موازنة 2020 السورية: التمويل بالعجز
في ظل ظروف اقتصادية كارثية بدأ مجلس الشعب السوري مناقشة مشروع الموازنة العامة لعام 2020، بعدما أحيلت إليه من الرئاسة السورية.
وكانت الحكومة السورية قد انتهت من إعداد مشروع الموازنة في 20 تشرين أول، مقدرة اعتماداتها بـ4 ترليون ليرة سورية (4 ألاف مليار ليرة)؛ أي بحدود 6 مليارات دولار (الدولار 665 ليرة)، وذلك بزيادة 3% على موازنة 2019. وخصصت موازنة 2010، 62% منها للإنفاق الجاري، و38% للإنفاق الاستثماري.
وحسب البيان المالي لمشروع الموازنة الذي تلاه وزير المالية مأمون حمدان، الإثنين، في المجلس، فقد اعتمدت الحكومة 501 مليار ليرة لكتلة الرواتب والأجور بزيادة 3% عن العام الحالي، ما يعني غياب أي حديث عن رفع الأجور والرواتب، وغياب اعتمادات فرص عمل جديدة، لان النسبة المذكورة تمتصها الترفيعات الدورية للموظفين.
كما تم تحديد موازنة الدعم الاجتماعي بمبلغ 373 مليار ليرة، مقارنة بـ811 مليار ليرة للعام 2019. وتم تبرير الانخفاض بخروج المشتقات النفطية من دائرة الدعم، بعد رفع أسعارها في العام 2019 واعتماد البطاقة الذكية، ليبقى الخبز وحده المندرج في إطار الدعم الفعلي.
ورغم اعتبارها أعلى موازنة تم تقديمها حتى الآن بالليرة السورية، إلا أنها بالقيم السوقية تعتبر أدنى من موازنة 2019 التي تم تقديرها وفق سعر الصرف الرائج حينها بـ8 مليار دولار، في حين أن موازنة 2020 تقدر بـ6 مليار دولار، أي بفارق ملياري دولار. وتبلغ موازنة 2020 حوالي ثُلث موازنة 2011 المقدرة بـ16 مليار دولار.
وباحتساب الموازنة مقسومة على عدد السكان، يبلغ نصيب الفرد 160 ألف ليرة (250 دولاراً) سنوياً، تشمل حصته من الأمن والدفاع والصحة والتعليم والثقافة والدعم الاجتماعي وكافة الخدمات الأخرى، على اعتبار انه يحصل على نصيبه كاملاً بإهمال عوامل الهدر والسرقة والفساد.
وفي مؤشر واضح على تراجع الاقتصاد السوري وفشل سياسات النظام الاقتصادية، خلافا لتوقعاته السابقة بالانتعاش بعد انتصاراته العسكرية وبسط نفوذه على مزيد من الأراضي، تدل الأرقام على دخول الاقتصاد السوري في مرحلة انكماش شديدة وتراجع الواردات المحلية بشكل غير مسبوق، ما يبسط آثاره المدمرة على المجتمع السوري الذي وصلت نسبة الفقر فيه إلى 85%.
وغابت عن الموازنة العامة أية اعتمادات جارية لتثبيت سعر الصرف والحد من ارتفاع الأسعار. واكتفى وزير المالية بالحديث عن 83 ألف فرصة عمل ستتيحها الموازنة، وهو رقم شبيه بما تحدث عنه في الموازنة الماضية، من دون أن يكشف كم تحقق منها فعليا.
وليست حسابات القيمة السوقية للموازنة هي المؤشر الوحيد لتراجعها وتعبيرها عن أزمة النظام وعجزه الشديد، بل إن القيم المطلقة بالليرة السورية تراجعت في هذه الموازنة، لتنخفض الإيرادات العامة فيها بقيمة 400 مليار ليرة عن موازنة 2019، ويزداد العجز فيها بقيمة 514 مليار ليرة، ليصل العجز إلى قرابة 1500 مليار ليرة، على الرغم من ازدياد تقدير الوارد الضريبي فيها بنسبة 44% عن 2019.
ولم يسلم الإنفاق الجاري من الانخفاض رغم ارتفاع رقم الموازنة بالليرة، ففي حين وصل في موازنة 2019 إلى 2782 مليار، فقد انخفض في مشروع الموازنة إلى 2700 مليار، في مؤشر على حجم انكماش وتراجع الاقتصاد السوري، وأثره على الإيرادات العامة. حكومة عماد خميس كانت قد اضطرت لإتباع إجراءات تقشفية شديدة في الإنفاق تجاوزت في بعض بنودها نسبة 50% من الاعتماد المخصص لها، ما يعني المزيد من الإجراءات التقشفية وشد الحزام والمزيد من الأزمات المقبلة.
وفي مفارقة تبدو شديدة الأهمية فان الإنفاق الجاري لموازنة 2020، على الرغم من تخفيضه قياساً بالعام 2019، إلا أنه بقي أعلى من الإيرادات الكلية المقدرة. ما يجعل استمراره أداء الوظائف البسيطة مرهوناً بتأمين الفارق عبر الاستدانة، عدا عن ارتهان الجانب الاستثماري بكليته للتمويل بالدين، ما يزيد من مخاطر تآكل النمو، في حال وجوده.
وفيما حدد وزير المالية مصادر الاستدانة وتغطية العجز بترشيد الإنفاق العام ورفع العائد الضريبي، وطرح سندات وأذونات الخزينة وجذب الاستثمارات، فقد اعتبر أن التمويل بالعجز سياسة مقصودة تهدف إلى تفادي الانكماش وجعل الموازنة توسعية، لتنشيط الاقتصاد السوري.
بدوره، خضع الجانب الاستثماري للتآكل في مشروع الموازنة، رغم ارتفاعه رقميا من 1300 مليار إلى 1500 مليار، إذ أن فروق سعر الصرف جعلت قيمته الفعلية تنخفض بنسبة 20%، أي بما يعادل نصف مليار دولار، علما أن المعلومات تشير إلى إلغاء النظام لكثير من المشاريع الاستثمارية في العام الحالي، وامتناعه عن تنفيذها لعدم توفر السيولة، ما يضع معظم أرقام الموازنة الاستثمارية في خانة الشك.
وفي الوقت الذي يستمر فيه الدمار على مزيد من الأراضي السوري نتيجة المعارك المستمرة، بما يرفع كلفة إعادة الإعمار المقدرة بـ400 مليار دولار، يصح القول ذاته على حصة إعادة الإعمار في مشروع الموازنة إذ تم تثبيت أرقام موازنة 2019 من دون تغيير، واعتماد مبلغ 50 مليار ليرة (كانت تعادل 106 مليون دولار في 2019، وتعادل اليوم 75 مليون دولار).
وانتقد أعضاء مجلس الشعب البيان المالي، وتحدث بعضهم عن أخطاء في الأرقام والحسابات. رجل الأعمال الحلبي فارس الشهابي، أشار إلى تراجع ترتيب سوريا في تقرير "سهولة ممارسة العمل"، مستغرباً الحديث عن تعافي الاقتصاد في ظل ارتفاع سعر الصرف وعدم صدور قانون جديد للاستثمار. كما تحدث باسل سودان، عن عدم تجسيد التصريحات الحكومية لجهة تحسين الواقع المعاشي في بنود الموازنة، وعدم ذكرها.
وفي ظل انعدام أي دور فاعل لمجلس الشعب وأعضائه، تبقى تصريحاتهم في إطار تسجيل المواقف اللحظية التي تتكرر سنوياً مع كل موازنة، وذلك لاقتصار وظيفتهم على إضفاء الطابع الفلكلوري على النقاش، وإقرار الموازنة كما هي في النهاية، ليبقى الواقع السوري مفتوحا على مزيد من الأزمات الاجتماعية والانسانية في ظل اقتصاد مدمر بالكامل وسلطة تجمع بين أمراء الحرب وأمراء الفساد.
وكانت الحكومة السورية قد انتهت من إعداد مشروع الموازنة في 20 تشرين أول، مقدرة اعتماداتها بـ4 ترليون ليرة سورية (4 ألاف مليار ليرة)؛ أي بحدود 6 مليارات دولار (الدولار 665 ليرة)، وذلك بزيادة 3% على موازنة 2019. وخصصت موازنة 2010، 62% منها للإنفاق الجاري، و38% للإنفاق الاستثماري.
وحسب البيان المالي لمشروع الموازنة الذي تلاه وزير المالية مأمون حمدان، الإثنين، في المجلس، فقد اعتمدت الحكومة 501 مليار ليرة لكتلة الرواتب والأجور بزيادة 3% عن العام الحالي، ما يعني غياب أي حديث عن رفع الأجور والرواتب، وغياب اعتمادات فرص عمل جديدة، لان النسبة المذكورة تمتصها الترفيعات الدورية للموظفين.
كما تم تحديد موازنة الدعم الاجتماعي بمبلغ 373 مليار ليرة، مقارنة بـ811 مليار ليرة للعام 2019. وتم تبرير الانخفاض بخروج المشتقات النفطية من دائرة الدعم، بعد رفع أسعارها في العام 2019 واعتماد البطاقة الذكية، ليبقى الخبز وحده المندرج في إطار الدعم الفعلي.
ورغم اعتبارها أعلى موازنة تم تقديمها حتى الآن بالليرة السورية، إلا أنها بالقيم السوقية تعتبر أدنى من موازنة 2019 التي تم تقديرها وفق سعر الصرف الرائج حينها بـ8 مليار دولار، في حين أن موازنة 2020 تقدر بـ6 مليار دولار، أي بفارق ملياري دولار. وتبلغ موازنة 2020 حوالي ثُلث موازنة 2011 المقدرة بـ16 مليار دولار.
وباحتساب الموازنة مقسومة على عدد السكان، يبلغ نصيب الفرد 160 ألف ليرة (250 دولاراً) سنوياً، تشمل حصته من الأمن والدفاع والصحة والتعليم والثقافة والدعم الاجتماعي وكافة الخدمات الأخرى، على اعتبار انه يحصل على نصيبه كاملاً بإهمال عوامل الهدر والسرقة والفساد.
وفي مؤشر واضح على تراجع الاقتصاد السوري وفشل سياسات النظام الاقتصادية، خلافا لتوقعاته السابقة بالانتعاش بعد انتصاراته العسكرية وبسط نفوذه على مزيد من الأراضي، تدل الأرقام على دخول الاقتصاد السوري في مرحلة انكماش شديدة وتراجع الواردات المحلية بشكل غير مسبوق، ما يبسط آثاره المدمرة على المجتمع السوري الذي وصلت نسبة الفقر فيه إلى 85%.
وغابت عن الموازنة العامة أية اعتمادات جارية لتثبيت سعر الصرف والحد من ارتفاع الأسعار. واكتفى وزير المالية بالحديث عن 83 ألف فرصة عمل ستتيحها الموازنة، وهو رقم شبيه بما تحدث عنه في الموازنة الماضية، من دون أن يكشف كم تحقق منها فعليا.
وليست حسابات القيمة السوقية للموازنة هي المؤشر الوحيد لتراجعها وتعبيرها عن أزمة النظام وعجزه الشديد، بل إن القيم المطلقة بالليرة السورية تراجعت في هذه الموازنة، لتنخفض الإيرادات العامة فيها بقيمة 400 مليار ليرة عن موازنة 2019، ويزداد العجز فيها بقيمة 514 مليار ليرة، ليصل العجز إلى قرابة 1500 مليار ليرة، على الرغم من ازدياد تقدير الوارد الضريبي فيها بنسبة 44% عن 2019.
ولم يسلم الإنفاق الجاري من الانخفاض رغم ارتفاع رقم الموازنة بالليرة، ففي حين وصل في موازنة 2019 إلى 2782 مليار، فقد انخفض في مشروع الموازنة إلى 2700 مليار، في مؤشر على حجم انكماش وتراجع الاقتصاد السوري، وأثره على الإيرادات العامة. حكومة عماد خميس كانت قد اضطرت لإتباع إجراءات تقشفية شديدة في الإنفاق تجاوزت في بعض بنودها نسبة 50% من الاعتماد المخصص لها، ما يعني المزيد من الإجراءات التقشفية وشد الحزام والمزيد من الأزمات المقبلة.
وفي مفارقة تبدو شديدة الأهمية فان الإنفاق الجاري لموازنة 2020، على الرغم من تخفيضه قياساً بالعام 2019، إلا أنه بقي أعلى من الإيرادات الكلية المقدرة. ما يجعل استمراره أداء الوظائف البسيطة مرهوناً بتأمين الفارق عبر الاستدانة، عدا عن ارتهان الجانب الاستثماري بكليته للتمويل بالدين، ما يزيد من مخاطر تآكل النمو، في حال وجوده.
وفيما حدد وزير المالية مصادر الاستدانة وتغطية العجز بترشيد الإنفاق العام ورفع العائد الضريبي، وطرح سندات وأذونات الخزينة وجذب الاستثمارات، فقد اعتبر أن التمويل بالعجز سياسة مقصودة تهدف إلى تفادي الانكماش وجعل الموازنة توسعية، لتنشيط الاقتصاد السوري.
بدوره، خضع الجانب الاستثماري للتآكل في مشروع الموازنة، رغم ارتفاعه رقميا من 1300 مليار إلى 1500 مليار، إذ أن فروق سعر الصرف جعلت قيمته الفعلية تنخفض بنسبة 20%، أي بما يعادل نصف مليار دولار، علما أن المعلومات تشير إلى إلغاء النظام لكثير من المشاريع الاستثمارية في العام الحالي، وامتناعه عن تنفيذها لعدم توفر السيولة، ما يضع معظم أرقام الموازنة الاستثمارية في خانة الشك.
وفي الوقت الذي يستمر فيه الدمار على مزيد من الأراضي السوري نتيجة المعارك المستمرة، بما يرفع كلفة إعادة الإعمار المقدرة بـ400 مليار دولار، يصح القول ذاته على حصة إعادة الإعمار في مشروع الموازنة إذ تم تثبيت أرقام موازنة 2019 من دون تغيير، واعتماد مبلغ 50 مليار ليرة (كانت تعادل 106 مليون دولار في 2019، وتعادل اليوم 75 مليون دولار).
وانتقد أعضاء مجلس الشعب البيان المالي، وتحدث بعضهم عن أخطاء في الأرقام والحسابات. رجل الأعمال الحلبي فارس الشهابي، أشار إلى تراجع ترتيب سوريا في تقرير "سهولة ممارسة العمل"، مستغرباً الحديث عن تعافي الاقتصاد في ظل ارتفاع سعر الصرف وعدم صدور قانون جديد للاستثمار. كما تحدث باسل سودان، عن عدم تجسيد التصريحات الحكومية لجهة تحسين الواقع المعاشي في بنود الموازنة، وعدم ذكرها.
وفي ظل انعدام أي دور فاعل لمجلس الشعب وأعضائه، تبقى تصريحاتهم في إطار تسجيل المواقف اللحظية التي تتكرر سنوياً مع كل موازنة، وذلك لاقتصار وظيفتهم على إضفاء الطابع الفلكلوري على النقاش، وإقرار الموازنة كما هي في النهاية، ليبقى الواقع السوري مفتوحا على مزيد من الأزمات الاجتماعية والانسانية في ظل اقتصاد مدمر بالكامل وسلطة تجمع بين أمراء الحرب وأمراء الفساد.