التحولات الاجتماعية في الخليج.. والعلاقات الأميركية الخليجية
افتتح أعمال المنتدى، الذي يمتد ليوم الأحد، الدكتور مروان قبلان، الباحث في المركز العربي، ورئيس لجنة منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية. أكد في كلمته الافتتاحية أن المنتدى بات منبراً أكاديميا لدراسة شؤون منطقة الخليج العربي وعلاقتها بجوارها والإقليم والعالم، وأنه مدار الأعوام الأربعة الماضية جرى تكريس المنتدى باعتباره أحد البرامج البحثية المتميزة للمركز العربي كتقليد سنوي يعقد في الأسبوع الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر.
وقد أشار قبلان أن دورة هذا العام ستتناول قضايا التحولات الاجتماعية واشكالية الهوية والقيم في دول مجلس التعاون الخليجي لاسيما أن أزمة حصار قطر قد كشفت عن توتر مكبوت في العلاقة بين الهويات التقليدية ( الوشائجية والقرابية) والتي كان النظام السياسي الاجتماعي في بلدان الخليج يكرسها ويمآسسها في الوقت نفسه الذي يحاول ان يعمق فيه خطاب المواطنة والهوية الوطنية. أكد قبلان أن هذه الموضوعات وغيرها يتناولها المنتدى في محور التحولات الاجتماعية واشكاليات الهوية والقيم في 19 ورقة بحثية موزعة على ست جلسات تتناول موضوعات تتراوح بين الهوية، والقيم والتنمية، والقبيلة، واللغة وصولاً الى الازمة الخليجية وتأثيرها في الهوية الخليجية المشتركة.
غاري سيك: الولايات المتحدة الأميركية بين الهيمنة والتردد في الخليج
افتتح الباحث في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا غاري سيك أعمال المنتدى بمحاضرة عامة بعنوان "أميركا: القوة المهيمنة المترددة"، تحدث فيها عن التحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه دول الخليج العربية مع التركيز على تاريخها بالمنطقة والموسوم بالنفور والريبة والتقلّب. وأشار سيك في تحليله لسياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي إلى تسارع وتيرة دخول الولايات المتحدة إلى الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت، وتشكيل الولايات المتحدة ائتلافاً غير مسبوق نجح في هزيمة القوات العراقية؛ ما مكّن القوات الأميركية - بما تتمتع به من بنية تحتية داعمة - من غزو أفغانستان والعراق وشنّ الحرب اللاحقة ضد العناصر الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة. تناول سيك في بحثه الأزمة العالمية الحالية التي تواجهها سياسة الولايات المتحدة، مبرزاً أنه بالرغم من الحضور العسكري الهائل التي تحظى به أميركا في دول الخليج العربية، إلا أن هناك بعض الإشارات تفيد بأن الولايات المتحدة بدأت تتعب من هذا الدور، وأنها قد تعود بالتدريج إلى مستوى انخراطها السابق الأكثر تواضعاً في المنطقة.
أسس وركائز الهوية في دول الخليج العربية
ناقشت الجلسة الأولى في محور التحولات الاجتماعية بدول الخليج العربية لمنتدى دراسات الخليج إشكالية الهوية في بلدان الخليج، قدم فيها الباحث محمد غانم الرميحي عرضاً للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرضت لها دول الخليج العربية قبل وبعد دخولها اكتشاف النفط. وأشار الرميحي إلى أن مجتمعات دول الخليج العربية تشكلت وتكونت في ظلال نسيج اجتماعي صحراوي؛ فلها من العلاقات الاجتماعية ما تفرضه الصحراء. كما أنها تشكلت في ظلال البحر؛ أي إن عدداً كبيراً من أبنائها ركبوا البحر للتجارة والغوص للبحث عن اللؤلؤ أو صيد الأسماك.
في السياق ذاته، ركزت الباحثة كلثم الغانم على مدى قدرة شعوب دول الخليج العربية على تحقيق الانسجام ما بين المسألة التاريخية في الخليج والمتمثلة ببعدها الديني وإرثها التاريخي؛ الذي يحاول إعادة الظهور من جديد في ضوء التحديات الجوهرية الراهنة التي تواجه دول الخليج العربية، وبين الواقع الراهن الذي يعيشه المواطن الخليجي في دول الخليج العربية.
الهوية الخليجية في الكويت وقطر وعُمان
تناولت الجلسة الثانية من أعمال محور التحولات الاجتماعية دراسة التحديات التي تواجهها الهوية في الكويت وقطر وعُمان. عالج فيها الباحث يعقوب الكندري خطورة ظهور هويات فرعية فئوية، وتأثيرها في استقرار المجتمع الكويتي.. وأوصى بضرورة تعزيز الهوية الوطنية داخل المجتمع من خلال إعداد برامج تربوية، إعلامية، ثقافية مختلفة تسهم فيها الدولة.
على مستوى موازٍ، ناقشت الباحثة مريم الحمادي الهوية الوطنية القطرية من خلال التركيز على متحف قطر الوطني الجديد والمتوقع افتتاحه في نيسان/ أبريل 2019. وتعمقت الباحثة في مناقشة الجدل المثار بين المتخصصين والقائمين على أعمال المتحف الجديد؛ ما بين الرغبة في عرض هوية موحدة لقطر وعرض التنوع الثقافي للهوية داخل المجتمع القطري.
استعرض الباحث مبارك بن خميس الحمداني ظاهرة القبيلة في عمان وحضورها الفاعل في المجالات السياسية والاجتماعية. وناقش الباحث فكرة "التضامن الاجتماعي" الذي تحققه القبيلة لأفرادها، أو "السلطة" التي تمنحها، أو أنظمة "الحماية الاجتماعية" التي توفرها للأفراد المنتسبين إليها، وكيفية تأثير ذلك في العمليات السياسية الحيوية في الدولة والمجتمع، وتثبيطه حضور الدولة المدنية بتشكلاتها ورهاناتها الفعلية.
التنمية والتطور العمراني والتغير اللغوي وأثرهم في صناعة التحولات الاجتماعية
افتتح مهران كامرافا الجلسة الثالثة من محور التحولات الاجتماعية في الخليج العربي وأشار إلى أن المدن والتطور العمراني في دول الخليج العربية شكل فضاءات مدينية وحداثية ناجحة نسبياً لتستقطب المواطنين والعمال من جميع أنحاء العالم. وفي سياق ذي صلة، قدم الباحث علي عبد الرؤوف دراسة هدف من خلالها إلى استكشاف وتحليل التحولات الرئيسة الحاصلة في المدن الخليجية المعاصرة في العقد الأخير.
وفي شأن متصل، أشارت الباحثة دانية ظافر إلى أنه لا يمكن فهم التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية دون فهم العلاقات بين الدولة والأعمال التجارية ودور القوى الاجتماعية والسياسية في بلورة التنمية المؤسسية فيها.
أما الباحث قاسم شعبان فقد بحث مسألة التحولات اللغوية وكشف شعبان أن الوضع الاجتماعي اللغوي المعقد نشأ وتطور بالتدريج بعد اكتشاف دول الخليج العربية للنفط والغاز في المنطقة، والشروع في خطط التنمية البشرية والمادية بإجراءاتها الموسومة بالطموح التي حولت المجتمعات القبلية البسيطة إلى مجتمعات حضرية متطوّرة.
مرتكزات العلاقات الخليجية - الأميركية
في الجلسة الأولى من محور العلاقات الخليجية الأميركية كشف الباحث دانيال سيروير عن أهمية إمدادات الطاقة في العلاقة بين الطرفين ، وأشار سيروير بأنه يجب على مورّدي النفط في دول الخليج تحمّل المزيد من الأعباء على أنفسهم والسعي إلى إشراك عملائهم الآسيويين، إلى جانب حصولهم من الولايات المتحدة على التقانات المتقدمة في مجالات الاستخراج والطاقة البديلة، وذلك بدلاً عن المحافظة على الركائز التقليدية في العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية.
قدّم المداخلة الثانية الباحث مروان بشارة، فقد رأى بأن العلاقات بقيت ثابتة وتعزّزت خلال العقود الأربعة الماضية، على الرغم من التقلبات والصعوبات المختلفة نهاية الحرب الباردة. واختتم بأن العلاقة الخليجية – الأميركية تبدو اليوم أكثر وضوحاً، إذ تضاعف بعض دول الخليج استثماراتها السياسية والمالية للضغط على صناع القرار الأميركيين، وتنسّق جهودها مع جماعات الضغط الإسرائيلية لتحقيق أقصى تأثير.
أما المداخلة الثالثة فهي للباحث روس هاريسون، وجاءت لتنتقد التحليلات السياسية القائمة على مفهوم توازن القوى التقليدي والقائم على النزعة الواقعية وذلك بسبب الحقائق السائدة في الشرق الأوسط اليوم.
واقع العلاقات الخليجية الأميركية
استعرضت الجلسة الثانية من محور العلاقات الخليجية الأميركية واقع العلاقات بين الطرفين. وقد قدم أنتوني كوردسمان قراءة في راهن العلاقات الخليجية الأميركية، وجاءت مداخلة الباحث عبد الله الشايجي للحديث عن تباين العلاقات الخليجية – الأميركية وعدم قدرة الطرفين على المحافظة على توازن حقيقي طيلة العقود الماضية. أما المداخلة الثالثة فقد أشار الباحث محمد المنشاوي إلى أنه مع وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وصعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد السعودي، انتقل بالعلاقة بين الطرفين من كونها علاقات إستراتيجية خاصة إلى علاقات خاصة شبه شخصية، وهو ما قد ينتج منه تبعات شديدة الخطورة، تتخطى توازنات الداخل السعودي واستقراره من ناحية، واستقرار مصالح واشنطن في الشرق الأوسط وتغيرها من ناحية أخرى.
ناقشت الجلسة الثالثة في محور العلاقات الخليجية الأميركية التحديات الأمنية، تحدث فيها الباحث روري ميلر، والباحث الكويتي ظافر العجمي الذي أشار إلى أن دول الخليج العربية تواجه شعورً دائماً بقابلية الغزو، وهذه مشاعر أججتها الولايات المتحدة الأميركية، ورأى الباحث محجوب الزويري بأن إيران حضرت في مشهد العلاقات الخليجية - الأميركية مرة أخرى خلال السنوات القليلة الماضية.