درعا: المعبر بين النظام والمعارضة..هل بدأ التقسيم؟
أعلنت قوات النظام المتواجدة في محافظة درعا، قبل أيام، عن افتتاح "معبر جمركي" بين مناطق سيطرتها والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، في خربة غزالة، الأمر الذي لاقى رفضاً واسعاً في البداية من قبل الأهالي وبعض فصائل المعارضة المسلحة العاملة في المنطقة. وأعلنت "قوات شباب السنّة"، السبت، "استهداف معبر خربة غزالة المزعوم الآن بوابل من القذائف والمضادات الأرضية"، بعدما توقفت عن استهدافه لفترة قصيرة "حرصاً على سلامة المدنيين".
وكان فصيل "قوات شباب السنة" التابع لـ"الجبهة الجنوبية"، قد أصدر بياناً في 2 أيار/مايو، أعلن فيه كلاً من خربة غزالة والحاجز الجنوبي فيها "منطقة عسكرية"، وقال أن إحداث "جمرك" للبضائع من شأنه رفع الأسعار للبضائع والمواد الغذائية ما يعني إضراراً بالمصلحة العامة. كما توعّد البيان بالضرب بيد من حديد للنظام وكل من يثبت تورطه بهذا "العمل الدنيء". وكانت قوات "شباب السنة" قد استهدفت نقاط تمركز قوات النظام في خربة غزالة، أكثر من مرة، ودمرت آليات لها في معركة "الموت ولا المذلة"، لمنع وصول المؤازرات إلى حي المنشية في مدينة درعا.
(خريطة درعا: LM)
العمل على تأسيس "الجمرك" بدأ أواخر نيسان/إبريل، بعدما تم تجهيزه بغرف مسبقة الصنع، لتكون مكاتب لموظفي النظام، على مساحة تقارب 25 دونماً من أراضي أهالي البلدة المُهجّرين منها. وكان خيّار النظام قد وقّع على بلدة خربة غزالة، التي تسيطر عليها قواته منذ العام 2013، نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام على طريق دمشق–عمان الدولي، إضافة لكونها عقدة مواصلات تربط شرقي درعا بغربها، ما يعني جعل خربة غزالة المعبر الوحيد إلى مناطق سيطرة المعارضة في الجنوب السوري.
وأصدرت قوات النظام "لائحة أسعار" لمرور البضائع في المعبر الجديد، وتضمنت أنواع المواد والضرائب المفروضة عليها، والتي تنوعت ما بين المواد غذائية والمواشي والأسمدة الزراعية ومواد البناء وقطع غيار السيارات والمولدات الكهربائية. وتباينت الضريبة تبعاً للمادة والكمية، وتراوحت الضرائب بين 50000 ليرة سورية (100 دولار) إلى 2 مليون ليرة (2000 دولار) لبعض البضائع كمولدات الكهرباء ذات الاستطاعة الصغيرة.
ويرى أهالي المناطق المحررة في ريفي درعا الشرقي والغربي، أنهم أكثر المتضررين من المعبر، لأن الضرائب المفروضة على البضائع من قبل النظام سيدفعها المواطنون إلى التجار بعد ازدياد أسعار السلع.
أما فصائل المعارضة المسلحة والتي تسيطر على بلدتي داعل في ريف درعا الغربي، والغارية الغربية في الريف الشرقي، فقد سمحت بدخول وخروج المدنيين من وإلى مناطق سيطرة النظام، خاصة للحالات الإنسانية بغرض تلقي العلاج، ولطلاب الجامعات والموظفين في مؤسسات الدولة المدنية، من وإلى خربة غزالة. والأمر مماثل لما جرت عليه العادة في المناطق المحررة المتاخمة لمناطق سيطرة النظام كما في بلدة كفرشمس شمال غربي درعا، والتي تتيح دخول وخروج المدنيين باتجاه مدينة الصنمين القريبة منها والخاضعة لسيطرة النظام. كذلك الحال في مدينة أنخل التي تشكل معبراً لدخول وخروج المدنيين باتجاه مناطق النظام.
المبادلات التجارية بين مناطق النظام والمعارضة في درعا، ودخول البضائع على اختلاف أنواعها وكمياتها، كانت تتم عن طريق محافظة السويداء وتحت إشراف مباشر من "اللجان الشعبية" والمليشيات التي كانت تتقاضى مبالغ مالية متغيرة، لقاء تأمين دخول البضائع المُهربة إلى المناطق المحررة. ويُعتقد بأن النظام يريد بهذه الخطوة الضغط أيضاً على مليشيات السويداء الموالية له، وحرمانها من أحد مصادر تمويلها.
ويشير ذلك إلى أن "معبر خربة غزالة" قد يكون محاولة من النظام لضبط تجاوزات "الشبيحة" والضباط، وجمع الأموال لصالح خزينة الدولة التي تعاني أوضاعاً اقتصادية سيئة جراء الحرب المستمرة منذ 7 سنوات. إلا أن بعض نشطاء قالوا إن "المعبر" الجديد وآلية التعامل والرسوم الجمركية المفروضة فيه، هو أشبه بالتعامل على الحدود بين الدول، كما أن الإعلان عنه جاء بالتزامن مع انعقاد مؤتمر "أستانة-4" والذي اعتبروه خطوة أولى لتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متناحرة تعيش صراعاً طويل الأمد، من خلال ما عُرف بـ"المناطق الآمنة" والتي كان الجنوب السوري أحدها.
(خريطة روسية لمنطقة "خفض التصعيد" في درعا والقنيطرة)
تشبيه معبر خربة غزالة، بما يحمله من طابع رسمي، بالمعبر الحدودي بين الدول، وما يشير إليه ذلك من فرضية التقسيم لسوريا، تُعززه أفعال النظام الحالية من رفع سواتر ترابية تمتد من بلدة بويضان بالقرب من السويداء، مروراً بأطراف بلدة جباب في ريف درعا، وصولاً إلى مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي. وبحسب شهود عيان فالنظام بدأ العمل برفع السواتر منذ أكثر من أسبوع، بارتفاع يزيد على 3 أمتار، في ما يشبه الحدود بين الدول.
ويبقى الباب مفتوحاً أمام أكثر من فرضية، إذ يحتمل فرض النظام لرسوم إضافية في المستقبل القريب لقاء خروج ودخول المدنيين من معبر "خربة غزالة"، فضلاً عن ارتفاع الأسعار والأعباء التي قد تترتب على تلك الرسوم والتي قد تستمر لفترة طويلة من الزمن، ما يجعلها أمراً واقعاً لا مفر منه. وتبقى المخاوف الأكبر من أن تكون أفعال النظام وحلفائه أساساً لفصل بعض المناطق واعتبارها أقاليم مستقلة عما كان يوماً بلد اسمه سوريا.