذ أنه ومنذ بدء الثورة السورية قدّمت إيران دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لدمشق، وبادرت في عام 2011 إلى فتح خط ائتماني بلغت قيمته حتى اليوم 5,5 مليار دولار، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم قوات النظام. ووقّع البلدان في أغسطس/آب 2018، اتفاقية تعاون عسكرية تنص على تقديم طهران الدعم لإعادة بناء الجيش السوري والصناعات الدفاعية وذلك خلال زيارة أجراها وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي لسوريا. وقبل فترة وجيزة، وقع الطرفان على عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية، التي تمنح إيران حصرية التقدم على مناقصات متعددة، خاصة في ما يُعرف بـ"إعادة الإعمار".
زيارة بشار إلى عاصمة أخرى غير موسكو، تعكس، بحسب الإعلام الموالي "حالةً من الثقة، والإجراءات الأمنيّة الدقيقة، وتعافي سوريا علي أكثر من صعيد". هذا بالإضافة "لعُمق العلاقات الاستراتيجيّة بين البلدين، ووقوفهما في خندقٍ واحدٍ في مواجهة الإرهاب والمشروع الغربيّ الأميركيّ في المنطقة".
الزيارة، ورغم كل السرية والغموض وخلوها من أي مرافق للأسد، هي بحسب الإعلام الموالي لنفي أنّ بشار "مُحاصرٌ في قصره، ولا يستطيع مُغادرته إلي أيّ جهة أخرى غير موسكو، وبترتيباتٍ أمنيّةٍ روسيّة".
سوتشي: طلب وحيد للأسد!
في كل الزيارة، بدا أن الأجندة الإيرانية طاغية، وتريد الكثير من الأسد لتنفيذه، بعد كل التضحيات الإيرانية لإبقاءه في كرسيه. ويبدو في كل الحديث، أن لدى بشار، شخصياً، برنامجاً من بند واحد، إدلب، وهو ما يشكل نقطة خلاف بين إيران وروسيا.
إيجاز روحاني، ووضعه للأسد بصورة قمّة سوتشي الأخيرة، يشير إلى حاجة الأسد للدور الإيراني، لموازنة الموقف الروسي. الهجوم الذي شنه بشار علي الرئيس التركي، قبل أيام، والتحريض الإيراني المتواصل على إدلب، يشير إلى إمكانية لعب الأسد على خلافات إيرانية تركية، لتحصيل المزيد من الجانب الروسي.
طيران مهان؟
موقع "flightradar24" المختص بحركة الطيران، أظهر أن طائرة تابعة لخطوط شركة "ماهان إير"، قد غادرت صباح الإثنين، مطار دمشق الدولي متجهة إلى طهران. وحملت الرحلة رقم "W55115"، والطائرة هي من طراز Airbus 310. وعادت الطائرة من مطار طهران مساءً متجهة نحو دمشق.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد وضعت شركة "ماهان" على لائحة العقوبات في العام 2011، ثم شددت العقوبات عليها في آذار/مارس 2016.