جبران باسيل.. مندوب مبيعات سوري
فجأة، أصبح لبنان محركاً رئيسياً لإعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية. بل إن إعادة إعمار سوريا، لـ"تنهض مجدداً، وينهض معها لبنان"، بحسب وزير الخارجية اللبنانية، صارت إحدى ركائز السياسة الخارجية لعهد لبنان "القوي".
قمة بيروت، العربية الاقتصادية، أظهرت حجماً غير مسبوق من التناقضات المحلية-الإقليمية. إذ أصرت أطراف لبنانية ضمن المحور السوري على القيام بدور المسوّق، عربياً ودولياً، لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام في دمشق، مقابل ما يبدو أنه وعود من النظام بحصة في إعادة الإعمار. لكن، مندوب التسويق اللبناني استعجل قراءة الإشارات الخليجية الأخيرة، شديدة التناقض، بالانفتاح السياسي على دمشق، كانفتاح اقتصادي أيضاً. ربما ساهمت زيارة وفد استثماري إماراتي لمقر شركة "دمشق الشام القابضة"، المسؤولة عن تنفيذ مشروع مدينة ماروتا، بزيادة هذه البلبلة.
المبادرة الإماراتية لإعادة فتح السفارة بدمشق، ترافقت مع اشتراط مصري، يتعلق بـ"تغيير سياسي" لعودة دمشق إلى الجامعة العربية. تغيير تُركَ غير واضح المعالم. ويبدو أن المبادرة لإعادة تأهيل النظام سياسياً، سيعقبها انفتاح اقتصادي بالاستثمار في بعض المواقع المُحددة، لكن مقابل ثمن سياسي، لا يبدو بعيداً منه ما يحمله التصعيد الإسرائيلي اليومي، ضد المواقع الإيرانية في سوريا، والإصرار على القتال حتى خروج آخر جندي إيراني من سوريا.
السايلزمان اللبناني، لم يقرأ تلك الإشارات عن الانفتاح المشروط، متلهياً بالغوص في اشتباك محلي للظفر بلقب الناطق الأعلى باسم عودة سوريا إلى محيطها العربي. لوهلة، بدا المُتخيّلُ اللبناني شديد الواقعية: الاستثمارات الخليجية آتية لإعادة إعمار سوريا، ولا بد من حجز مقعد فيها. تجاهل الاشتراط الإقليمي السياسي للانفتاح، والإصرار على القيام بالجانب التسويقي، عبر استغلال قمة بيروت، كانا أشبه بـ"النبوءة" ذاتية التحقق لدى الجانب اللبناني.
الهوس اللبناني بإعادة الإعمار في سوريا، يعود ربما إلى نموذج ما زال ينغّص مسيرة التيار العوني: سوليدير. فالتيار البرتقالي يريد أن يرى سوليدير في "دمشق الشام القابضة"، والداون تاون في ماروتا سيتي. المُدهشُ أن الداون تاون، رغم فشلها المريع في إعادة بثّ الاقتصاد في طائر الفينيق، ما زالت تُمثّلُ حالة تراود العونيين، ولو كانت في دمشق. فصَوت الرغبة المكلومة، أقوى من العقلانية الاقتصادية لدى القطب "المشرقي" الذي يمثّله المهندس جبران باسيل. اليوم، ماروتا وباسيليا وغيرها من المدن التنظيمية في قلب دمشق ومحيطها القريب، تمثّل الفرصة الذهبية لشركات الإعمار، وربما فرصة لتعويض ما فات من أرباح. أو، هكذا شُبّه لهم.
"دمشق الشام القابضة" شركة خاصة أسستها وتملكها محافظة دمشق لإدارة أملاك المحافظة، وبعض أملاك القطاع العام. وهي تزاوج هجين، لا روح فيه، للشراكة بين العام والخاص، لسيطرة رجال أعمال النظام على أملاك الدولة والناس. هي شكل بيئة الأعمال، في عالم ما بعد الحرب السورية. النظام قدّم لها اطاراً قانونياً وتشريعياً متكاملاً، على مدى السنوات الماضية، ودمّرت قواته لأجلها مناطق واسعة في قلب ومحيط دمشق، حتى باتت مساحات شاسعة، مُمهدة بالجرافات، جاهزة للاستثمار في العاصمة السورية، بانتظار الممول/المستثمر.
إعادة الإعمار في سياقها السوري، ليست ما يقول اسمها، بل ما يخفيه. هي طرد الناس من سكنهم العشوائي، وإقامة أبراج وفنادق ومدن سياحية، في بلاد يقبع 83% ممن تبقى من سكانها تحت خط الفقر. هي انشاء عقارات فارهة، غير مُولِّدة للدخل، في مواقع مُحددة سلفاً، لن تُغيّر بأي شكل من واقع البؤس السوري. أي إقامة نُصبٍ ملوّن براق، بلا وظيفة، لكنس ركام الحرب تحته.
إعادة الإعمار في سوريا، ضمن سياق المدن التنظيمية و"دمشق الشام القابضة" ورجال أعمال النظام، في أحسن أحوالها، هي انتظار الاستثمارات الخارجية في بيئة شديدة الخطورة، تتناوب على سمائها أنواع الطيران الحربي، وعلى أرضها يتفاقم الفقر والجوع. استثمار خارجي في بيئة كهذه، إن تمّ، هو حتماً توظيف سياسي مشروط.
العزلة الدولية التي يعيشها النظام، وإدراك الممول الخارجي لطبيعة استثماره السياسية، وبالتالي النفوذ الوحيد الذي يملكه، تجعل من إمكانية تحقق مدينة ماروتا وغيرها، أمراً غير وارد. فحلفاء النظام، الروس والإيرانيون، على أتم الاستعداد للمحاصصة واسترداد التكاليف، وأقطاب النظام ورجال أعماله يشحذون سكاكينهم لاقتطاع حصصهم من الفطيرة. والمستثمر "الأبله"، المستعد لصب ملايين الدولارت لقاء "النهضة العربية"، انقرض منذ زمن بعيد إلا في المخيلة السورية-اللبنانية. مواقع الإعمار ستكون، في أفضل الأحوال، ساحات اقتتال وصراع وتصفية حسابات، كما كان حال مواقع الحرب والتدمير.
مشكلة السايلزمان اللبناني الرئيسية في تسويق إعادة الإعمار السورية، أنه لا يعتمد في حساباته على علوم الماركيتنغ، ولا على الأرقام والبيانات المالية ودراسة جدوى الاستثمار وعائدية المشاريع، ولا على التقاط الإشارات الإقليمية. بل يبدو الأمر أشبه بحسابات بائع "الكشة" اللبناني المتجوّل مطلع القرن الماضي، وكأن جبران باسيل تخلى عن وزارته الخارجية، لصالح المغتربين.
قمة بيروت، العربية الاقتصادية، أظهرت حجماً غير مسبوق من التناقضات المحلية-الإقليمية. إذ أصرت أطراف لبنانية ضمن المحور السوري على القيام بدور المسوّق، عربياً ودولياً، لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام في دمشق، مقابل ما يبدو أنه وعود من النظام بحصة في إعادة الإعمار. لكن، مندوب التسويق اللبناني استعجل قراءة الإشارات الخليجية الأخيرة، شديدة التناقض، بالانفتاح السياسي على دمشق، كانفتاح اقتصادي أيضاً. ربما ساهمت زيارة وفد استثماري إماراتي لمقر شركة "دمشق الشام القابضة"، المسؤولة عن تنفيذ مشروع مدينة ماروتا، بزيادة هذه البلبلة.
المبادرة الإماراتية لإعادة فتح السفارة بدمشق، ترافقت مع اشتراط مصري، يتعلق بـ"تغيير سياسي" لعودة دمشق إلى الجامعة العربية. تغيير تُركَ غير واضح المعالم. ويبدو أن المبادرة لإعادة تأهيل النظام سياسياً، سيعقبها انفتاح اقتصادي بالاستثمار في بعض المواقع المُحددة، لكن مقابل ثمن سياسي، لا يبدو بعيداً منه ما يحمله التصعيد الإسرائيلي اليومي، ضد المواقع الإيرانية في سوريا، والإصرار على القتال حتى خروج آخر جندي إيراني من سوريا.
السايلزمان اللبناني، لم يقرأ تلك الإشارات عن الانفتاح المشروط، متلهياً بالغوص في اشتباك محلي للظفر بلقب الناطق الأعلى باسم عودة سوريا إلى محيطها العربي. لوهلة، بدا المُتخيّلُ اللبناني شديد الواقعية: الاستثمارات الخليجية آتية لإعادة إعمار سوريا، ولا بد من حجز مقعد فيها. تجاهل الاشتراط الإقليمي السياسي للانفتاح، والإصرار على القيام بالجانب التسويقي، عبر استغلال قمة بيروت، كانا أشبه بـ"النبوءة" ذاتية التحقق لدى الجانب اللبناني.
الهوس اللبناني بإعادة الإعمار في سوريا، يعود ربما إلى نموذج ما زال ينغّص مسيرة التيار العوني: سوليدير. فالتيار البرتقالي يريد أن يرى سوليدير في "دمشق الشام القابضة"، والداون تاون في ماروتا سيتي. المُدهشُ أن الداون تاون، رغم فشلها المريع في إعادة بثّ الاقتصاد في طائر الفينيق، ما زالت تُمثّلُ حالة تراود العونيين، ولو كانت في دمشق. فصَوت الرغبة المكلومة، أقوى من العقلانية الاقتصادية لدى القطب "المشرقي" الذي يمثّله المهندس جبران باسيل. اليوم، ماروتا وباسيليا وغيرها من المدن التنظيمية في قلب دمشق ومحيطها القريب، تمثّل الفرصة الذهبية لشركات الإعمار، وربما فرصة لتعويض ما فات من أرباح. أو، هكذا شُبّه لهم.
"دمشق الشام القابضة" شركة خاصة أسستها وتملكها محافظة دمشق لإدارة أملاك المحافظة، وبعض أملاك القطاع العام. وهي تزاوج هجين، لا روح فيه، للشراكة بين العام والخاص، لسيطرة رجال أعمال النظام على أملاك الدولة والناس. هي شكل بيئة الأعمال، في عالم ما بعد الحرب السورية. النظام قدّم لها اطاراً قانونياً وتشريعياً متكاملاً، على مدى السنوات الماضية، ودمّرت قواته لأجلها مناطق واسعة في قلب ومحيط دمشق، حتى باتت مساحات شاسعة، مُمهدة بالجرافات، جاهزة للاستثمار في العاصمة السورية، بانتظار الممول/المستثمر.
إعادة الإعمار في سياقها السوري، ليست ما يقول اسمها، بل ما يخفيه. هي طرد الناس من سكنهم العشوائي، وإقامة أبراج وفنادق ومدن سياحية، في بلاد يقبع 83% ممن تبقى من سكانها تحت خط الفقر. هي انشاء عقارات فارهة، غير مُولِّدة للدخل، في مواقع مُحددة سلفاً، لن تُغيّر بأي شكل من واقع البؤس السوري. أي إقامة نُصبٍ ملوّن براق، بلا وظيفة، لكنس ركام الحرب تحته.
إعادة الإعمار في سوريا، ضمن سياق المدن التنظيمية و"دمشق الشام القابضة" ورجال أعمال النظام، في أحسن أحوالها، هي انتظار الاستثمارات الخارجية في بيئة شديدة الخطورة، تتناوب على سمائها أنواع الطيران الحربي، وعلى أرضها يتفاقم الفقر والجوع. استثمار خارجي في بيئة كهذه، إن تمّ، هو حتماً توظيف سياسي مشروط.
العزلة الدولية التي يعيشها النظام، وإدراك الممول الخارجي لطبيعة استثماره السياسية، وبالتالي النفوذ الوحيد الذي يملكه، تجعل من إمكانية تحقق مدينة ماروتا وغيرها، أمراً غير وارد. فحلفاء النظام، الروس والإيرانيون، على أتم الاستعداد للمحاصصة واسترداد التكاليف، وأقطاب النظام ورجال أعماله يشحذون سكاكينهم لاقتطاع حصصهم من الفطيرة. والمستثمر "الأبله"، المستعد لصب ملايين الدولارت لقاء "النهضة العربية"، انقرض منذ زمن بعيد إلا في المخيلة السورية-اللبنانية. مواقع الإعمار ستكون، في أفضل الأحوال، ساحات اقتتال وصراع وتصفية حسابات، كما كان حال مواقع الحرب والتدمير.
مشكلة السايلزمان اللبناني الرئيسية في تسويق إعادة الإعمار السورية، أنه لا يعتمد في حساباته على علوم الماركيتنغ، ولا على الأرقام والبيانات المالية ودراسة جدوى الاستثمار وعائدية المشاريع، ولا على التقاط الإشارات الإقليمية. بل يبدو الأمر أشبه بحسابات بائع "الكشة" اللبناني المتجوّل مطلع القرن الماضي، وكأن جبران باسيل تخلى عن وزارته الخارجية، لصالح المغتربين.