ماذا يريد النظام من مسيحيي عربين بعدما هجّرهم؟
إعادة تأهيل النظام لعلاقاته مع مسيحي مدينة عربين في غوطة دمشق الشرقية، تكاد تكون من أولويات المرحلة الحالية في الغوطة الشرقية. ويسعى النظام لاستعادة ثقة مسيحيي عربين به بعدما أخرجهم من منازلهم في تموز/يوليو 2012 بحجة إبعادهم عن نيرانه التي استهدفت المدينة بعد سقوط حاجز الساحة بيد المعارضة. تهجير المسيحيين أثار نقمتهم، وتسبب لهم بأعباء مادية ومعنوية كبيرة، ولم يعودوا إلى منازلهم بعدها قط.
ويحاول النظام المُسارَعة بإعادة المسيحيين إلى المدينة، رغم عدم تأهيل البنى التحتية، وعدم توفر الأجواء المعيشية المناسبة. ويهيئ النظام سياسياً ودينياً لعودتهم إليها بطرق مختلفة، قد تشبه السمسرة أو المساومة. فالنظام سيكسب ورقة المسيحيين سياسياً في الداخل والخارج، مقابل تقديم المنفعة للمتعاونين معه.
في ترشيحات مجلس بلدية عربين التي أُعلن عنها في أيلول/سبتمبر، دفع النظام مسيحيين من عربين هما عيسى داوود راجحة، ابن وزير الدفاع الأسبق، وسعيد طعمة، للترشح لعضوية المجلس، رغم أنهما لا يعيشان فيها، ليحفّز عودة المسيحيين إلى المدينة والمشاركة بالانتخابات.
مصدر من عربين، قال لـ"المدن"، أنه خلال الاسبوع الماضي، ورغم تقييد نشاطات المنظمات الإنسانية في الغوطة، سمح النظام لـ"هيئة مار أفرام السرياني البطريركية للتنمية" بتوزيع سلال منظفات داخل عربين، رغم عدم عودة الأهالي المسيحيين حتى الآن، واقتصار تواجدهم على زيارات لمنازلهم المدمرة ومحاولة تقييم أضرارها، ورغبتهم بتأخير عودتهم إلى ما بعد إصلاح البنى التحتية. وقد شكر المكتب التنفيذي لمدينة عربين "الهيئة" رسمياً لتقديمه تلك السلال.
وأفاد المصدر ذاته، أنه سبق ذلك بأسبوعين، السماح لحافلتين محملتين بوفود مسيحية، منهم حوالي 12 مسيحياً من عربين، بدخول المدينة والتجول بين أحيائها، من دون معرفة ماهية الزيارة أو ما نتج عنها. ويُفهم منها كسب ودّ المسيحيين، وإظهار النظام كحامٍ لحقوق الأقليات، وحق المسيحيين بالعيش في المدينة.
وفي تموز/يوليو زار البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، كنيسة "القديس جاورجيوس للروم الأرثذوكس" في عربين، ورافقه وفق إعلام النظام وفد كنسي وفعاليات رعوية، ليشهدوا على "فجر القيامة". وألقى البطريرك خلال زيارته كلمة سياسية، نقلتها وسائل إعلام النظام، تتناسق مع خطب المشايخ المسلمين الموالين للنظام. وأسف البطريرك، على حد قوله، لما "عبثت به يد الإرهاب ولغة الدمار التي لا تمت لأي دين ولا أي أخلاق بصلة"، وحيّا "شهداء الجيش على رأسهم العماد داوود راجحة". البطريرك تجاهل سبب دمار وإحراق الكنيسة الناجم عن قصف مليشيات النظام للبلدة خلال سنوات الثورة، والذي وثقه الناشطون بفيديوهات مصورة.
تهجير مسيحيي عربين، كان قد خطط له النظام في العام 2012، سعياً لإحداث شرخ مع مسلمي المدينة، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة على حاجز الساحة، أكبر حواجز المدينة. النظام انتقم بعدها من السكان باستهداف منازلهم بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ والطيران المروحي، ما أدى لارتكاب مجزرة قُتِلَ فيها 50 مدنياً. وأثناء القصف تواصلت أطراف من الأجهزة الأمنية مع المسيحيين داخل المدينة، وأبلغتهم بأن القصف سيتوقف لمدة ساعتين، من أجل خروج آمن للمسيحيين فقط، من معبر طريق غبير وصولاً إلى "المخابرات الجوية" على الأوتستراد. وبالفعل خرج المسيحيون، واستأنفت بعد ساعتين، مليشيات النظام قصفها. ومن يومها، لم يتمكن المسيحيون من زيارة منازلهم، بسبب حصار النظام للغوطة.
العلاقة في عربين بين المسيحيين والمسلمين قبل الثورة كانت توصف بالمتينة والممتازة، وكانوا يتشاركون الأفراح والأتراح، وكانت جميع المحال التجارية لأتباع الديانتين تغلق عند مرور جنازة لأي منهما. ولم تكن حقوق المسيحيين عبر مئات السنين تحتاج إلى حفظ من أي سلطة، ما ينافي ادعاء النظام بتميزه في حفظ حقوق الأقليات في سوريا.
وبلغ عدد المسيحيين في عربين 2000 نسمة، قبل الثورة، من عائلات؛ راجحة وطعمة ونعمة وبغدان وغيرها. ويعتبر مسلمو عربين تلك العائلات متجذرة في تاريخ المدينة لا دخيلة عليها. وكان يُتاح للمسيحيين بممارسة الطقوس الدينية بحرية مطلقة. ويعود تاريخ بناء كنيسة "القديس جاورجيوس" إلى العام 1873. ويقال إن تاريخ وجود المسيحيين في عربين يعود إلى زمن هارون الرشيد.
وكانت النساء المسيحيات سابقاً يرتدين الزي الإسلامي، توافقاً مع عادات وتقاليد المسلمين، إلى أن اختارت الأجيال الجديدة نمطها الحديث باللباس. وبقيت المسنات من المسيحيات يحافظن على الحجاب كنوع من العادات والتقاليد.
ويشتهر أهالي عربين بالتجارة، واشتهر المسيحيون فيها بصياغة الذهب وتجارته، وعرفت في عربين ورش لصياغة الذهب بالإضافة إلى محلات بيعه في عربين ودمشق، كما أنشأوا شركات تجارية كبيرة كـ"شركة راجحة لتجارة الأخشاب"، وشركات بيع قطع السيارات وغيرها.
وأبرز مسؤول مسيحي من عربين هو وزير الدفاع الأسبق العماد داوود راجحة، الذي قتل بتفجير خلية الأزمة في مبنى الأمن القومي بدمشق عام 2012. ويقال إن النظام تقصد تعيين راجحة وزيراً للدفاع، مطلع الثورة، ليٌظهر وقوف المسيحيين إلى جانبه. راجحة كان يتردد إلى عربين قبل الثورة لزيارة إخوته، كبار تجار الأخشاب.
ويقطن معظم المسيحيين في حارة مريم وحارة الواز وشارع الصاغة وحارة طريق حرستا عربين، وكان لمنازلهم النصيب الأكبر من الدمار في المدينة، بسبب قربها من خطوط الجبهات، واستهداف ميليشيات النظام لها بشكل مباشر. وقد لحق بالكنيسة دمار كبير جراء قصف مليشيات النظام المتكرر لها، وقد تم ترحيل الأنقاض منها وتنظيفها قبيل زيارة البطريرك يوحنا العاشر، واتهم النظام قوات المعارضة بإحراقها، رغم أن المعارضة كانت تحميها، بشكل رسمي وتمنع المدنيين من الاقتراب منها.
مسيحيو عربين شاركوت بالمظاهرات، وكانت مشاركاتهم متميزة، كارتداء بعضهم زي بابا نويل وتوزيع الهدايا. كما تم لاحقاً تشكيل كتيبة "أنصار الله" من الثوار المسيحيين، قبل أن تتلاشى لاحقاً مع خروج المسيحيين من المدينة.
اليوم، لم يبق في عربين سوى أقلية من أهلها عاشت الحصار ومعارك النظام للسيطرة على الغوطة، وفضلت البقاء على التهجير القسري. أقلية ما زالت تعيش ظروف ما بعد الحرب، وسط دمار طال كل شيء تقريباً. النظام وحده يحاول رسم صورة ملونة للوضع في عربين، ولو كذباً، بغرض إعادة مسيحييها.
ويحاول النظام المُسارَعة بإعادة المسيحيين إلى المدينة، رغم عدم تأهيل البنى التحتية، وعدم توفر الأجواء المعيشية المناسبة. ويهيئ النظام سياسياً ودينياً لعودتهم إليها بطرق مختلفة، قد تشبه السمسرة أو المساومة. فالنظام سيكسب ورقة المسيحيين سياسياً في الداخل والخارج، مقابل تقديم المنفعة للمتعاونين معه.
في ترشيحات مجلس بلدية عربين التي أُعلن عنها في أيلول/سبتمبر، دفع النظام مسيحيين من عربين هما عيسى داوود راجحة، ابن وزير الدفاع الأسبق، وسعيد طعمة، للترشح لعضوية المجلس، رغم أنهما لا يعيشان فيها، ليحفّز عودة المسيحيين إلى المدينة والمشاركة بالانتخابات.
مصدر من عربين، قال لـ"المدن"، أنه خلال الاسبوع الماضي، ورغم تقييد نشاطات المنظمات الإنسانية في الغوطة، سمح النظام لـ"هيئة مار أفرام السرياني البطريركية للتنمية" بتوزيع سلال منظفات داخل عربين، رغم عدم عودة الأهالي المسيحيين حتى الآن، واقتصار تواجدهم على زيارات لمنازلهم المدمرة ومحاولة تقييم أضرارها، ورغبتهم بتأخير عودتهم إلى ما بعد إصلاح البنى التحتية. وقد شكر المكتب التنفيذي لمدينة عربين "الهيئة" رسمياً لتقديمه تلك السلال.
وأفاد المصدر ذاته، أنه سبق ذلك بأسبوعين، السماح لحافلتين محملتين بوفود مسيحية، منهم حوالي 12 مسيحياً من عربين، بدخول المدينة والتجول بين أحيائها، من دون معرفة ماهية الزيارة أو ما نتج عنها. ويُفهم منها كسب ودّ المسيحيين، وإظهار النظام كحامٍ لحقوق الأقليات، وحق المسيحيين بالعيش في المدينة.
وفي تموز/يوليو زار البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، كنيسة "القديس جاورجيوس للروم الأرثذوكس" في عربين، ورافقه وفق إعلام النظام وفد كنسي وفعاليات رعوية، ليشهدوا على "فجر القيامة". وألقى البطريرك خلال زيارته كلمة سياسية، نقلتها وسائل إعلام النظام، تتناسق مع خطب المشايخ المسلمين الموالين للنظام. وأسف البطريرك، على حد قوله، لما "عبثت به يد الإرهاب ولغة الدمار التي لا تمت لأي دين ولا أي أخلاق بصلة"، وحيّا "شهداء الجيش على رأسهم العماد داوود راجحة". البطريرك تجاهل سبب دمار وإحراق الكنيسة الناجم عن قصف مليشيات النظام للبلدة خلال سنوات الثورة، والذي وثقه الناشطون بفيديوهات مصورة.
تهجير مسيحيي عربين، كان قد خطط له النظام في العام 2012، سعياً لإحداث شرخ مع مسلمي المدينة، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة على حاجز الساحة، أكبر حواجز المدينة. النظام انتقم بعدها من السكان باستهداف منازلهم بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ والطيران المروحي، ما أدى لارتكاب مجزرة قُتِلَ فيها 50 مدنياً. وأثناء القصف تواصلت أطراف من الأجهزة الأمنية مع المسيحيين داخل المدينة، وأبلغتهم بأن القصف سيتوقف لمدة ساعتين، من أجل خروج آمن للمسيحيين فقط، من معبر طريق غبير وصولاً إلى "المخابرات الجوية" على الأوتستراد. وبالفعل خرج المسيحيون، واستأنفت بعد ساعتين، مليشيات النظام قصفها. ومن يومها، لم يتمكن المسيحيون من زيارة منازلهم، بسبب حصار النظام للغوطة.
العلاقة في عربين بين المسيحيين والمسلمين قبل الثورة كانت توصف بالمتينة والممتازة، وكانوا يتشاركون الأفراح والأتراح، وكانت جميع المحال التجارية لأتباع الديانتين تغلق عند مرور جنازة لأي منهما. ولم تكن حقوق المسيحيين عبر مئات السنين تحتاج إلى حفظ من أي سلطة، ما ينافي ادعاء النظام بتميزه في حفظ حقوق الأقليات في سوريا.
وبلغ عدد المسيحيين في عربين 2000 نسمة، قبل الثورة، من عائلات؛ راجحة وطعمة ونعمة وبغدان وغيرها. ويعتبر مسلمو عربين تلك العائلات متجذرة في تاريخ المدينة لا دخيلة عليها. وكان يُتاح للمسيحيين بممارسة الطقوس الدينية بحرية مطلقة. ويعود تاريخ بناء كنيسة "القديس جاورجيوس" إلى العام 1873. ويقال إن تاريخ وجود المسيحيين في عربين يعود إلى زمن هارون الرشيد.
وكانت النساء المسيحيات سابقاً يرتدين الزي الإسلامي، توافقاً مع عادات وتقاليد المسلمين، إلى أن اختارت الأجيال الجديدة نمطها الحديث باللباس. وبقيت المسنات من المسيحيات يحافظن على الحجاب كنوع من العادات والتقاليد.
ويشتهر أهالي عربين بالتجارة، واشتهر المسيحيون فيها بصياغة الذهب وتجارته، وعرفت في عربين ورش لصياغة الذهب بالإضافة إلى محلات بيعه في عربين ودمشق، كما أنشأوا شركات تجارية كبيرة كـ"شركة راجحة لتجارة الأخشاب"، وشركات بيع قطع السيارات وغيرها.
وأبرز مسؤول مسيحي من عربين هو وزير الدفاع الأسبق العماد داوود راجحة، الذي قتل بتفجير خلية الأزمة في مبنى الأمن القومي بدمشق عام 2012. ويقال إن النظام تقصد تعيين راجحة وزيراً للدفاع، مطلع الثورة، ليٌظهر وقوف المسيحيين إلى جانبه. راجحة كان يتردد إلى عربين قبل الثورة لزيارة إخوته، كبار تجار الأخشاب.
ويقطن معظم المسيحيين في حارة مريم وحارة الواز وشارع الصاغة وحارة طريق حرستا عربين، وكان لمنازلهم النصيب الأكبر من الدمار في المدينة، بسبب قربها من خطوط الجبهات، واستهداف ميليشيات النظام لها بشكل مباشر. وقد لحق بالكنيسة دمار كبير جراء قصف مليشيات النظام المتكرر لها، وقد تم ترحيل الأنقاض منها وتنظيفها قبيل زيارة البطريرك يوحنا العاشر، واتهم النظام قوات المعارضة بإحراقها، رغم أن المعارضة كانت تحميها، بشكل رسمي وتمنع المدنيين من الاقتراب منها.
مسيحيو عربين شاركوت بالمظاهرات، وكانت مشاركاتهم متميزة، كارتداء بعضهم زي بابا نويل وتوزيع الهدايا. كما تم لاحقاً تشكيل كتيبة "أنصار الله" من الثوار المسيحيين، قبل أن تتلاشى لاحقاً مع خروج المسيحيين من المدينة.
اليوم، لم يبق في عربين سوى أقلية من أهلها عاشت الحصار ومعارك النظام للسيطرة على الغوطة، وفضلت البقاء على التهجير القسري. أقلية ما زالت تعيش ظروف ما بعد الحرب، وسط دمار طال كل شيء تقريباً. النظام وحده يحاول رسم صورة ملونة للوضع في عربين، ولو كذباً، بغرض إعادة مسيحييها.