مؤتمر"مآلات الثورة السورية"يتعمق في أسباب أزمة المعارضة
اختُتمت أعمال الندوة الأكاديمية "مآلات الثورة السورية: ماذا جرى؟ ولماذا؟"، الأحد، التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وقد التأمت جلسات المؤتمر في الدوحة، على مدار يومين، وشارك فيها نحو ستة وعشرين فرداً من الباحثين والأكاديميين. وناقشت جلسات اليوم الختامي أزمة المعارضة السورية وأداءها القتالي والسياسي، وسياسات النظام السوري في مواجهة الثورة، وانتهت بجلسة ختامية تناولت الفصائل والحركات الإسلامية ودورها وتجاربها في مسارات الثورة السورية.
المعارضة السورية: أزمة في ظل الأزمة؟
استهلت أعمال اليوم الأول جلسة للنقاش حول أزمة المعارضة السياسية السورية. وقدم فيها برهان غليون مداخلة بعنوان "عن أزمة القيادة في المعارضة السورية: المجلس الوطني نموذجاً"، تناولت ما وصفه بالمآل الكارثي الذي آلت إليه الثورة السورية، وحالة ضعف المعارضة وتشتت قوى الثورة وانقسامها. وأكد غليون أن ما جرى في السنوات السبع الماضية لم يكن حتمياً، وإنما جاء ثمرة لرؤى واختيارات سياسية وإستراتيجيات، وأن استعادة المبادرة التاريخية، وتذليل العقبات "الموضوعية" و"الخارجية" التي حالت دون تحقيق الثورة أهدافها، أمرٌ يتوقف على فهم هذه الخيارات وتقييمها. وذكر غليون أن خطأ النظام السوري الأكبر كان في رفضه الإصلاح السياسي، في حين أن المعارضة أخطأت بتخبطها وعدم تماسكها وانحسار قدرتها على تشكيل جسم سياسي قادر على التفاوض. كان المجلس الوطني قد تشكل في مرحلة تراجع المظاهرات الشعبية وبداية انتشار السلاح في سورية، لكن تم إجهاض تجربته؛ بسبب الصراع على النفوذ والمكانة بين أفراد المعارضة السورية، فضلاً عن تركيز الباحثين السوريين على العوامل الجيوسياسية، وبخاصة التدخلات الخارجية الإيرانية ثم الروسية. كما كان لشلل المنظمة الدولية وتعطيل دور المجتمع الدولي سهمٌ في أزمة المعارضة السورية وتراجع أدائها.
أما الباحث عبد الباسط سيدا، فقد تطرق في بحث بعنوان "كرد سوريا والثورة: ماذا جرى للمجلس الوطني الكردي؟" إلى العوامل التي أسهمت في بلورة معالم الدور الكردي ضمن المعارضة. جعل سيدا سياسات حكم حزب البعث، ورفضه المطلق لأي وجود وطني كردي في سوريا، بمنزلة مقدمة لتتبع هذا الدور. وقال إنّ هذه السياسة انعكست في رفض الاعتراف بأي حقوق قومية مشروعة للكرد ضمن الحدود السورية، وفي اعتماد مشاريع تمييزية ضدهم في الوقت ذاته. وعلى الضفة المقابلة، اتسمت الأحزاب الكردية بمطلبية الطابع والبرامج، فهي أحزاب لا تطالب بالسلطة ولا تتنافس بشأنها، بل تعمل من أجل الموضوع والهم الكرديّين في المقام الأول، وكانت مُحكمة بثنائية "نحن – هم"، وهي نقطة وظَّفها النظام السوري ضمن إستراتيجيته في تحييد المكونات السورية وإبعادها عن الثورة. ألقى كل هذا بتداعياته على طبيعة الحراك الكردي في الثورة السورية ونوعيته. وشاركت الكتلة الوطنية الكردية في تأسيس المجلس الوطني السوري وكان لها تمثيل به، في حين اختار المجلس الوطني الكردي عدم المشاركة، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بُذلت من أجل ذلك. وبعد حل جملة من الإشكاليات، دخل هذا المجلس في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وقد جرى التوصل إلى حل بخصوص موضوع الفدرالية، العقدة التي كانت تصطدم بها كل جهود انضمام المجلس الكردي إلى الائتلاف. وكان الحل هو أن يسجل المجلس الكردي تحفظه على غياب الفدرالية في وثيقة التوافق بينه وبين الائتلاف.
على مستوى موازٍ، وبعنوان "المعارضة الهامشية بعد الثورة: بحث في تكوين المعارضة السياسية وأجهزتها وأدائها"، تناول الباحث عبد الرحمن الحاج تكوين المعارضة وأداءها ومؤسساتها، انطلاقاً من "المعارضة الهامشية". واعتماداً على هذا المفهوم غير المتداول على نحو كافٍ في إطار العلوم السياسية، بنى الباحث مداخلته مبيناً أنه مفهوم حيوي يسهم في فهم أعمق للمعارضة في الحالة السورية. اعتمد الحاج ثلاثة معايير أساسية في تصنيف المعارضة تحت عنوان "الهامش": أولاً، الاعتراف الدولي بها، باعتبارها جهة ممثلة شرعية للشعب مقابلة للنظام. وثانياً، التعبير السياسي عن أهداف الثورة وتطلعاتها. وثالثاً، التأييد السياسي الواسع خصوصاً من أولئك الذين هم خارج سلطة النظام. وشدد على صعوبة فهمنا لنشأة المعارضة الهامشية إذا ما انطلقنا من تصور أنها وجه آخر لتكوين المعارضة الرئيسة فحسب؛ ذلك أن بواعث عديدة للتكوين ناشئة من عوامل أخرى. وفي ظل ديناميات الثورة وتشكيل المركز، بالنظر إلى أنه استجابة لتغطية الثورة سياسياً، نشأ صراع الشرعية على تمثيلها أمام المجتمع الدولي بوصفها قضية رئيسة. ويرجع ظهورها إلى ما بعد التدخل العسكري الروسي، في سنوات حكم أوباما الأخيرة، إذ كان الهدف الرئيس لموسكو هو تفتيت المركز وتشكيل حشد من المعارضة الهامشية لاحتلاله، فعملت على تصنيع معارضة هامشية وظيفية، ودفعت إلى استصدار القرار 2254/2015، الذي سمح لموسكو بدفع هذه المعارضة الوظيفية (التابعة لها عموماً) نحو شرعنة دخولها المركز، ونجحت في ذلك في مؤتمر "جنيف 4"، وهو أمرٌ تم تثبيته في مؤتمر "الرياض 2".
المعارضة السورية: الأداء القتالي والسياسي
استعرض الباحث محمد الحاج علي في الجلسة الثانية من أعمال الندوة الأكاديمية الموقف العسكري لفصائل المعارضة السورية، في مداخلة بعنوان "الموقف العسكري بعد سبع سنوات: لماذا فشلت محاولات توحيد فصائل المعارضة المسلحة". حاول الباحث الإجابة عن تساؤلين؛ أولهما: لماذا لم تنشقّ قطعات ووحدات كاملة من الجيش السوري لمصلحة الثورة؟ وثانيهما: لماذا فشلت محاولات توحيد فصائل المعارضة المسلحة؟ تناول الباحث في معرض إجابته عن السؤال الأول تطور المؤسسة العسكرية في سورية، موضحاً تمحور إدراك حافظ الأسد للجيش بوصفه عاملاً لاستدامة سلطته وسيطرته، وإضفاء صبغة ذات طابع طائفي عليه؛ إذ إنه فرض سياسة خاصة لترويض القوات المسلحة، على نحو حوَّل عقيدتها الأساسية إلى حماية النظام وحده، من دون أي اعتبار آخر.
وعلى الرغم من توافر قدرات عسكرية كبيرة في الجيش السوري، فإن هذا الجيش عجز عن قمع الثورة السورية، إذ استنزفت حرب الأعوام السبعة قدراته وتماسكه. وفي المقابل، نجحت الثورة التي تحولت إلى العمل في السيطرة على معظم الأراضي السورية، في نهاية عام 2012، بفضل مساندة الحاضنة الشعبية لها. لكنّ الدورين الإقليمي والدولي، إضافة إلى دور استخبارات النظام، حرفت كل اتجاهها الوطني إلى اتجاهات دينية متشددة. ولم تكفِ النياتُ الحسنة فصائلَ الثورة السورية، إذ فشلت مراراً في التجمع ضمن جسم عسكري موحد. وقد ردَّ الباحث جزءاً من ذلك إلى الدور الإقليمي والدور الذي منع ذلك، إلى جانب الدور السلبي للأحزاب والقادة الذين تصدروا مشهد العمل المسلح، وانعكاسات ذلك على عدم تحقيق النصر على النظام، وانفصال العمل السياسي عن العمل العسكري، وانقسام الفصائل المسلحة بين إسلامية وجيش حر والصراع المحتدم فيما بينها.
أما الباحث محمد حسام الحافظ، فقد جاءت مداخلته بعنوان "الأداء التفاوضي المركزي لقوى الثورة والمعارضة السورية: المرجعيات، والمسار، والمآلات". وأثناء هذه المداخلة، حاول الباحث سد ثغرة بحثية وأكاديمية من خلال سرد أساسيات العملية التفاوضية وتقويمها بعد مرور سبع سنوات على اندلاع الثورة السورية. وعالج الموقع التفاوضي للمؤسسات التي مثلت المعارضة السورية وإشكاليات ذلك التمثيل طوال العملية التفاوضية، سواء أكان ذلك إشكالاً موضوعياً أم سياسياً بحتاً. وفي سبيل ذلك، ركز على الموقع التمثيلي للمجلس الوطني والائتلاف وهيئة المفاوضات بنسختيها، وهي الهيئة التي من المفترض أن يكون دورها الوحيد هو تمثيل قوى الثورة والمعارضة في المفاوضات السياسية مع ممثلي النظام.
حاول الباحث سلام الكواكبي أن يبحث في أسباب عجز الهيئات السياسية والهيئات الإعلامية المرتبطة بالمعارضة السورية عن كسب تأييد الرأي العام العربي عموماً، ورأي النخب اليسارية والقومية العربية خصوصاً، في مداخلته التي جاءت بعنوان "المعارضة ومعركة الرأي العام العربي: التأثير المضاد للنخب القومية واليسارية". فقد استعراض الباحث أساليب عمله ونشاطه في المجال الإعلامي والتحشيدي وتحليله؛ وذلك من خلال التوقف عند عديد من معالم الضعف التي انتابته، وقد كانت تتمحور أساساً حول مسألة إعادة إنتاج خطاب لا يبتعد عن الخطاب السلطوي السائد في الشكل، وإن كان على نقيضه في المضمون. كما أنها ترتبط بنقص الإمكانات المهنية والمالية، إضافة إلى فقدان الترابط بين الخطاب السياسي المبعثر والتوصيل الإعلامي المشتت. وحاول الباحث سبر الأسباب التكوينية في الوعي الذي تحمله النخب اليسارية والقومية في المنطقة العربية التي تصدّت على نحو يكاد يكون مبدئياً و"نضالياً" لخطاب الثورة السورية، وابتعدت عن أي شكل من أشكال التضامن، حتى في حال كونه خطابياً.
النظام السوري: تحولات البنية في ظل الأزمة
قدم الباحث لؤي صافي مداخلة بعنوان "هل نجح النظام في احتواء الثورة؟ قراءة في الأسباب البنيوية والثقافية"، تناول فيها الأسباب البنيوية والثقافية التي مكّنت النظام السوري من احتواء الثورة. ثم انتقل إلى تحديد طبيعة الثقافة السياسية السائدة وأثرها في تقليل فرص نجاح الثورة بشأن تحقيق أهدافها، مع أهمية وجود كتلة اجتماعية حرجة لنجاح جهود تحقيق تحول ديمقراطي في سوريا. ونبّه الباحث إلى أهمية قيام حركة فكرية تحمل رؤية إنسانية تضمينية، لتوليد الزخم الاجتماعي الضروري من أجل إيجاد الكتلة الحرجة وتزويدها بالرؤية المستقبلية. وبحسب رأيه، تحتاج الحركة الفكرية إلى ربط الرؤية الإنسانية التضمينية بالسياق الاجتماعي والمشكلات الحيوية للمجتمع السوري ودول المشرق المحيطة به، والتي تتماهى قضاياها الاجتماعية والسياسية مع قضاياه، كما أن قدرة المجتمع السوري على تحقيق ثورته الحقيقية ترتبط بالتفاعل مع مؤسسات المجتمع المدني في دول الجوار.
أما التحول في بنية النظام الأمنية خلال سنوات الثورة، فقد عالجه الباحث معن طلاع في مداخلة بعنوان "تحولات البنية الأمنية للنظام السوري خلال الثورة". وتطرق الباحث إلى أهم التحولات التي شهدتها البنية الأمنية للنظام، وهي تتمثل بعدم تماسك البيئة الأمنية في مناطق النظام وعدم خضوعها "إدارياً" أو "وظيفياً" لقوة أمنية مركزية مضبوطة، وتدهور مؤشرات الاستقرار الأمني، وقد تعززت تلك النظرة منذ اللحظة الأولى لتدفق الميليشيات الأجنبية الحليفة للجغرافيا السورية من جهة، ولقرار تكوين مجموعات عسكرية محلية يشرف عليها كبار رجال النظام من جهة ثانية. تلك المجموعات التي نمت وتوسّعت في الحجم والتأثير خلال الأعوام الماضية، زاد خطرها على المجتمع برمته؛ خاصة في ظل تنامي أدواتها وسياستها على نحو عابر للوطنية. إضافة إلى ما ذكر، وما يعزز نتائج الفشل الوظيفي والسيولة الأمنية وتعارض الأجندة الأمنية للفواعل الأمنية في مناطق سيطرة النظام، فإن انتشار أنماط أمنية متعددة في سوريا التي باتت مقسمة إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية واضحة، يساهم في تعزيز عدم قدرة الأجهزة الأمنية "الحكومية" القائمة على ممارسة الالتفاف على أسئلة المرحلة المقبلة واستحقاقاتها.
ثم قدم الباحث رضوان زيادة بحثاً بعنوان "الجيوش النظامية والحروب الأهلية: كيف انهار الجيش السوري في النزاع المسلح؟" تطرق فيه إلى مراحل تراجع قوة الجيش النظامي الذي زجّ به في الصراع المسلح، مقارنةً بتجارب بلدان أخرى خاضت جيوشها النظامية حروباً أهلية، وانعكاس ذلك على مسار الحرب في سوريا. واستعرض الباحث مراحل انخراط الجيش السوري في قمع الأعمال الاحتجاجية، فقد كان القرار السياسي مبكراً، في نيسان/ أبريل 2011؛ أي المتمثل بإرسال وحدات من الجيش النظامي لإخماد فتيل التظاهرات في محافظة درعا. وفي بداية عام 2012، ومع ازدياد قوة المعارضة المسلحة وعدد المنشقين عن الجيش، ازداد انغماس "الجيش النظامي" في أتون الصراع المسلح، وحتى الفرق العسكرية (مثل الفرقتين 17 و18 غير العاملتين والمعدّتين للاحتياط فقط)، تم الزج بها في قمع الاحتجاجات المسلحة في حمص وريفها، وبعد ذلك في حلب، في حين احتفظت قوات النخبة (الفرقة الرابعة) والحرس الجمهوري بوظيفة أساسية هي تأمين العاصمة دمشق. وحتى عام 2015، كانت ثلاث فرق عسكرية سورية كاملة قد اضمحلت، أو اختفت، ولم يبق من كتائبها إلا أفراد جرى فرزهم إلى قطع عسكرية تتبع فرقاً أخرى.
إسلاميو الثورة: التجارب والتحولات
بدأت أعمال الجلسة الأخيرة بمداخلة قدمتها الباحثة نعومي راميريث دياث جاءت بعنوان "هل يكون للإخوان المسلمين دور في جعل رؤى القوى المتشددة أكثر اعتدالاً". رأت الباحثة أنّ لجماعة الإخوان المسلمين تاريخاً فكرياً معقداً ومتغيراً، وأنه لا يخلو من نسبة ذات أهمية تتعلق بغياب العدالة، وأنه إذا كان بعض شخصيات الجماعة البارزة قد أدى دوراً ملتبساً في فترات معينة من تاريخ سوريا، فإنّ هناك تياراً فكرياً ديمقراطياً وُلد مع الجماعة، وصمد أمام رياح التشدد التي عصفت بها، بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في السبعينيات، وخاصة في الثمانينيات. وافترضت الباحثة أن هذا التيار الذي أصبح أوضح في القرن الحالي، خصوصاً بعد ازدياد دور الشباب في الجماعة نتيجة مشاركتهم في نشاطات مختلفة في الثورة، قد يكون مفيداً إذا أردنا نقل بعض آراء الجماعات المسلحة التي تعدّ نفسها إسلامية (وهي فعلاً سلفية) من معسكر التشدد إلى معسكر الاعتدال؛ وذلك على الرغم من صعوبة المرحلة، وإمكان تفهّم تبنّي قيادات هذه القوى وقواعدها البشرية التشدد في مجتمع لم يُعرف قَطُّ بالتشدد، أو الميل إلى العنف.
أما الباحث توماس بييريه، فجاءت مداخلته بعنوان "هيئة الشام الإسلامية: السلفية الحركية مقابل ’نظام حكم الجهاديين‘". وقد تناول بالبحث الاختلاف الأيديولوجي من خلال مقارنة وجهتَي نظر هيئة الشام الإسلامية والجماعات الجهادية فيما يتعلّق بثلاث قضايا: الرموز الوطنية، واختيار القادة السياسيين والعسكريين وصلاحياتهم، وتدوين الأحكام الشرعية؛ إذ ميّز بين السلفيين الناشطين والجهاديين. ففي حين يتصوّر الجهاديون الصراع السوري حقبة من حقب الجهاد العالمي الذي مضى عليه عقد من الزمن، وينسبون إلى أنفسهم دوراً قيادياً في النضال؛ كونهم طليعة الحركة السلفية، فإن هيئة الشام الإسلامية تتبنّى سردية الثورة السورية ورموزها. بعبارة أخرى، ترى هيئة الشام الإسلامية أنّ الشعب يتمتع بالفاعلية السياسية، ومن ثمّ فهو يمثّل مصدراً رئيساً للشرعية. نتيجةً لذلك، وفي الوقت الذي يروّج فيه الجهاديون لمقاربة سياسية تتمحور حول الدولة وتعكس مقاربة الأنظمة السلطوية التي يسعون لإزاحتها، تتبنى هيئة الشام الإسلامية نموذجاً يرتكز على المجتمع ويتيح وجود نظام تمثيلي.
في السياق ذاته، عالج الباحث حمزة المصطفى تحولات الحركة الإسلامية السورية، في بحثه الذي جاء بعنوان "تقييم تحولات الحركة الإسلامية السورية: أحرار الشام، وجيش الإسلام، وفيلق الشام"، وحاول استكشاف آليات عملها السياسي ومحدداته وسياقاته الظرفية والبنيوية، بهدف رصد التغيرات الخطابية والسلوكية والتنظيمية، وتقييم مدى تأثيرها في إستراتيجيتها الراهنة والمستقبلية. لقد مهّدت الثورة السورية في مراحلها السلمية والمسلحة الطريق أمام معارضي النظام عموماً، والإسلاميين خصوصاً، لاقتحام المجال السياسي، بحيث أوجدت حيزاً عاماً خارج تحكّم السلطة مكّنَ الفاعلين السياسيين والاجتماعيين من طرح أفكارهم وبرامجهم، تأسست في إطاره حركاتٌ إسلامية مسلحة تتقاطع فيما بينها مع الأهداف العامة، وتتباين في تفاصيل الوصول إليها. وقد سعت هذه الحركات لتغتنم الفرص المتاحة في الثورة لتوسّع قاعدتها الاجتماعية، وتتبوأ مكانة سياسية مركزية مؤثِّرة في التفاعلات السياسية للحدث السوري، وهو ما عرّضها لتغيرات خطابية وسلوكية وهيكلية. فقد أضحت الفصائل الإسلامية، بحسب رأيه، مركز الثقل الرئيس في العمل المسلح ضد قوات النظام السوري والفصائل الأجنبية المساندة له، وغدت في الوقت عينه أحد أبرز إشكالاته المركزية. وقد عزا الباحث ذلك إلى اختلاف تقييم القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الأزمة السورية، وإلى كيفية التعامل معها راهناً ومستقبلاً.