هل يدفع الخروج من حلب الفصائل لاندماجات الأمر الواقع؟
على وقع الخروج المؤلم من حلب، جاء ضجيج الحديث عن اندماجات كبرى بين الفصائل المعارضة العسكرية ليسيطر على المشهد، بكل ما يحمله هذا الحديث من تفاصيل وتوقعات وأسئلة ومخاوف، تمكنت في النهاية أن تخطف الأضواء من الحدث الرئيس، وتفرض صوت ضجيجها أعلى من ضجيج حديث الاندماج نفسه.
مشروعان للتوحد انطلقا بالتزامن، خلال وقت قصير، في ما بدا أنه رد فعل من قبل الفصائل على حالة الاحتقان الشعبي الكبير ضدها، ما جعل القادة مضطرين للتحرك استجابة للضغط الجماهيري، الذي يرى في استمرار تفرق الفصائل، السبب الرئيس للهزائم الأخيرة التي منيت بها في حلب والغوطة وغيرهما.
لكن هذه الاستجابة، على نوعيتها غير المسبوقة، والحماس الكبير الذي يبديه قادة الفصائل الرئيسية في العلن تجاه التوحد والاندماج، واجهته على الفور أسئلة كبيرة، بدا أنه لا يمكن تجاوزها بهذه السهولة. الأمر الذي أدى أول ما أدى إلى انقسام هذه القوى بين مشروعين، يرى كل فصيل نفسه أقرب إليه، ليدخل المشروعان لاحقاً إلى غرف المداولات والنقاشات، على أمل أن تنتج هذه المرة ما عجزت الفصائل عن انتاجه خلال السنوات السابقة.
"الهيئة الإسلامية السورية" هو الاسم المُسرّب لمشروع التوحد المطروح بين الفصائل الأكبر على الساحة اليوم، وهي "حركة أحرار الشام الإسلامية" و"جبهة فتح الشام" و"حركة نور الدين زنكي". تسريب كان من جملة معلومات انتشرت في وسائل الإعلام، وكشفت عن بنود اتفاق الاندماج المزمع بين هذه الفصائل الثلاث. معلومات وإن كان بعضها صحيحاً، فإن بعض التسريبات الأخرى كان مضافاً، وبشكل موجه على ما يبدو، لأهداف دعائية تخدم كل طرف من ناحيته.
بالإضافة إلى الاسم وراية التكتل الجديد وهيكيليته التنظيمية، أوضحت المعلومات المسربة، عن اختيار قائد "حركة أحرار الشام" لقيادة التشكيل العتيد، على أن يكون قائد "جبهة فتح الشام" هو القائد العسكري، بينما سيرأس قائد "حركة نور الدين زنكي" "مجلس الشورى" فيه. وفي الوقت الذي سيتمثل فيه كل فصيل من الفصائل الثلاثة هذه، وكذلك أي فصيل آخر ينضم لاحقاً إلى التشكيل، في "مجلس الشورى"، بما يتناسب وحجمه، فإن ما كشفت عنه التسريبات أيضاً، هو الاتفاق على وضع كامل المقدرات العسكرية للتكتل بيد أبي محمد الجولاني، على اعتبار أنه سيكون القائد العسكري العام للتشكيل الجديد. وبالتالي سيعود له بالدرجة الأولى، اختيار القادة العسكريين، وإعادة هيكلة القوى والمقاتلين، مع منحه دوراً أساسياً في تشكيل "المكتب السياسي" وعمله.
ويبدو أن هذه النقطة على وجه التحديد، هي ما أثارت ردود فعل سلبية من قبل العديد من الأطراف، التي سجلت إلى جانب ذلك اعتراضات أخرى. ومن بين المعترضين حسب التسريبات أيضاً، أعضاء في "مجلس شورى" حركة "أحرار الشام الإسلامية"، وقادة ألوية تابعين لها، بالإضافة إلى قادة عدد من القوى الإسلامية وفصائل "الجيش الحر" التي اختارت في النهاية العمل على مشروع آخر منفصل.
وحسب مصادر مطلعة على هذا المشروع، والتي وصفته بأنه سيتبنى المشروع الثوري الوطني، فإن اعتراض عرابيه على المشروع الأول، لم يكن بسبب وجود "جبهة فتح الشام" فيه، بل بسبب اتفاق الفصائل الثلاثة المذكورة على كل تفاصيله، وسعيهم لفرضه على البقية كما هو، دون القبول بأي نقاش أو تعديل.
ورغم خروج أصوات من شخصيات محسوبة على هذه القوى تطالب برفض أي اندماج تكون "جبهة فتح الشام" حاضرة فيه ككتلة، وتأكيدها على ضرورة أن تعلن حلّ نفسها أولاً، وأن تنضم لأي مشروع توحد كأفراد، تجنباً لأخطار تصنيفها في لائحة "الإرهاب الدولي"، الأمر الذي سيعرّض كل من سيكون معها للاستهداف، وسيعطي روسيا وحلفاء النظام الآخرين ذريعة إضافية كبرى، لشن حرب واسعة على الجميع. إلا أن الفصائل التي قررت العمل على مشروع الاندماج الجديد تقول إن وجود الجبهة لم يمنعها من الترحيب بالمشروع الأول، والدخول في مفاوضات من أجل الإنضمام إليه، لكنها اصطدمت بأن كل التفاصيل كانت فيه محسومة كما أرادت الفصائل الثلاثة الداعية له.
وبحسب مصادر "المدن"، فقد أخذت قيادة "جبهة فتح الشام" على عاتقها، استقطاب قوى التيار الجهادي إلى التكتل الذي تعمل عليه مع حركتي "الزنكي" و "أحرار الشام"، على أن تعمل الأخيرة لاقناع بقية الفصائل الإسلامية وتشكيلات "الجيش الحر" من أجل الإنضمام إليه. وهو ما حدث بالفعل، حيث التقى مندوبو "الأحرار" مع مختلف الفصائل العسكرية، واستجاب عدد كبير منها للدعوة، على أساس المشاركة الجماعية في وضع تفاصيل الاندماج، ليتفاجأوا بإصرار القائمين على المشروع في النهاية، على التمسك بما تم إقراره دون أي تعديل، ما جعلهم يفضلون التوجه للعمل على مشروع التكتل الجديد.
والمشروع الجديد يقوم حتى الآن على تسعة فصائل أساسية هي: "جيش الإسلام" و"لواء صقور الشام" و"جيش المجاهدين" و"فيلق الشام" و"الجبهة الشامية" و"الفوج الأول" و"فرقة الصفوة" و"جيش النصر"، بالإضافة إلى "لواء شهداء الإسلام-داريا".
ورغم أن هذه المصادر أكدت لـ"المدن" أن فصائل أخرى من "الجيش الحر" قد أبدت موافقتها المبدئية على الالتحاق بالمشروع الجديد، إلا أن البعض يرى أن هذا المشروع، رغم جديته وقطع القائمين عليه أشواطاً مهمة في جلسات التفاوض حوله حتى الآن، إلا أنه لا يبدو ناضجاً بما فيه الكفاية، خصوصاً أنه جاء كرد فعل لا بشكل مدروس، على عكس مشروع الاندماج الثلاثي، الذي يتمتع بالعديد من عوامل النجاح مسبقاً، وفي مقدمتها التقارب الفعلي الموجود بين فصائله، وجاهزيته على الورق للشروع بالتنفيذ، عكس مشروع الفصائل الأخرى، التي وجدت نفسها محاصرة فجأة بالمشروع الأول من جهة، وبالضغط الشعبي الكبير الداعي للتوحد من جهة أخرى.
إلا أنه في المقابل، لا تبدو الصورة وردية بهذا الشكل لدى الجهة الأخرى، حيث شهد الاسبوع الماضي مناقشات حادة داخل حركتي "الزنكي" و"أحرار الشام" بخصوص هذه الخطوة، لتبلغ ذروتها ليلة الثلاثاء/الأربعاء، داخل مجلس شورى "الأحرار" الذي كان مقرراً أن يصوت على القرار النهائي حول الاندماج، لكن التصويت تأجل في اللحظات الأخيرة، بسبب خلافات كبيرة حوله.
وبحسب معلومات حصلت عليها "المدن" فإن الانقسامات لا تزال موجودة داخل "حركة أحرار الشام"، التي تشهد بالأساس انقسامات داخلية معروفة بين تيارين رئيسيين فيها، يُفضل الأول التلاقي مع القوى الثورية في مشروع واسع يشمل الجميع، بينما يدفع التيار الآخر نحو التوحد مع "جبهة فتح الشام" أولاً. ويبدو أن الظروف تلعب لصالح التيار الأخير بشكل كبير في الوقت الحالي بعدما استعاد حضوره القوي مؤخراً داخل الحركة إثر إعلانه عن "جيش الأحرار" في كانون الأول/ديسمبر، نتيجة نجاح التيار الأول في تشكيل أكثرية داخل "مجلس شورى" الحركة.
وعلى الرغم من وجود حراك قوي رافض للتوحد مع "جبهة فتح الشام" بواقعها الحالي داخل الحركة، وما نقل عن بعض قادة الألوية والقطاعات العسكرية فيها، بأنهم، وإذا ما أقرت قيادتها هذا الاندماج، فربما ينفصلون عنها، إلا أن التيار الثوري في "مجلس الشورى" ورغم أنه يشكل الأكثرية العددية، فإن موقفه سيكون صعباً للغاية إذا ما قرر رفض الموافقة على هذا الاندماج.
بحسب المتابعين، فإن هذا التيار يخشى من رد الفعل ضده، حيث سيتم تصويره على أنه الطرف المعطل للاندماج مع "جبهة فتح الشام" للمرة الثانية، مقابل إدراكه لمخاطر التوحد مع الجبهة، المصنفة حتى الآن على قوائم الإرهاب الدولي، الأمر الذي سيجر على الحركة، وعلى المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة بشكل عام، مخاطر إضافية كبيرة، أكثر مما تعيشه الآن.
في المقابل، تبدو "جبهة فتح الشام"، التي تلتزم حتى الآن الصمت على الصعيد الرسمي، في موقف مريح جداً، حيث يرى المحللون أنها ستخرج كاسبة من هذا المخاض بكل الأحوال. فإذا نجح المشروع القائم حالياً، فإن ذلك سيحقق لها الهدف الأكبر الذي طالما انتظرته، حيث سيدفع بها إلى الأمام أكثر على أساس اعتبارها "قوة عسكرية محلية" معارضة ومندمجة مع بقية الفصائل الأخرى، ولن يبقيها وحيدة بعد ذلك، في مواجهة الاستهداف من القوى الدولية. وإن فشل المشروع أيضاً، فإن ذلك سيظهر للرأي العام المعارض للنظام، أن "جبهة فتح الشام" قد فعلت ما يتوجب عليها من أجل التوحد، باعتباره مطلباً شعبياً رئيسياً، وسيضع الفصائل الأخرى في موقف صعب تجاه الجماهير المحتقنة كما لم يحدث من قبل، بعد سيطرة النظام وحلفائه على مدينة حلب.
كل ذلك يضيق من مساحات الخيارات، ليس داخل "حركة أحرار الشام" فقط، بل وكذلك في "حركة نور الدين زنكي"، التي تلتزم قيادتها صمتاً رسمياً أيضاً، بينما تؤكد معلومات متطابقة وجود انقسام داخل الحركة حول هذا الموضوع، لا يقل عن الانقسام الذي تعيشه "حركة أحرار الشام". لكن صعوبة موقف "الزنكي" تبدو مضاعفة بالمقارنة مع "أحرار الشام"، التي تبقى في النهاية، في توجهها وإيديولوجيتها، قريبة بطبيعة الحال من "جبهة فتح الشام"، على عكس "حركة نور الدين زنكي"، التي تظل إحدى قوى "الجيش الحر"، التي لا تقوى، لا من ناحية البنية التنظيمية، ولا على مستوى العناصر والكوادر، على الحمولة الفكرية لشريكيها المحتملين في هذا الاندماج.
ويرى الكثيرون أن "نور الدين الزنكي" تدفع ثمن مغامرة قيادتها المبالغ فيها في التقارب مع "جبهة فتح الشام"، الأمر الذي أوصلها في النهاية إلى مفترق طرق خطير، كانت تظن هذه القيادة وبثقة مفرطة، أنه يمكنها تفاديه. وعليه، فإن كل ما يمكن أن تعول عليه الحركة اليوم، هو عدم التوافق داخل "أحرار الشام" على هذا المشروع، الأمر الذي سيعفيها من تبعات رفضه أو القبول به.
لكن ومع أهمية كل ما سبق، فإن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للرأي العام هو: ما هي فرص نجاح مشروع الاندماج الثلاثي هذا، أو بالأحرى، ما هي فرص نجاح مشروعي الاندماج القائمين حالياً؟
سؤال تبدو الإجابة عليه غير ممكنة، حتى والمشروعان في محطتيهما قبل الأخيرة، وخاصة بالنسبة للأول، الذي يتوقف اليوم على تصويت مجلس شورى "حركة أحرار الشام"، وصعوبة التوقع تأتي دائماً من تجارب أو محاولات الاندماج السابقة، التي فشلت على الدوام، الأمر الذي لا يجعل الكثيرين متفائلين رغم كل المعطيات المحفزة.
لكن ما هو محل اتفاق، أن رؤية مشروع الاندماج بين "الزنكي" و"الأحرار" و"فتح الشام"، للنور، سيعني بالتأكيد، نجاح ولادة المشروع الآخر، حيث سيكون انجازه بالنسبة للقائمين عليه مسألة مصيرية، خاصة أن بعض التسريبات التي تم تداولها تقول، بأن أحد بنود الاتفاق بين تلك الفصائل الثلاثة على الاندماج، هو فرض الانضمام إلى التشكيل الجديد على الفصائل الأخرى، لاحقاً وبالقوة. أما إذا لم يكتب للمشروع الثلاثي النجاح، فإن المشروع الآخر، وعلى الأغلب، لن يجد القائمون عليه ما يجبرهم على انجازه، إلا إذا كانت إرادة التوحد المبدئية موجودة بالفعل هذه المرة.
مشروعان للتوحد انطلقا بالتزامن، خلال وقت قصير، في ما بدا أنه رد فعل من قبل الفصائل على حالة الاحتقان الشعبي الكبير ضدها، ما جعل القادة مضطرين للتحرك استجابة للضغط الجماهيري، الذي يرى في استمرار تفرق الفصائل، السبب الرئيس للهزائم الأخيرة التي منيت بها في حلب والغوطة وغيرهما.
لكن هذه الاستجابة، على نوعيتها غير المسبوقة، والحماس الكبير الذي يبديه قادة الفصائل الرئيسية في العلن تجاه التوحد والاندماج، واجهته على الفور أسئلة كبيرة، بدا أنه لا يمكن تجاوزها بهذه السهولة. الأمر الذي أدى أول ما أدى إلى انقسام هذه القوى بين مشروعين، يرى كل فصيل نفسه أقرب إليه، ليدخل المشروعان لاحقاً إلى غرف المداولات والنقاشات، على أمل أن تنتج هذه المرة ما عجزت الفصائل عن انتاجه خلال السنوات السابقة.
"الهيئة الإسلامية السورية" هو الاسم المُسرّب لمشروع التوحد المطروح بين الفصائل الأكبر على الساحة اليوم، وهي "حركة أحرار الشام الإسلامية" و"جبهة فتح الشام" و"حركة نور الدين زنكي". تسريب كان من جملة معلومات انتشرت في وسائل الإعلام، وكشفت عن بنود اتفاق الاندماج المزمع بين هذه الفصائل الثلاث. معلومات وإن كان بعضها صحيحاً، فإن بعض التسريبات الأخرى كان مضافاً، وبشكل موجه على ما يبدو، لأهداف دعائية تخدم كل طرف من ناحيته.
بالإضافة إلى الاسم وراية التكتل الجديد وهيكيليته التنظيمية، أوضحت المعلومات المسربة، عن اختيار قائد "حركة أحرار الشام" لقيادة التشكيل العتيد، على أن يكون قائد "جبهة فتح الشام" هو القائد العسكري، بينما سيرأس قائد "حركة نور الدين زنكي" "مجلس الشورى" فيه. وفي الوقت الذي سيتمثل فيه كل فصيل من الفصائل الثلاثة هذه، وكذلك أي فصيل آخر ينضم لاحقاً إلى التشكيل، في "مجلس الشورى"، بما يتناسب وحجمه، فإن ما كشفت عنه التسريبات أيضاً، هو الاتفاق على وضع كامل المقدرات العسكرية للتكتل بيد أبي محمد الجولاني، على اعتبار أنه سيكون القائد العسكري العام للتشكيل الجديد. وبالتالي سيعود له بالدرجة الأولى، اختيار القادة العسكريين، وإعادة هيكلة القوى والمقاتلين، مع منحه دوراً أساسياً في تشكيل "المكتب السياسي" وعمله.
ويبدو أن هذه النقطة على وجه التحديد، هي ما أثارت ردود فعل سلبية من قبل العديد من الأطراف، التي سجلت إلى جانب ذلك اعتراضات أخرى. ومن بين المعترضين حسب التسريبات أيضاً، أعضاء في "مجلس شورى" حركة "أحرار الشام الإسلامية"، وقادة ألوية تابعين لها، بالإضافة إلى قادة عدد من القوى الإسلامية وفصائل "الجيش الحر" التي اختارت في النهاية العمل على مشروع آخر منفصل.
وحسب مصادر مطلعة على هذا المشروع، والتي وصفته بأنه سيتبنى المشروع الثوري الوطني، فإن اعتراض عرابيه على المشروع الأول، لم يكن بسبب وجود "جبهة فتح الشام" فيه، بل بسبب اتفاق الفصائل الثلاثة المذكورة على كل تفاصيله، وسعيهم لفرضه على البقية كما هو، دون القبول بأي نقاش أو تعديل.
ورغم خروج أصوات من شخصيات محسوبة على هذه القوى تطالب برفض أي اندماج تكون "جبهة فتح الشام" حاضرة فيه ككتلة، وتأكيدها على ضرورة أن تعلن حلّ نفسها أولاً، وأن تنضم لأي مشروع توحد كأفراد، تجنباً لأخطار تصنيفها في لائحة "الإرهاب الدولي"، الأمر الذي سيعرّض كل من سيكون معها للاستهداف، وسيعطي روسيا وحلفاء النظام الآخرين ذريعة إضافية كبرى، لشن حرب واسعة على الجميع. إلا أن الفصائل التي قررت العمل على مشروع الاندماج الجديد تقول إن وجود الجبهة لم يمنعها من الترحيب بالمشروع الأول، والدخول في مفاوضات من أجل الإنضمام إليه، لكنها اصطدمت بأن كل التفاصيل كانت فيه محسومة كما أرادت الفصائل الثلاثة الداعية له.
وبحسب مصادر "المدن"، فقد أخذت قيادة "جبهة فتح الشام" على عاتقها، استقطاب قوى التيار الجهادي إلى التكتل الذي تعمل عليه مع حركتي "الزنكي" و "أحرار الشام"، على أن تعمل الأخيرة لاقناع بقية الفصائل الإسلامية وتشكيلات "الجيش الحر" من أجل الإنضمام إليه. وهو ما حدث بالفعل، حيث التقى مندوبو "الأحرار" مع مختلف الفصائل العسكرية، واستجاب عدد كبير منها للدعوة، على أساس المشاركة الجماعية في وضع تفاصيل الاندماج، ليتفاجأوا بإصرار القائمين على المشروع في النهاية، على التمسك بما تم إقراره دون أي تعديل، ما جعلهم يفضلون التوجه للعمل على مشروع التكتل الجديد.
والمشروع الجديد يقوم حتى الآن على تسعة فصائل أساسية هي: "جيش الإسلام" و"لواء صقور الشام" و"جيش المجاهدين" و"فيلق الشام" و"الجبهة الشامية" و"الفوج الأول" و"فرقة الصفوة" و"جيش النصر"، بالإضافة إلى "لواء شهداء الإسلام-داريا".
ورغم أن هذه المصادر أكدت لـ"المدن" أن فصائل أخرى من "الجيش الحر" قد أبدت موافقتها المبدئية على الالتحاق بالمشروع الجديد، إلا أن البعض يرى أن هذا المشروع، رغم جديته وقطع القائمين عليه أشواطاً مهمة في جلسات التفاوض حوله حتى الآن، إلا أنه لا يبدو ناضجاً بما فيه الكفاية، خصوصاً أنه جاء كرد فعل لا بشكل مدروس، على عكس مشروع الاندماج الثلاثي، الذي يتمتع بالعديد من عوامل النجاح مسبقاً، وفي مقدمتها التقارب الفعلي الموجود بين فصائله، وجاهزيته على الورق للشروع بالتنفيذ، عكس مشروع الفصائل الأخرى، التي وجدت نفسها محاصرة فجأة بالمشروع الأول من جهة، وبالضغط الشعبي الكبير الداعي للتوحد من جهة أخرى.
إلا أنه في المقابل، لا تبدو الصورة وردية بهذا الشكل لدى الجهة الأخرى، حيث شهد الاسبوع الماضي مناقشات حادة داخل حركتي "الزنكي" و"أحرار الشام" بخصوص هذه الخطوة، لتبلغ ذروتها ليلة الثلاثاء/الأربعاء، داخل مجلس شورى "الأحرار" الذي كان مقرراً أن يصوت على القرار النهائي حول الاندماج، لكن التصويت تأجل في اللحظات الأخيرة، بسبب خلافات كبيرة حوله.
وبحسب معلومات حصلت عليها "المدن" فإن الانقسامات لا تزال موجودة داخل "حركة أحرار الشام"، التي تشهد بالأساس انقسامات داخلية معروفة بين تيارين رئيسيين فيها، يُفضل الأول التلاقي مع القوى الثورية في مشروع واسع يشمل الجميع، بينما يدفع التيار الآخر نحو التوحد مع "جبهة فتح الشام" أولاً. ويبدو أن الظروف تلعب لصالح التيار الأخير بشكل كبير في الوقت الحالي بعدما استعاد حضوره القوي مؤخراً داخل الحركة إثر إعلانه عن "جيش الأحرار" في كانون الأول/ديسمبر، نتيجة نجاح التيار الأول في تشكيل أكثرية داخل "مجلس شورى" الحركة.
وعلى الرغم من وجود حراك قوي رافض للتوحد مع "جبهة فتح الشام" بواقعها الحالي داخل الحركة، وما نقل عن بعض قادة الألوية والقطاعات العسكرية فيها، بأنهم، وإذا ما أقرت قيادتها هذا الاندماج، فربما ينفصلون عنها، إلا أن التيار الثوري في "مجلس الشورى" ورغم أنه يشكل الأكثرية العددية، فإن موقفه سيكون صعباً للغاية إذا ما قرر رفض الموافقة على هذا الاندماج.
بحسب المتابعين، فإن هذا التيار يخشى من رد الفعل ضده، حيث سيتم تصويره على أنه الطرف المعطل للاندماج مع "جبهة فتح الشام" للمرة الثانية، مقابل إدراكه لمخاطر التوحد مع الجبهة، المصنفة حتى الآن على قوائم الإرهاب الدولي، الأمر الذي سيجر على الحركة، وعلى المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة بشكل عام، مخاطر إضافية كبيرة، أكثر مما تعيشه الآن.
في المقابل، تبدو "جبهة فتح الشام"، التي تلتزم حتى الآن الصمت على الصعيد الرسمي، في موقف مريح جداً، حيث يرى المحللون أنها ستخرج كاسبة من هذا المخاض بكل الأحوال. فإذا نجح المشروع القائم حالياً، فإن ذلك سيحقق لها الهدف الأكبر الذي طالما انتظرته، حيث سيدفع بها إلى الأمام أكثر على أساس اعتبارها "قوة عسكرية محلية" معارضة ومندمجة مع بقية الفصائل الأخرى، ولن يبقيها وحيدة بعد ذلك، في مواجهة الاستهداف من القوى الدولية. وإن فشل المشروع أيضاً، فإن ذلك سيظهر للرأي العام المعارض للنظام، أن "جبهة فتح الشام" قد فعلت ما يتوجب عليها من أجل التوحد، باعتباره مطلباً شعبياً رئيسياً، وسيضع الفصائل الأخرى في موقف صعب تجاه الجماهير المحتقنة كما لم يحدث من قبل، بعد سيطرة النظام وحلفائه على مدينة حلب.
كل ذلك يضيق من مساحات الخيارات، ليس داخل "حركة أحرار الشام" فقط، بل وكذلك في "حركة نور الدين زنكي"، التي تلتزم قيادتها صمتاً رسمياً أيضاً، بينما تؤكد معلومات متطابقة وجود انقسام داخل الحركة حول هذا الموضوع، لا يقل عن الانقسام الذي تعيشه "حركة أحرار الشام". لكن صعوبة موقف "الزنكي" تبدو مضاعفة بالمقارنة مع "أحرار الشام"، التي تبقى في النهاية، في توجهها وإيديولوجيتها، قريبة بطبيعة الحال من "جبهة فتح الشام"، على عكس "حركة نور الدين زنكي"، التي تظل إحدى قوى "الجيش الحر"، التي لا تقوى، لا من ناحية البنية التنظيمية، ولا على مستوى العناصر والكوادر، على الحمولة الفكرية لشريكيها المحتملين في هذا الاندماج.
ويرى الكثيرون أن "نور الدين الزنكي" تدفع ثمن مغامرة قيادتها المبالغ فيها في التقارب مع "جبهة فتح الشام"، الأمر الذي أوصلها في النهاية إلى مفترق طرق خطير، كانت تظن هذه القيادة وبثقة مفرطة، أنه يمكنها تفاديه. وعليه، فإن كل ما يمكن أن تعول عليه الحركة اليوم، هو عدم التوافق داخل "أحرار الشام" على هذا المشروع، الأمر الذي سيعفيها من تبعات رفضه أو القبول به.
لكن ومع أهمية كل ما سبق، فإن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للرأي العام هو: ما هي فرص نجاح مشروع الاندماج الثلاثي هذا، أو بالأحرى، ما هي فرص نجاح مشروعي الاندماج القائمين حالياً؟
سؤال تبدو الإجابة عليه غير ممكنة، حتى والمشروعان في محطتيهما قبل الأخيرة، وخاصة بالنسبة للأول، الذي يتوقف اليوم على تصويت مجلس شورى "حركة أحرار الشام"، وصعوبة التوقع تأتي دائماً من تجارب أو محاولات الاندماج السابقة، التي فشلت على الدوام، الأمر الذي لا يجعل الكثيرين متفائلين رغم كل المعطيات المحفزة.
لكن ما هو محل اتفاق، أن رؤية مشروع الاندماج بين "الزنكي" و"الأحرار" و"فتح الشام"، للنور، سيعني بالتأكيد، نجاح ولادة المشروع الآخر، حيث سيكون انجازه بالنسبة للقائمين عليه مسألة مصيرية، خاصة أن بعض التسريبات التي تم تداولها تقول، بأن أحد بنود الاتفاق بين تلك الفصائل الثلاثة على الاندماج، هو فرض الانضمام إلى التشكيل الجديد على الفصائل الأخرى، لاحقاً وبالقوة. أما إذا لم يكتب للمشروع الثلاثي النجاح، فإن المشروع الآخر، وعلى الأغلب، لن يجد القائمون عليه ما يجبرهم على انجازه، إلا إذا كانت إرادة التوحد المبدئية موجودة بالفعل هذه المرة.