"نبع السلام": كشف حساب غير نهائي
بإعلان نائب الرئيس الاميركي مايك بنس، وقف إطلاق النار بين تركيا و"قوات سوريا الديموقراطية"، تكون عملية "نبع السلام" قد انتهت ميدانياً. وبات ممكناً اجراء جردة حساب مبدئية لمكاسبها وخسائرها، لكافة الأطراف، رغم عدم وضوح الاتفاق بشكل كامل، وبقاء عدد من نقاطه غامضة، وقد تنبثق عنه صراعات أخرى.
من جديد: ما هي المنطقة الآمنة؟
من جديد: ما هي المنطقة الآمنة؟
الضوء الأخضر الاميركي لأنقرة كان محصوراً بشريط ممتد بين تل أبيض ورأس العين، وصولاً إلى الطريق الدولي M4، وكان على القوات التركية أن تنجز المهمة في نحو أسبوع، لتلافي الارتدادات التي ستخلفها العملية داخل الإدارة الاميركية وفي الاقليم والعالم. وقد نجح الجيش التركي في السيطرة على مدينة تل ابيض، لكنه فشل حتى لحظة ابرام الصفقة في السيطرة على رأس العين بالكامل، ناهيك عن المنطقة الواقعة بينهما والتي تزيد على 120 كيلومتراً. وفي هذه الاثناء، ازدادت الضغوط على الرئيس ترامب، إلى درجة اضطر معها للتدخل بقوة، لفرض صفقة ثلاثية تزيل عنه الحرج الذي تسبب به قراره بـ"التخلي عن الأكراد"، ويخفف من الضغوط الدولية على أنقرة، بإضفاء غطاء أميركي على عمليته العسكرية، هذا بالإضافة لرفع العقوبات الاقتصادية، ومنح الأكراد ضمانة بعدم اجتياح مناطق تواجدهم الرئيسية على الحدود.
ومع أن انقرة تعمدت الحديث بشكل مبهم عن حدود المنطقة الآمنة، بما يوحي بأنها ستسيطر على كل الشريط الحدودي من جرابلس إلى الحدود العراقية، إلا أن ذلك لا يبدو واقعياً على الاطلاق. وما يبدو مؤكداً، هو أن ما تبقى من "وحدات الحماية" ستنسحب من مدينة رأس العين، والمنطقة الريفية بينها وبين تل أبيض، لا أكثر، ليحل الجيش التركي محلها.
نسخة "قسد" من الاتفاق غير مدعومة بضمانات
تُصر "وحدات الحماية" على القول إن الاتفاق لا يمنح الاتراك حق الدخول إلى الأراضي السورية باستثناء المنطقتين المشار إليهما، لكنها لا توضح الآلية التي ستُجبِرُ انقرة على الالتزام بذلك. تعهدات واشنطن ستصبح ادراج الرياح ما أن تغادر بقايا قواتها الأراضي السورية، وسيكون بوسع الاتراك توسيع عملياتهم بالتدريج، تحت ذرائع مختلفة للوصول إلى ما تبقى من المناطق المستهدفة.
نظام الأسد وروسيا!
ومع أن انقرة تعمدت الحديث بشكل مبهم عن حدود المنطقة الآمنة، بما يوحي بأنها ستسيطر على كل الشريط الحدودي من جرابلس إلى الحدود العراقية، إلا أن ذلك لا يبدو واقعياً على الاطلاق. وما يبدو مؤكداً، هو أن ما تبقى من "وحدات الحماية" ستنسحب من مدينة رأس العين، والمنطقة الريفية بينها وبين تل أبيض، لا أكثر، ليحل الجيش التركي محلها.
نسخة "قسد" من الاتفاق غير مدعومة بضمانات
تُصر "وحدات الحماية" على القول إن الاتفاق لا يمنح الاتراك حق الدخول إلى الأراضي السورية باستثناء المنطقتين المشار إليهما، لكنها لا توضح الآلية التي ستُجبِرُ انقرة على الالتزام بذلك. تعهدات واشنطن ستصبح ادراج الرياح ما أن تغادر بقايا قواتها الأراضي السورية، وسيكون بوسع الاتراك توسيع عملياتهم بالتدريج، تحت ذرائع مختلفة للوصول إلى ما تبقى من المناطق المستهدفة.
نظام الأسد وروسيا!
من وجهة نظر عامة، يبدو اتفاق اردغان-بنس، مرحلياً، يهدف لتجاوز تأزم سياسي محدد يعاني منه الرئيس الاميركي ترامب على وجه التحديد، وستنتهي مفاعيله بانسحاب آخر جندي أميركي من شرق الفرات. والاتفاقية محدودة بسقف زمني لا يتجاوز نهاية هذا العام وفق أعلى التقديرات، وعلى كافة القوى التي على الأرض أن تواجه المعضلة مجدداً وتبحث في الحلول والصفقات.
وقد استنجد قادة "الوحدات" الكردية بموسكو ودمشق، لنشر قواتهما على الشريط الحدودي، وإيقاف الاجتياح التركي لمناطق الكثافة الكردية، مقابل تنازلات سياسية لم يعلن عنها، لكن يبدو انها "شبه كاملة". وسارع نظام الأسد لنشر قواته في منبج وعين العرب، وسط قبول واضح من انقرة، إذا لم يصطدم جيشها ولا الفصائل السورية التابعة لها مع قوات النظام. كما أن قوات النظام التي أرسلت إلى رأس العين، لم تنخرط في الدفاع عن المدينة بل بقيت على حدودها لمنع الاتراك من التقدم إلى ما بعدها. ويعبر ذلك في الواقع عن قبول روسي بسيطرة انقرة على المدينة.
وبالتزامن مع ارسال بقايا وحداته المهلهلة إلى المنطقة الحدودية بشاحنات الأغنام، بدأ نظام الأسد بإيفاد ضباط الشرطة والامن إلى الرقة، في إشارة إلى بدء فرض سيادته على تلك المحافظة التي خرجت عن سيطرته منذ العام 2013. وبدأت موجة جديدة من التجنيد الاجباري السريع في مناطق سيطرته لتوفير عدد كاف من الجنود للانتشار في شرق الفرات.
وقد يستطيع النظام توفير حضور رمزي، لكنه لن يكون قادرا على فرض نفسه ميدانياً في تلك المناطق الشاسعة، التي عجز عن السيطرة عليها سابقاً، إذا ما قرر الأهالي مواجهته بالقوة. ويبدو أن موسكو ستحل هذه المعضلة بعقد اتفاقية مع الأكراد، تشبه إلى حد بعيد اتفاقية جنوب سوريا، تتحول بمقتضاها "قوات سوريا الديموقراطية" إلى فصيل تابع لها، وبالتالي تضع يدها على خياراته السياسية، مقابل ضمان أمنه من جانب نظام الأسد أو من جانب تركيا.
نحو الصفقة النهائية
وفق المعطيات السابقة، فإن أشهراً قليلة تفصلنا عن سيطرة روسية على شمال شرق سوريا، وعندها سيفتتح "البازار" مع تركيا للانسحاب من شمال حلب وادلب والمنطقة الآمنة، مقابل انهاء الملف الكردي سورياً. وسيكون من الملح لموسكو الوصول إلى هذه النتيجة قبيل نهاية العام 2020، لاستباق أي خلط جديد للأوراق قد ينجم عن الانتخابات الاميركية، ولتوفير الظروف المثلى لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في سوريا.
ويكرس ذلك الحل الروسي نهائياً، ما يتوّج خمس سنوات من الانخراط الفعال في شؤون سوريا، ويجعلها، أرضاً خالصة لروسيا بعدما انتزعتها من أتون "الفوضى والجحيم". وبينما يقترب بوتين من تحقيق هذا الهدف بخطى مدروسة ومتأنية، ستكون ملفات شرق أوسطية أخرى قد تم فتحها والعمل عليها، لتحويل الاقليم إلى منطقة نفوذ روسيّة، لن تتأثر هيمنتها عليه في المدى المنظور، حيث يتوقع استمرار سياسات التخلي والانكفاء الاميركية، خاصة مع تحول موسكو شيئاً فشيئا إلى حامٍ وضامن لأمن إسرائيل، التي يشي صمتها عن كونها رابحاً كبيراً مما يجري.
وقد استنجد قادة "الوحدات" الكردية بموسكو ودمشق، لنشر قواتهما على الشريط الحدودي، وإيقاف الاجتياح التركي لمناطق الكثافة الكردية، مقابل تنازلات سياسية لم يعلن عنها، لكن يبدو انها "شبه كاملة". وسارع نظام الأسد لنشر قواته في منبج وعين العرب، وسط قبول واضح من انقرة، إذا لم يصطدم جيشها ولا الفصائل السورية التابعة لها مع قوات النظام. كما أن قوات النظام التي أرسلت إلى رأس العين، لم تنخرط في الدفاع عن المدينة بل بقيت على حدودها لمنع الاتراك من التقدم إلى ما بعدها. ويعبر ذلك في الواقع عن قبول روسي بسيطرة انقرة على المدينة.
وبالتزامن مع ارسال بقايا وحداته المهلهلة إلى المنطقة الحدودية بشاحنات الأغنام، بدأ نظام الأسد بإيفاد ضباط الشرطة والامن إلى الرقة، في إشارة إلى بدء فرض سيادته على تلك المحافظة التي خرجت عن سيطرته منذ العام 2013. وبدأت موجة جديدة من التجنيد الاجباري السريع في مناطق سيطرته لتوفير عدد كاف من الجنود للانتشار في شرق الفرات.
وقد يستطيع النظام توفير حضور رمزي، لكنه لن يكون قادرا على فرض نفسه ميدانياً في تلك المناطق الشاسعة، التي عجز عن السيطرة عليها سابقاً، إذا ما قرر الأهالي مواجهته بالقوة. ويبدو أن موسكو ستحل هذه المعضلة بعقد اتفاقية مع الأكراد، تشبه إلى حد بعيد اتفاقية جنوب سوريا، تتحول بمقتضاها "قوات سوريا الديموقراطية" إلى فصيل تابع لها، وبالتالي تضع يدها على خياراته السياسية، مقابل ضمان أمنه من جانب نظام الأسد أو من جانب تركيا.
نحو الصفقة النهائية
وفق المعطيات السابقة، فإن أشهراً قليلة تفصلنا عن سيطرة روسية على شمال شرق سوريا، وعندها سيفتتح "البازار" مع تركيا للانسحاب من شمال حلب وادلب والمنطقة الآمنة، مقابل انهاء الملف الكردي سورياً. وسيكون من الملح لموسكو الوصول إلى هذه النتيجة قبيل نهاية العام 2020، لاستباق أي خلط جديد للأوراق قد ينجم عن الانتخابات الاميركية، ولتوفير الظروف المثلى لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في سوريا.
ويكرس ذلك الحل الروسي نهائياً، ما يتوّج خمس سنوات من الانخراط الفعال في شؤون سوريا، ويجعلها، أرضاً خالصة لروسيا بعدما انتزعتها من أتون "الفوضى والجحيم". وبينما يقترب بوتين من تحقيق هذا الهدف بخطى مدروسة ومتأنية، ستكون ملفات شرق أوسطية أخرى قد تم فتحها والعمل عليها، لتحويل الاقليم إلى منطقة نفوذ روسيّة، لن تتأثر هيمنتها عليه في المدى المنظور، حيث يتوقع استمرار سياسات التخلي والانكفاء الاميركية، خاصة مع تحول موسكو شيئاً فشيئا إلى حامٍ وضامن لأمن إسرائيل، التي يشي صمتها عن كونها رابحاً كبيراً مما يجري.