هل تكفي حكومة وحدة وطنية لإنقاذ تونس؟
أثار اقتراح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تشكيل حكومة وحدة وطنية، الكثير من الجدل داخل البلاد، ففي حين اعتبرت المعارضة أن الاقتراح إقرار بفشل الائتلاف الحاكم في إدارة شؤون البلاد، تساءل بعض المراقبين عن هوية رئيس الحكومة الجديد في ظل الحديث عن احتمال اقتراح شخصية اقتصادية تحظى بدعم من البنك الدولي، فيما دعا خبراء إلى حل البرلمان وتعديل القانون الانتخابي، مؤكدين أن حكومة الوحدة الوطنية لن تحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة في البلاد.
قائد السبسي أعلن قبل أيام عن دعمه لاقتراح تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الائتلاف الحاكم والمعارضة والنقابات، حيث أبدى رئيس الحكومة الحبيب الصيد استعداده للتخلي عن منصبه إذا اقتضت مصلحة البلاد ذلك، في حين أكد اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف دعمها للحكومة المقبلة، من دون المشاركة فيها.
أحزاب الائتلاف الحاكم رحبت بالمبادرة، حيث اعتبر رئيس حركة "النهضة" الشيخ راشد الغنوشي أنها جاءت في وقتها، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى مراعاة "الحجم الانتخابي" للحركة الإسلامية في تشكيلة الحكومة المقبلة، في إشارة إلى أن الحركة باتت عملياً الحزب الأول في البلاد بعد انقسام الكتلة البرلمانية لحزب "نداء تونس".
المعارضة اعتبرت أن اقتراح السبسي بمثابة إقرار بفشل الائتلاف الحاكم في إدارة شؤون البلاد، حيث أكد الأمين العام لحزب "التيار الشعبي" والقيادي في "الجبهة الشعبية" زهير حمدي أن الجبهة لن تشارك في الحكومة المقبلة، مشيرا إلى أن "اعتماد المنهجية نفسها في معالجة الأمور عبر تغيير الأشخاص وطواقم الحكومة دون تغيير السياسات والخيارات والبرامج سيعود بنا إلى المربع نفسه".
وأضاف لـ"المدن": "حكومة الوحدة الوطنية يجب أن لا تقوم على المحاصصة والترضيات، لكنها يجب أن تقدم أجوبة حول حقيقة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية القائمة في البلاد، فهم يريدون تغيير هذه الحكومة لامتصاص حالة الاحتقان والتردي، وهذا شكل من أشكال المناورة لتقاسم وتوزيع الفشل بين مختلف القوى حتى لا تتحمله قوة واحدة".
وفي ظل مطالبة عدد من أحزاب الائتلاف الحاكم للحبيب الصيد بالإسراع في تقديم اسقالته، تساءل عدد من السياسيين والنشطاء حول هوية من سيقود الحكومة المقبلة، حيث تحدث البعض عن ترشيح حركة "النهضة" لمؤسس "الحزب الجمهوري" أحمد نجيب الشابي، وهو ما نفاه الحزب، فيما أكد الشابي أن "الوجب الوطني" يفرض عليه قبول هذا المنصب في حال تم ترشيحه.
المحلل السياسي عبداللطيف الحناشي كتب على حسابه في "فايسبوك": "إلى من يفكرون ويبحثون عن اسم رئيس الحكومة الجديد الذي سيعوّض السيد الحبيب الصيد، نقول لا تفكروا ولا تبحثوا كثيراً في الامر. فهذه المرة واكثر من اي مرحلة اخرى، سيكون رئيس الحكومة مِنْ مَنْ اشتغل في مؤسسة البنك الدولي العتيدة ومن ابنائها وثقاتها. في هذه المرحلة، تونس اصبحت مرهونة او رهينة لهذه المؤسسة ومن الطبيعي ان يكون لها رأي في الفارس القادم الذي سيضمن توجهاتها ومصالحها. تذكروا كيف ان السيد رئيس الجمهورية قد ركّز في خطابه كثيراً وبدقّة عن الوضع الاقتصادي الصعب جدّاً في موازاة تضخيم الازمات الاجتماعية الراهنة والمستقبلية ومنها خاصة ازمات الصناديق الاجتماعية".
بعض السياسيين والمراقبين اعتبروا أن مبادرة الرئيس التونسي "غير دستورية" على اعتبار أنها محاولة للتدخل في الشأن الحكومي، مشيرين إلى أن السبسي يحاول الضغط على رئيس الحكومة الحبيب الصيد كي يقدم استقالته.
الخبير الدستوري أمين محفوظ، أكد أن رئيس الجمهورية "مثل بقية المواطنين يتمتع بحرية التعبير وله أن يتحدث في أي موضوع، ويمكن أن يتدخل في إبداء رأيه حول الشأن الحكومي وفق الفصل 72، لأن تونس لم تختر رئيس دولة شرفياً (كما هو الحال في النظام البرلماني) بل له صلاحيات مهمة جداً فهو يمثل الدولة ووحدتها واستقرارها، وكل هذه المسائل تجعل منه شخصاً قادراً على أن يبدي رأيه في الشأن الحكومي".
وأضاف لـ"المدن": "الدستور يمكّن رئيس الدولة من آلية معينة لفض أزمته مع الحكومة (في حال كان ثمة أزمة بين الطرفين) عبر الطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، وإذا لم يجدد المجلس الثقة للحكومة بالأغلبية المطلقة لأعضائه (خمسة زائد واحد)، تُعتبر الحكومة مستقيلة".
محفوظ اعتبر أن اقتراح "حكومة وحدة وطنية" لن يحل الأزمة الحالية في تونس، والتي قال إنها تحتاج إلى حلين "الأول هو أن يعدل مجلس نواب الشعب القانون الانتخابي وذلك بتغيير طريقة انتخاب أعضاء البرلمان من التمثيل النسبي إلى الأغلبية في دورتين، والحل الثاني هو قيام رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً مثلما ينص على ذلك الفصل 99 من الدستور".
وتابع محفوظ "عندها سوف يكون هناك حزب يتمتع بالأغلبية المطلقة وسوف يدافع عن برنامج وسيكون زعيم هذا الحزب في الانتخابات هو زعيم الحكومة مقبلة، وبذلك سيعتاد التونسيون على أن هناك حزباً يحكم وآخر يعارض والناخب يفصل بينهما، فالديموقراطية لا تنجح إلا بالاستقرار، أما الديموقراطية مع النسبية فهي تعطي صورة سيئة عن الديموقراطية والانتخابات، ولذلك لم تكن تونس على موعد مع الديموقراطية والاستقرار".