سابقة تونسية: الأغلبية تتجه لإسقاط "حكومة الأغلبية"
كان من الطبيعي أن يختار رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد الذهاب إلى البرلمان لتحديد مصير حكومته، وخاصة أنه أكد، قبل أيام، تعرّضه لضغوط وتهديدات كثيرة لدفعه للاستقالة، في ظل تملّص الائتلاف الحاكم من الفشل الحكومي في إدارة بعض الملفات الهامة في البلاد، ومحاولة تحميل المسؤولية الكاملة للصيد.
الصيد الذي يتعرض منذ أسابيع لضغوط كبيرة من أطراف عديدة، اختار أفضل السيناريوهات المتاحة، دستورياً، لسحب الثقة من حكومته، وذلك بعد طلبه، رسمياً، من البرلمان عقد جلسة للتصويت على الثقة بالحكومة، وهو بذلك سيساهم بحفظ ماء وجهه والتعامل بندية مع بقية الأطراف المطالبة برحيله في أسرع وقت ممكن، وخاصة حزب "نداء تونس" الذي رشحه في بداية عام 2015 لرئاسة الحكومة التونسية.
الدستور التونسي يتيح ثلاث صيغ لسحب الثقة من الحكومة، في حال رفض رئيسها الاستقالة، حيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب من البرلمان التصويت على الثقة بالحكومة (الفصل 99)، كما يمكن لرئيس الحكومة أن يطلب من البرلمان التصويت على الثقة لمواصلة حكومته لعملها، حيث يتم التصويت بالأغلبية المطلقة (50 + 1) لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإذا لم يجدد البرلمان الثقة في الحكومة اعتُبرت مستقيلة (الفصل 98)، إضافة إلى قيام ثلث أعضاء البرلمان بالتصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، حيث يُشترط موافقة أغلبية الأعضاء مع تقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُوافق عليه في التصويت نفسه (الفصل 97).
وبحسب بعض المراقبين، فإن يوم الثلاثين من شهر تموز/يوليو الحالي (موعد التصويت على الثقة لحكومة الصيد في البرلمان)، سيشهد سابقة سياسية في تاريخ البلاد، وتتمثل في أن من يُسقط حكومة الأغلبية هي الأغلبية ذاتها وليس المعارضة، وخاصة في ظل تأكيد "نداء تونس" على أنه لن يجدد الثقة للحكومة الحالية، وتأكيد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي أن "الصيد لم يعد مطروحاً رئيساً جديداً وحكومته أصبحت حكومة تصريف الأعمال"، وهو ما اعتبره البعض تبدلاً في موقف الحركة، التي أكدت في وقت سابق أنها لا تمانع إعادة تكليف الصيد.
غير أن ما يثير الجدل حالياً داخل الأروقة السياسية، هو تأكيد الصيد أنه تعرض مؤخراً لتهديد شديد من قبل أطراف، لم يحددها، طالبته بالاستقالة أو التعرض للإهانة، وهو عبر عنه بقوله، في لقاء تلفزيوني، "ثمة من جاءني وقال: استقل وسنخرجك من الباب الكبير، وآخرون قالوا لي: ما تستقيلش نمرمدوك (إذا لم تستقل سنعرضك للإهانة)"، لكنه أشار إلى أن هذا الأمر لن يدفعه للاستقالة.
تصريح الصيد الأخير، دفع عدداً من السياسيين (من المعارضة والائتلاف الحاكم) إلى مطالبته بتحديد هوية الأشخاص الذين هددوه وفتح تحقيق في هذا الأمر، على اعتبار أن التهديد يطال شخصية اعتبارية لها وزنها السياسي، فيما أطلق عدد من النشطاء وسماً بعنوان "#استقيل_خير_مانمرمدوك"، ولقي رواجاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا من خلاله الإساءة لهيبة الدولة.
القيادي في حزب "نداء تونس" بوجمعة الرميلي كتب على صفحته على موقع "فايسبوك": "وصلتني معلومات خطيرة لأنها تتعلق كلها برئاسة الدولة قد تكون خاطئة أو صحيحة، لذلك أطالب بالتحري الرسمي في شأنها، تفيد بأن نور الدين بن تيشة المستشار لدى رئيس الجمهورية هو الذي اتصل بمحمد بن رجب، الوزيرالسابق وأحد أصدقاء الحبيب الصيد، وأبلغه بالعبارة التي ذكرها رئيس الحكومة في مداخلته التلفزية والمتعلقة إما الاستقالة أو "التمرميد"، كما يبدو أيضاً حسب نفس المعلومات التي بلغتني أن المهدي بن غربية أعلم الحبيب الصيد بأن سليم العزابي مدير ديوان رئيس الجمهورية أعلمه بدوره بأن الرئيس، سي الباجي، يريد من رئيس الحكومة أن يستقيل، وأن الرئيس نفى ذلك".
تدوينة الرميلي قوبلت بردود فعل متفاوتة لدى عدد من السياسيين، وخاصة لدى مستشاري الرئيس التونسي، حيث اكتفى بن تيشة بنشر الآية القرآنية "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، فيما اتهم المستشار الثاني لرئيس الجمهورية فيصل الحفيان الرميلي بمحالة افتعال مواجهة مباشرة بين رئيسي الحكومة والجمهورية.
يُذكر أن الصيد أكد مراراً أن علاقته جيدة برئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن الباجي قائد السبسي لم يطلب منه الاستقالة في جميع اللقاءات الأخيره التي جمعتهما، رغم أنه أبدى في وقت سابق "امتعاضه" لعدم استشارته قبل طرح مقترح حكومة الوحدة الوطنية من قبل الرئيس التونسي، مشيراً إلى أنه سمع بالأمر عبر وسائل الإعلام.