ديرالزور: لماذا تستفز "قسد" عشيرة البوفريو؟

أحد أهالي أبو النيتل، قال لـ"المدن"، إن سبب اقتحام "قسد" الأخير لقريتهم، قبل شهر، والاعتقالات التي نفذتها، يعود لتصفية حسابات شخصية وعشائرية من قبل القيادات المحلية خاصة ضمن "مجلس ديرالزور العسكري". ولذلك فإن المفاوضات بين الطرفين لحل الإشكال، تبوء بالفشل. وأشار إلى تعويل السكان على وساطة قبيلة شمر، وقوات "الصناديد العشائرية"، لأنها على تواصل مع "التحالف الدولي" وقيادات "قسد" في الحسكة.

وعزا الرجل الإشكالات إلى تجاوزات عناصر "قسد" المحليين والأجانب، بحق أبناء القرية، عدا عن الابتزاز والاعتقالات العشوائية والخطف على الطرقات، بأمر من قيادات محلية في "قسد" كانت تفرض إتاوات على الناس، خاصة عندما كان لها نقاط عسكرية على أطراف القرية. وأشار إلى أن عدم إطلاق سراح الشبان المعتقلين منذ شهر، سيدفع الأمور نحو الأسوأ، في القرية وجاراتها من قرى قبيلة الدليم، التي تنتمي إليها عشيرة البوفريو، وعموم منطقة الخابور في ديرالزور.

وعلى الرغم من افراج "قسد" عن معتقلين اثنين قبل أسبوع، إلا أنها عادت واعتقلت أحد المُكلّفين بالتفاوض معها، أثناء مراجعته للسؤال عن المعتقل خليل البدالله. المفاوض المعتقل كان قد استضاف الاجتماع الثاني بين الوسطاء، وأهالي القرية، في بيته.

وتعود الأزمة بين الدليم و"قسد" إلى تشرين الأول/أكتوبر 2017، عندما أطلق بعض عناصر "قسد" النار على نازحين مدنيين، بغرض التسلية، فأصابوا شاباً ورفضوا اسعافه. وقبل نهاية العام الماضي، أقدم قيادي أجنبي على إعدام 3 شبان من القرية، ولم تحاسبه "قسد" بذريعة أنه كان بـ"حالة سُكر".

وفي منتصف أيار/مايو 2018 قُتِلَ قياديان أجنبيان في "وحدات حماية الشعب" الكردية، كبرى مليشيات "قسد"، مع عناصرهما على يد مجهولين في محيط القرية التي كانت تشهد انفلاتاً أمنياً. ففرضت "قسد" حظر تجوال، ومنعت صلاة التراويح في مساجد أبو النيتل. وفي منتصف حزيران/يونيو، اقتحم مسلحو "قسد" منازل عشيرة البوفريو، قبيل عيد الفطر، واعتقلوا 35 شخصاً بطريقة مهينة، وسرقوا ما صادفوه من أموال وصيغة ذهبية، لكنهم اضطروا لاطلاق سراحهم بعد خروج الأهالي بمظاهرات احتجاجية.

البداية الحقيقية للمشكلة، كانت عقب انفجار 18 عبوة ناسفة ضد رتل أميركي في 4 تموز/يوليو، وسقوط قتلى وجرحى، في منطقة المكاريض قرب المقبرة بين أبو النيتل والنملية. حينها بدأت الاتهامات لأهالي القرية ومحيطها، بالتستر على منفذي الهجمات، على الرغم من سيطرة "الدولة الإسلامية" على البادية القريبة في ذلك الحين.

رئيس "مجلس ديرالزور" أحمد الخبيل "أبو خولة"، والقياديين في "المجلس" شاهر الخبيل "أبو علي فولاذ"، وفتوح الويس، وحامد الخبيل ومجموعة من أبناء عمومته، وجميعهم من عشيرة البكير من قبيلة العقيدات، كانوا قد ساقوا الاتهامات بحق أهالي أبو النيتل بموالاة "الدولة الإسلامية"، لتحريض "قسد" و"التحالف". إلا أن الأهالي أكدوا مراراً بأن هؤلاء القياديين كانوا مصدر الفوضى والمسؤولين عن عملية التشليح والسطو المسلح في المنطقة، حين كانوا يعملون كأمنيين في صفوف تنظيم "الدولة" قبل أن ينقلبوا عليه وينضموا إلى "قسد"، نتيجة حكم "داعش" على بعضهم بالقتل على خلفية تورطهم بحوادث تشليح واختطاف امرأة واغتصابها.

ورغم ذلك، داهمت دورية من استخبارات "قسد" العسكرية، في 22 أيلول/سبتمبر، منزل نادر حمادي، واعتقلته مع ابن عمه علي الحميد. وتعرضا للضرب المبرح خلال عملية الاعتقال، وأثناء نقلهما إلى بلدة الصور، أصيب نادر بنزيف دماغي تسبب بشلله، فنُقِلَ من سجون "قسد" إلى مشفى القامشلي، ومنه إلى مشفى في حلب، ثمّ إلى مشفى الرازي في دمشق، وما زال في العناية المركزة. ونصح الأطباء ذوي نادر بتركه في العناية المركزة لمدة 6 أشهر، وسيكلفهم ذلك 75 ألف ليرة سورية، يومياً.

وفي 25 أيلول اقتحمت قوة من "قسد" مدعومة بقوات "التحالف الدولي" أبو النيتل، واشتبكت مع الأهالي الغاضبين، واعتقلت 15 شاباً بينهم 7 جرحى.

في تشرين الأول/أكتوبر، بدأت الاجتماعات بين وجهاء عشيرة البوفريو الدليمية، في أبو النيتل، مع وسطاء من قبيلة شمر وجناحها العسكري "الصناديد". الاجتماع الأول عُقدَ في منزل كيلو الروكان، وبحث أموراً تتعلق بقضية المعتقلين وممارسات عناصر "قسد" ضد السكان، وكان تمهيداً للاجتماع الثاني في منزل سعيد النواف. وتكشفت النقاشات عن بوادر حل قريب، وسط وعود باخراج المعتقلين، خلال أيام، وفق مصادر من الأهالي.

خلال الاجتماعات، ردّ وجهاء البوفريو، على ما وصفوها بـ"أكاذيب" لفقها عناصر من "قسد"، حول العثور على مشافٍ ميدانية ومستودعات أسلحة والقبض على "مهاجرين" في أبو النيتل وسوحة البوفريو، مطالبين بمحاسبة العناصر المتسببين بالاقتحامات الأخيرة.

لكن النتائج على الأرض اقتصرت على الإفراج عن نازح عراقي يدعى أبو هيثم، اعتقل خلال اقتحام القرية مع أولاده الثلاثة، إلى جانب الإفراج عن محمد نواف العبدالله، وذلك طبعاً بعد دفعه أموالاً طائلة وواسطات، وفق الأهالي.

ويقول الأهالي إن العبدالله المفرج عنه، اعتقل خارج القرية مع حسين العماش، قبل مواجهات "قسد" مع الأهالي. وبقي المعتقلون الجرحى، في سجون "قسد"، وهي تماطل بتسليمهم، وتطالب بضمانات بعدم تعرض دورياتها والأرتال العسكرية لهجمات في المنطقة، وهذا ما يفوق قدرة الناس العاديين.

في الوقت الذي كان فيه أهالي قرية أبو النيتل، يترقبون انفراجة بمسألة الخلاف مع "مجلس ديرالزور العسكري"، استجابت "الإدارة الذاتية" لطلب وجهاء عشائر الجزيرة السورية، وأطلقت سراح أكثر من 100 معتقل في سجونها متهمين بالإنتماء لـ"الدولة الإسلامية"، وتجاهلت قضيتهم. وجاء الافراج عن الموقوفين في سجون "الإدارة الذاتية"، في اجتماع عُقد في "مجلس مدينة الشدادي"، في 23 تشرين الأول/أكتوبر، مع وجهاء من عشائر البكارة والعكيدات والجبور. الإفراج عن المعتقلين الـ100 تمّ على أساس أنهم "من المغرر بهم... ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء" خلال فترة انضمامهم للتنظيم، وليس على أساس البراءة من التهمة.

عدم اطلاق سراح شباب قرية أبو النيتل في اجتماع "الشدادي" خيّب آمال الأهالي بوجود حل قريب لمشكلة عشيرة البوفريو مع "قسد".