"شهادات الإيداع": سداد ديون النظام وتمويل عجز الميزانية
لا يغيب عن إعلام النظام الرسمي، بشكل يومي، التسويق والتأكيد على أهمية الإنجاز "الحداثي" بالسماح للمصارف العاملة في سوريا إصدار شهادات إيداع بالليرة السورية والدولار، وسط غزل متواصل لرؤوس الأموال السورية المُهاجرة للعمل "معاً" في هذا المشروع.
وتُصدر شهادات الإيداع عن الفروع الرئيسية للمصارف، مقابل مبلغ مجمّد يودعه المستثمر، ويتعهد البنك بموجب الشهادات المصدَرة بدفع أصل المبلغ عند تاريخ الاستحقاق، كما يتعهد بدفع الفوائد الدائنة المترتبة على المبلغ المجمّد، بحسب برنامج معين يتفق عليه مع المستثمر. ويتميز نظام شهادات الإيداع عادةً بمعدلات فائدة مرتفعة قد تتجاوز 20 في المائة.
في سوريا تبدو الأمور دوماً أكثر غرابة. فالمصرف العقاري أعلن عن شهادات الإيداع التي يمكن أن يصدرها حالياً وتتراوح قيمة الواحدة منها ما بين 500 ألف و50 مليون ليرة سورية، وبتواريخ استحقاق تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، بمعدل فائدة ما بين 9% و9.5% و10%. في حين أن فائدة "الودائع لأجل" العادية، في المصرف ذاته لمبلغ يفوق 25 مليون ليرة، ولأكثر من سنة كتاريخ استحقاق، تصل إلى 11%. وبالتالي لن يرغب كثيرون من أصحاب رؤوس الأموال بإصدار شهادات إيداع بالليرة، لأنهم يستطيعون الحصول على معدل فائدة أعلى عبر "الودائع العادية لأجل".
تركيز النظام سرعان ما انتقل إلى السعي عبر مؤسساته المصرفية إلى إصدار شهادات إيداع بالعملات الأجنبية، خاصة الدولار، لكي يستقطب الودائع المتواجدة في الخارج، في لبنان والأردن. النظام بدأ حملة مكثّفة للترويج بأن الفوائد ستكون مرتفعة، وتفوق مثيلاتها من المعدلات المعتمدة على "الودائع لأجل". ترويج تزامن مع العمل على تخويف المستثمرين من أن القطاع المصرفي في لبنان والأردن قد يتدهور بشكل كبير.
حاكم مصرف سوريا المركزي دريد ضرغام، قال لـ"وكالة سانا"، إن "معدل الفائدة الدائنة قد يصل إلى 5 في المائة لشهادات الايداع بالعملات الأجنبية". وهي نسبة مرتفعة. كما قال ضرغام، بوجود طرح لـ"شهادات إيداع إسلامية".
ويعتبر الاستثمار في شهادات الإيداع مغامرة كبيرة في سوريا، ينضوي تحتها الكثير من المخاطر المالية التي قد يعيها بعض المستثمرين بعد فوات الآوان. إلا أن البعض ممن اكتنزوا القطع الأجنبي خلال الحرب، قد يجدون في هذه الشهادات ملاذاً قانونياً لدمج أموالهم "المشكوك بمصادرها" ضمن العجلة المالية الاعتيادية، فيتم غسلها وتداولها كأموال نظيفة.
وتبدأ مخاطر هذه الشهادات من تاريخ استحقاقها، وهو التزام يترتب بموجبه على البنك، وَرأسماله الخاص، تسديد أصل قيمة المبلغ المودع فيه كشهادة إيداع. وفي حال افترضنا استقطاب ملايين الدولارات، من سوريين وغيرهم، في ظل عجز المصارف بشكل عام عن الدخول باستثمارات ناجحة بسبب الفساد والحرب، فإن المصارف المُصدرة لهذه الشهادات قد تضطر للاقتراض من بعضها لتسديد الفجوات المالية الناجمة عن استحقاق شهادات الإيداع. وقد يتعدى ذلك إلى الاقتراض لتسديد الفوائد الدائنة المستحقة. مفتاح النجاح بإصدار شهادات الإيداع لا يكون بتكديس ملايين الدولارات في المصارف السورية، بل بكيفية استثمارها بالطريقة الصحيحة، وهذا أمر غير واضح من قبل حكومة النظام.
الواضح الوحيد هنا أن النظام قد يستخدم تلك الأموال لسداد الديون، وتمويل العجز بالميزانية. وهنا تسعى المصارف لاستخدام الأموال الأجنبية لتمويل الحكومة السورية، ما يحاكي الواقع المصرفي اللبناني، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً لاصدار شهادات الإيداع بشكل أساسي. حاكم مصرف سوريا قال بصراحة: "إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي نقداً في المصارف العاملة في سوريا، خطوة مهمة لجذب أموال السوريين بعوائد تنافسية تمهيداً لإعادة استثمارها في الاقتصاد الوطني خلال المرحلة القادمة".
وعلى سبيل المثال، يمكن لحكومة النظام تمويل عجز الموازنة العامة الذي ارتفع إلى ما يقارب 747 مليار ليرة سورية في العام 2017 (ما يعادل 1.7 مليار دولار)، عبر الاستدانة من المصارف، لسداد فوائد المبالغ المقترضة وتأجيل سداد أصل الديون، عبر إصدار سندات خزينة. سندات الخزينة هي شهادات الإيداع ذاتها، على مدة أطول. أو يمكن للحكومة إعادة إصدار شهادات إيداع جديدة، بهدف المماطلة في تسديد المستحقات، لأن التعثر المالي سيصبح واقعاً. ولهذا الاجراء خطورة كبيرة من حيث تحويل دين الدولة إلى المستثمرين، ما قد يؤدي إلى إجراءات أكثر تعقيداً، كخصخصة قطاعات جديدة من القطاع العام.
ديونٌ لا علاقة للمواطن بها ستصبح عبئاً عليه وعلى أسرته، وسترفع حجم التضخم. فكلما أرادت حكومة النظام إغراء أصحاب الأموال بالعودة إلى "حضن الوطن"، عملت إلى رفع معدلات الفائدة الدائنة على شهادات الإيداع، وبالتالي زادت من تكلفة الإقراض. وستسير بقية المصارف على الدرب نفسه لتحقيق عوائد تمكنها من سداد الفوائد المستحقة، أو أصل المبالغ المودعة لديها. حينها ستصبح فوائد القرض الشخصي، مثلاً، فوق قدرة المواطن على تسديدها، وستشكل نسبة عالية جداً من أصل القرض، ما سيرفع من حالات التعثر المالي، ويخلق أزمة إقراض قد تشلّ البلد.
ما يزيد من خطورة الأمر، أن تكون شهادات الإيداع قابلة للتداول في البورصة، وهو أمر طبيعي في بلد عادي. لكن في بلد يعاني من الفشل الاقتصادي والمالي والسياسي، يعتبر ذلك من المحاذير القصوى. وسوق دمشق للأوراق المالية ذات حجم تداول متواضع منذ نشأتها، ولم تكسب ثقة واسعة بين المستثمرين. حجم التداول في بورصة دمشق بلغ نهاية يوم عمل 10 آب/أغسطس 125.8 مليون ليرة سورية، إي ما يعادل 289 ألف دولار. لكن طرح شهادات الإيداع في البورصة السورية، وجعلها رهينة العرض والطلب، سيؤدي إلى خفض قيمتها، والتأثير بشكل كبير على قيمة الليرة. وهنا ستلجأ الحكومة للاستدانة من السوق بمعدلات فائدة مرتفعة جداً، ومن دون أن تقابلها، بطبيعة الحال، بمشاريع جدية لزيادة الإيرادات العامة للحكومة.
طرح موضوع شهادات الإيداع في هذا التوقيت، يدل على حاجة حكومة النظام للقطع الأجنبي، رغم وجود سيولة نقدية كبيرة بالليرة السورية في المصارف، والباقي على شكل احتياطيات لمواجهة المخاطر المالية. شهادات الإيداع هي اعلان صريح عن الإفلاس العلاجي، وكل من يتبعه سيدفع ثمناً باهظاً من "جيبه فقط". النظام في سوريا في حالة عسر مالي شديد، لن ينفعه اسجداء رؤوس الأموال ولا الحملات الإعلامية التي يقوم بها. ويبدو أن المطالبات بتسديد فواتير الحرب بدأت تلوح في الأفق والنظام كعادته سيدفعها من أموال السوريين في الداخل والخارج.
وتُصدر شهادات الإيداع عن الفروع الرئيسية للمصارف، مقابل مبلغ مجمّد يودعه المستثمر، ويتعهد البنك بموجب الشهادات المصدَرة بدفع أصل المبلغ عند تاريخ الاستحقاق، كما يتعهد بدفع الفوائد الدائنة المترتبة على المبلغ المجمّد، بحسب برنامج معين يتفق عليه مع المستثمر. ويتميز نظام شهادات الإيداع عادةً بمعدلات فائدة مرتفعة قد تتجاوز 20 في المائة.
في سوريا تبدو الأمور دوماً أكثر غرابة. فالمصرف العقاري أعلن عن شهادات الإيداع التي يمكن أن يصدرها حالياً وتتراوح قيمة الواحدة منها ما بين 500 ألف و50 مليون ليرة سورية، وبتواريخ استحقاق تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، بمعدل فائدة ما بين 9% و9.5% و10%. في حين أن فائدة "الودائع لأجل" العادية، في المصرف ذاته لمبلغ يفوق 25 مليون ليرة، ولأكثر من سنة كتاريخ استحقاق، تصل إلى 11%. وبالتالي لن يرغب كثيرون من أصحاب رؤوس الأموال بإصدار شهادات إيداع بالليرة، لأنهم يستطيعون الحصول على معدل فائدة أعلى عبر "الودائع العادية لأجل".
تركيز النظام سرعان ما انتقل إلى السعي عبر مؤسساته المصرفية إلى إصدار شهادات إيداع بالعملات الأجنبية، خاصة الدولار، لكي يستقطب الودائع المتواجدة في الخارج، في لبنان والأردن. النظام بدأ حملة مكثّفة للترويج بأن الفوائد ستكون مرتفعة، وتفوق مثيلاتها من المعدلات المعتمدة على "الودائع لأجل". ترويج تزامن مع العمل على تخويف المستثمرين من أن القطاع المصرفي في لبنان والأردن قد يتدهور بشكل كبير.
حاكم مصرف سوريا المركزي دريد ضرغام، قال لـ"وكالة سانا"، إن "معدل الفائدة الدائنة قد يصل إلى 5 في المائة لشهادات الايداع بالعملات الأجنبية". وهي نسبة مرتفعة. كما قال ضرغام، بوجود طرح لـ"شهادات إيداع إسلامية".
ويعتبر الاستثمار في شهادات الإيداع مغامرة كبيرة في سوريا، ينضوي تحتها الكثير من المخاطر المالية التي قد يعيها بعض المستثمرين بعد فوات الآوان. إلا أن البعض ممن اكتنزوا القطع الأجنبي خلال الحرب، قد يجدون في هذه الشهادات ملاذاً قانونياً لدمج أموالهم "المشكوك بمصادرها" ضمن العجلة المالية الاعتيادية، فيتم غسلها وتداولها كأموال نظيفة.
وتبدأ مخاطر هذه الشهادات من تاريخ استحقاقها، وهو التزام يترتب بموجبه على البنك، وَرأسماله الخاص، تسديد أصل قيمة المبلغ المودع فيه كشهادة إيداع. وفي حال افترضنا استقطاب ملايين الدولارات، من سوريين وغيرهم، في ظل عجز المصارف بشكل عام عن الدخول باستثمارات ناجحة بسبب الفساد والحرب، فإن المصارف المُصدرة لهذه الشهادات قد تضطر للاقتراض من بعضها لتسديد الفجوات المالية الناجمة عن استحقاق شهادات الإيداع. وقد يتعدى ذلك إلى الاقتراض لتسديد الفوائد الدائنة المستحقة. مفتاح النجاح بإصدار شهادات الإيداع لا يكون بتكديس ملايين الدولارات في المصارف السورية، بل بكيفية استثمارها بالطريقة الصحيحة، وهذا أمر غير واضح من قبل حكومة النظام.
الواضح الوحيد هنا أن النظام قد يستخدم تلك الأموال لسداد الديون، وتمويل العجز بالميزانية. وهنا تسعى المصارف لاستخدام الأموال الأجنبية لتمويل الحكومة السورية، ما يحاكي الواقع المصرفي اللبناني، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً لاصدار شهادات الإيداع بشكل أساسي. حاكم مصرف سوريا قال بصراحة: "إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي نقداً في المصارف العاملة في سوريا، خطوة مهمة لجذب أموال السوريين بعوائد تنافسية تمهيداً لإعادة استثمارها في الاقتصاد الوطني خلال المرحلة القادمة".
وعلى سبيل المثال، يمكن لحكومة النظام تمويل عجز الموازنة العامة الذي ارتفع إلى ما يقارب 747 مليار ليرة سورية في العام 2017 (ما يعادل 1.7 مليار دولار)، عبر الاستدانة من المصارف، لسداد فوائد المبالغ المقترضة وتأجيل سداد أصل الديون، عبر إصدار سندات خزينة. سندات الخزينة هي شهادات الإيداع ذاتها، على مدة أطول. أو يمكن للحكومة إعادة إصدار شهادات إيداع جديدة، بهدف المماطلة في تسديد المستحقات، لأن التعثر المالي سيصبح واقعاً. ولهذا الاجراء خطورة كبيرة من حيث تحويل دين الدولة إلى المستثمرين، ما قد يؤدي إلى إجراءات أكثر تعقيداً، كخصخصة قطاعات جديدة من القطاع العام.
ديونٌ لا علاقة للمواطن بها ستصبح عبئاً عليه وعلى أسرته، وسترفع حجم التضخم. فكلما أرادت حكومة النظام إغراء أصحاب الأموال بالعودة إلى "حضن الوطن"، عملت إلى رفع معدلات الفائدة الدائنة على شهادات الإيداع، وبالتالي زادت من تكلفة الإقراض. وستسير بقية المصارف على الدرب نفسه لتحقيق عوائد تمكنها من سداد الفوائد المستحقة، أو أصل المبالغ المودعة لديها. حينها ستصبح فوائد القرض الشخصي، مثلاً، فوق قدرة المواطن على تسديدها، وستشكل نسبة عالية جداً من أصل القرض، ما سيرفع من حالات التعثر المالي، ويخلق أزمة إقراض قد تشلّ البلد.
ما يزيد من خطورة الأمر، أن تكون شهادات الإيداع قابلة للتداول في البورصة، وهو أمر طبيعي في بلد عادي. لكن في بلد يعاني من الفشل الاقتصادي والمالي والسياسي، يعتبر ذلك من المحاذير القصوى. وسوق دمشق للأوراق المالية ذات حجم تداول متواضع منذ نشأتها، ولم تكسب ثقة واسعة بين المستثمرين. حجم التداول في بورصة دمشق بلغ نهاية يوم عمل 10 آب/أغسطس 125.8 مليون ليرة سورية، إي ما يعادل 289 ألف دولار. لكن طرح شهادات الإيداع في البورصة السورية، وجعلها رهينة العرض والطلب، سيؤدي إلى خفض قيمتها، والتأثير بشكل كبير على قيمة الليرة. وهنا ستلجأ الحكومة للاستدانة من السوق بمعدلات فائدة مرتفعة جداً، ومن دون أن تقابلها، بطبيعة الحال، بمشاريع جدية لزيادة الإيرادات العامة للحكومة.
طرح موضوع شهادات الإيداع في هذا التوقيت، يدل على حاجة حكومة النظام للقطع الأجنبي، رغم وجود سيولة نقدية كبيرة بالليرة السورية في المصارف، والباقي على شكل احتياطيات لمواجهة المخاطر المالية. شهادات الإيداع هي اعلان صريح عن الإفلاس العلاجي، وكل من يتبعه سيدفع ثمناً باهظاً من "جيبه فقط". النظام في سوريا في حالة عسر مالي شديد، لن ينفعه اسجداء رؤوس الأموال ولا الحملات الإعلامية التي يقوم بها. ويبدو أن المطالبات بتسديد فواتير الحرب بدأت تلوح في الأفق والنظام كعادته سيدفعها من أموال السوريين في الداخل والخارج.