الدماء لا تجف في مزارات العلويين
يقصد والد زين العابدين، مقام "الشيخ غريب" في جبلة في الساحل السوري، لوفاء نذر قطعه لابنه المتطوع في مليشيا علوية تقاتل في حلب. فالمعارك هناك لا تنتهي، والمهمات القتالية العنيفة تتطلب حالة مشتهاة من العناية الإلهية، قد تتكفل بتحقيقها نذور، اعتاد زين العابدين قطعها على نفسه، بين معركة وأخرى.
زين العابدين قال لـ"المدن" إنه اعتاد الاتصال بوالده قبل كل اشتباك مسلح، طالباً منه وفاء نذر لأحد المزارات، ليسارع الوالد بشراء الأضاحي، وتقديمها للقائم بأعمال المزار كي يذبحها ويريق دمها بالقرب من المقام. جريان الدم هو علامة على وفاء النذر، ودليل على التزام صاحبه بما تعهد به.
تحتل المقامات والمزارات مرتبة بارزة في التقاليد الدينية للطائفة العلوية، وتعتبر زيارتها واجباً مقدساً، وهي أماكن مباركة برفاة أصحابها من العباد الصالحين الذين يملكون كرامات معينة، ويقصدها الكثيرون طلباً للخير والشفاء والرزق. كما تبرز أهمية المزارات الاجتماعية في الأعياد الدينية المختلفة، لتكون بمثابة مكان يجتمع فيه المريدون من مختلف المناطق، للتعبير عن فرحهم وابتهاجهم بكل مناسبة دينية. طقوس الفرح هذه أصبحت أقل حضوراً مع اندلاع الثورة السورية، وانخراط العلويين بقوة ضمن مليشيات خاضت معارك طويلة ومعقدة في انحاء البلاد، ما حوّل هذه المزارات إلى أماكن لتلقي التعازي في كثير من الأحيان، لكنها بقيت مكاناً لإيفاء نذور المقاتلين الذاهبين الى المعارك على الجبهات المختلفة.
تنتشر مزارات العلويين بشكل كبير في الساحل وريف حمص وسهل الغاب. وعلى الرغم من عدم توفر رقم دقيق لأعدادها، إلا أنها تُقدر بالمئات، ويزداد حضورها في الريف ويقل في المدن، ويمكن القول إن لكل قرية مزاراً خاصاً بسكانها. وهناك بعض المزارات التي أخذت شهرة أكثر من غيرها، نظراً للدور المنسوب لأوليائها في الانجاب أو الرزق. لكن طلب الحماية يعتبر الدافع الأكبر حالياً لزيارتها.
ويبقى لذوي المخطوفين والمختفين من العلويين، منفذ أخر، عبر التوجه إلى بعض المشايخ المعروفين بكشف مصير المخطوف أو المختفي. وعلى الرغم من عدم قدرة الشيوخ على إعطاء دلائل حسيّة عن حالة المخطوف، إلا أن ذلك لا ينتقص من قيمة إجاباتهم في ظل بحث الأهل عن أي أمل.
ويصعب المرور في بعض المزارات من دون رؤية الدماء مراقة في المكان، كدلالة على كثرة النذور. ويطمح كثيرون من المقاتلين في قطع النذور لأكثر من مقام، رغبة في أكبر قدر ممكن من الحماية. ويشدد البعض منهم على ذويه، بضرورة ايفاء النذور السريع، خوفاً من الموت أو الإصابة.
ويتضاعف عدد زوار المقامات مع كثرة المصابين من المقاتلين، فيؤمها أيضاً من أصيب بالشظايا ومن سيجري عمليات جراحية. ولعل مقام الشيخ أحمد قرفيص في جبلة هو الأكثر شهرة، ويقال إن دماء النذور فيه لا تجف نهائياً، نظراً لكثرة الراغبين في الاستشفاء. كذلك مقام الشيخ يوسف الرداد في ريف حمص ومقام الشيخ مقبل في القرداحة، يشهدان مئات الزوار يومياً.
لم يُعرف العلويون في تاريخهم بممارسة الطقوس الدينية العلنية، فهم كفرقة باطنية يحرصون على إبقاء طقوسهم سرية، ولا تعتبر زيارة المقامات جهراً يخرق ذلك الأمر، إذ أن لبعض مذاهب السنّة، خاصة الصوفية، منها قولاً في الطرق ومزارات الأولياء. ومع ذلك، يرى البعض أن وجود المليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانبهم، أعطى العلويين ثقة لممارسة طقوسهم، التي لطالما افتقدوها. في حين يؤكد آخرون، أن التوجه إلى المزارات بحثاً عن الحماية والأمان، قد لا يدل على التدين بقدر الخوف من الوضع الراهن وترقب المستقبل.
العامل الأمني جعل بعض المزارات أكثر ارتياداً من غيرها، ففي الساحل وخاصة ريف اللاذقية الشمالي، هُجرَ الكثير من المزارات خوفاً من المعارك القريبة. كما أن رواج زيارة بعض المزارات، دفع القائمين عليها لتحسين نوعية الخدمات المتوفرة فيها من ماء وكهرباء ومقاعد للعزاء.
وتبقى المرويات التي تتحدث عن كرامات وعجائب تظهر لرواد المزار من أهم العوامل الجاذبة للمريدين. ولا تنعدم الحكايا المروية عمن غافلهم النوم بالقرب من مزار ما، ليظهر لهم صاحب المزار في الحلم ويحدثهم عن انفراج قريب قادم، أو مجزرة مروعة تقترب، أو انتصار محقق.
زين العابدين قال لـ"المدن" إنه اعتاد الاتصال بوالده قبل كل اشتباك مسلح، طالباً منه وفاء نذر لأحد المزارات، ليسارع الوالد بشراء الأضاحي، وتقديمها للقائم بأعمال المزار كي يذبحها ويريق دمها بالقرب من المقام. جريان الدم هو علامة على وفاء النذر، ودليل على التزام صاحبه بما تعهد به.
تحتل المقامات والمزارات مرتبة بارزة في التقاليد الدينية للطائفة العلوية، وتعتبر زيارتها واجباً مقدساً، وهي أماكن مباركة برفاة أصحابها من العباد الصالحين الذين يملكون كرامات معينة، ويقصدها الكثيرون طلباً للخير والشفاء والرزق. كما تبرز أهمية المزارات الاجتماعية في الأعياد الدينية المختلفة، لتكون بمثابة مكان يجتمع فيه المريدون من مختلف المناطق، للتعبير عن فرحهم وابتهاجهم بكل مناسبة دينية. طقوس الفرح هذه أصبحت أقل حضوراً مع اندلاع الثورة السورية، وانخراط العلويين بقوة ضمن مليشيات خاضت معارك طويلة ومعقدة في انحاء البلاد، ما حوّل هذه المزارات إلى أماكن لتلقي التعازي في كثير من الأحيان، لكنها بقيت مكاناً لإيفاء نذور المقاتلين الذاهبين الى المعارك على الجبهات المختلفة.
تنتشر مزارات العلويين بشكل كبير في الساحل وريف حمص وسهل الغاب. وعلى الرغم من عدم توفر رقم دقيق لأعدادها، إلا أنها تُقدر بالمئات، ويزداد حضورها في الريف ويقل في المدن، ويمكن القول إن لكل قرية مزاراً خاصاً بسكانها. وهناك بعض المزارات التي أخذت شهرة أكثر من غيرها، نظراً للدور المنسوب لأوليائها في الانجاب أو الرزق. لكن طلب الحماية يعتبر الدافع الأكبر حالياً لزيارتها.
ويبقى لذوي المخطوفين والمختفين من العلويين، منفذ أخر، عبر التوجه إلى بعض المشايخ المعروفين بكشف مصير المخطوف أو المختفي. وعلى الرغم من عدم قدرة الشيوخ على إعطاء دلائل حسيّة عن حالة المخطوف، إلا أن ذلك لا ينتقص من قيمة إجاباتهم في ظل بحث الأهل عن أي أمل.
ويصعب المرور في بعض المزارات من دون رؤية الدماء مراقة في المكان، كدلالة على كثرة النذور. ويطمح كثيرون من المقاتلين في قطع النذور لأكثر من مقام، رغبة في أكبر قدر ممكن من الحماية. ويشدد البعض منهم على ذويه، بضرورة ايفاء النذور السريع، خوفاً من الموت أو الإصابة.
ويتضاعف عدد زوار المقامات مع كثرة المصابين من المقاتلين، فيؤمها أيضاً من أصيب بالشظايا ومن سيجري عمليات جراحية. ولعل مقام الشيخ أحمد قرفيص في جبلة هو الأكثر شهرة، ويقال إن دماء النذور فيه لا تجف نهائياً، نظراً لكثرة الراغبين في الاستشفاء. كذلك مقام الشيخ يوسف الرداد في ريف حمص ومقام الشيخ مقبل في القرداحة، يشهدان مئات الزوار يومياً.
لم يُعرف العلويون في تاريخهم بممارسة الطقوس الدينية العلنية، فهم كفرقة باطنية يحرصون على إبقاء طقوسهم سرية، ولا تعتبر زيارة المقامات جهراً يخرق ذلك الأمر، إذ أن لبعض مذاهب السنّة، خاصة الصوفية، منها قولاً في الطرق ومزارات الأولياء. ومع ذلك، يرى البعض أن وجود المليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانبهم، أعطى العلويين ثقة لممارسة طقوسهم، التي لطالما افتقدوها. في حين يؤكد آخرون، أن التوجه إلى المزارات بحثاً عن الحماية والأمان، قد لا يدل على التدين بقدر الخوف من الوضع الراهن وترقب المستقبل.
العامل الأمني جعل بعض المزارات أكثر ارتياداً من غيرها، ففي الساحل وخاصة ريف اللاذقية الشمالي، هُجرَ الكثير من المزارات خوفاً من المعارك القريبة. كما أن رواج زيارة بعض المزارات، دفع القائمين عليها لتحسين نوعية الخدمات المتوفرة فيها من ماء وكهرباء ومقاعد للعزاء.
وتبقى المرويات التي تتحدث عن كرامات وعجائب تظهر لرواد المزار من أهم العوامل الجاذبة للمريدين. ولا تنعدم الحكايا المروية عمن غافلهم النوم بالقرب من مزار ما، ليظهر لهم صاحب المزار في الحلم ويحدثهم عن انفراج قريب قادم، أو مجزرة مروعة تقترب، أو انتصار محقق.