معارك إدلب تقوض "حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام"
تشهد محافظة إدلب، مركز الثقل الرئيسي لـ"حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام"، عمليات عسكرية تقودها قوات النظام مدعومة بمليشيات محلية وبغطاء جوي روسي مكثف. ومن شأن تقهقر "الهيئة" عسكرياً، وتزايد النقمة الشعبية على "حكومة الإنقاذ"، أن يقوضا أسس بقاء "الإنقاذ" مع ما يحمله ذلك من بدائل مفتوحة على احتمالين؛ أن تتمكن المجالس المحلية من استعادة دورها المستلب في إدارة ما تبقى لها من مناطق في المحافظة، أو أن يتم تقويض تجربة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بعجرها وبجرها.
وعادت محافظة إدلب إلى مركز الاهتمام عقب شن قوات النظام والميليشيات المحلية الموالية له بدفع ودعم روسي عملية عسكرية من أكثر من محور على المناطق الواقعة شرقي سكة القطار وغرب الأوتوستراد الدولي، في تطبيق لتفاهمات "أستانة-7"، ذات الصلة بمحافظة إدلب، بحسب بعض المصادر المطلعة. لكن في المقابل، احتجت أنقرة على هذا التصعيد، واستدعت سفيري روسيا وإيران في تركيا.
وقال وزير الخارجية التركية مولود جاوش أوغلو، الأربعاء، إن "الأوضاع على الساحة السورية معقدة، لذا من المتوقع أن يحدث بعض الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، لكن ما يحصل في الفترة الأخيرة من اعتداءات على مناطق خفض التوتر، تجاوز حد الانتهاكات المتوقعة". مطالباً موسكو وطهران بتحمل مسؤولياتهما.
ويُتداول تقسيم المناطق جنوبي وغربي حلب ومحافظة إدلب إلى 3 مناطق؛ تشمل الأولى شرقي سكة قطار الحجاز على أن تكون منزوعة السلاح تحت حماية روسية وتدار من قبل مجالس محلية للمعارضة من دون تحديد آلية تشكيلها، في حين تتضمن الثانية المناطق الواقعة بين السكة والأوتوستراد ويتم إنهاء تواجد "هيئة تحرير الشام" فيها على أن تبقى منطقة فصل منزوعة السلاح وتدار بنفس آلية المنطقة الأولى، بينما تشمل المنطقة الثالثة غربي الأوتوستراد بحيث تعتبر منطقة نفوذ تركية تدار من قبل هياكل المعارضة المحلية وبدون أي تواجد لـ"الهيئة".
يعزز تطور الأحداث الميدانية على الأرض من واقعية الطرح السابق لجهة التقدم السريع لقوات النظام وسيطرته على ما يقارب من 20 في المئة من محافظة إدلب، حتى اللحظة، من دون مواجهات فعلية مع الفصائل المنتشرة في المنطقتين الأولى والثانية. كما يعزز استمرار المعطيات الراهنة من احتمالات تقويض "حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام" مع ما يحمله من سيناريوهات بديلة.
وتتعرض "هيئة تحرير الشام"، الداعم الوحيد لـ"حكومة الإنقاذ" إلى ضغوط خارجية منشؤها ترتيبات أستانة الجاري تطبيقها على الأرض. كما تتعرض "الهيئة" إلى ضغوط محلية متنامية باعتبارها الجهة المسؤولة عن تقويض عمليات الدفاع عن المحافظة بسبب مسؤوليتها عن تفكيك فصائل الجيش الحر في وقت سابق، إضافة إلى انسحابها غير المبرر من مواجهة قوات النظام لصالح انشغالها باستعراض قوتها العسكرية في مناطق جبل الزاوية بحجة مكافحة تجار السلاح، فضلاً عن إعطائها المبرر للنظام وروسيا لاستهداف المحافظة بحجة مكافحة الإرهاب.
كذلك، تزداد النقمة الشعبية على "حكومة الإنقاذ" على خلفية فشلها في إدارة الملف الخدمي لما يقارب من 2.5 مليون نسمة ينتشرون في المناطق التي تعتبرها الحكومة مناطق عملها، فضلاً عن انشغالها باتخاذ قرارات صدامية كإغلاقها مبانٍ لجامعة حلب الحرة في محافظة إدلب، وتعيينها إبراهيم الحمود رئيساً للجامعة، واتخاذها قراراً بإزالة البسطات في مدينة إدلب، والتي تعتبر مصدر رزق للفقراء والنازحين للمدينة.
وعلاوةً على ما سبق، أظهرت موجة النزوح الأخيرة الناجمة عن العمليات العسكرية، افتقاد "حكومة الإنقاذ" للأدوات والقدرات اللازمة للاستجابة لهذه الكارثة. وما زاد من الحنق الشعبي تجاه "الانقاذ" هو قراراتها القاضية بحل عدد من المجالس المحلية، كما حدث مع مجالس إدلب وأريحا، إضافة إلى إغلاقها لمقرات "الحكومة المؤقتة" في المحافظة، ما دفع بالعديد من الجهات المانحة إلى إيقاف برامجها للدعم الإنساني وللمجالس المحلية في المحافظة.
ومن العوامل التي ستسهم في تقويض "حكومة الإنقاذ"، انحسار مصادر تمويلها بشكل كبير مع فقدانها لمساحات شاسعة بما تحتويه من موارد؛ ضرائب محلية وأتاوات وأراضٍ زراعية، كانت تسهم في تمويل بعض أنشطتها.
ويطرح تقويض "حكومة الإنقاذ" وتقهقر "هيئة تحرير الشام" جملة تساؤلات حول مستقبل الوضع في محافظة إدلب على الصعيدين الإداري والعسكري، إذ سيزيد الضغط الخارجي والداخلي على "الهيئة" من احتمالات تزايد التناقضات داخلها، وبروز حركة انشقاقات عنها، مع إمكانية طرح الجولاني مبادرة جديدة للخروج من هذا المأزق كالإعلان عن حلّ "الهيئة" أو طرح مسمى جديد لها، أو اندماجها ضمن تشكيل عسكري جديد لتنظيم الفصائل القائمة في ما تبقى من محافظة إدلب على غرار منطقة "درع الفرات"، من دون إلغاء احتمال تمظهر تيار قاعدي بشكل واضح واستمرار العمليات العسكرية والأمنية في المحافظة بحجة استهدافه.
إدارياً، يفتح تقويض "حكومة الإنقاذ" المجال أمام بروز سيناريوهين؛ فإما تجد المجالس في الوضع الناشئ فرصة لاستعادة دورها المستلب والتأكيد على شرعيتها في إدارة ما تبقى لها من مناطق في محافظة إدلب، إضافة إلى ترتيب المجالس المُهجّرة من المنطقتين الأولى والثانية وعددها تقريباً 34 لأوضاعها الداخلية وحشد الدعم من مجتمعاتها المحلية لإفشال أي توجهات لتجاوزها في ترتيبات المرحلة المقبلة، في حين يحمل السيناريو الثاني مخاطر من شأنها تقويض تجربة المناطق المحررة، فقد تستمر "حكومة الإنقاذ" إلى آخر رمق بمحاربة ما تبقى من المجالس المحلية بدعم من التيار المتشدد داخل "الهيئة"، وهو ما من شأنه أن يهدد بتوقف الدعم بشكل كلي عن هذه المناطق وتعزيز ادعاءات روسيا والنظام بعدم جدوى هذه الهياكل، فضلاً عن استمرار الضغط الأمني والعسكري على مناطق المجالس بحجة الاستمرار بمكافحة الإرهاب، في حين تتهدد المقاربة الروسية المجالس المحلية في المنطقتين الأولى والثانية، إذ ستسعى موسكو إلى تجاوز المجالس المهجرة وتشكيل أخرى تتوافق معها وإلحاقها تدريجياً بالمنظومة الإدارية للنظام.
ينطوي تطور الموقف الميداني في محافظة إدلب على فرص وتهديدات، كما أنه مفتوح على جميع الاحتمالات، وفي ظل ما سبق يتكرر التحدي على المجالس المحلية والقوى المدنية لاستعادة زمام المبادرة ومواجهة استحقاقات عاصفة إدلب وما سيليها من امتحان سوتشي.