حلب:"الوحدات"والنظام يتقاسمون الأحياء الشمالية..والمعارضة صامتة
استولت مليشيات النظام و"وحدات حماية الشعب" الكردية على كامل القسم الشمالي من أحياء حلب الشرقية المحاصرة، مساء الإثنين، بعدما هاجم الطرفان الأجزاء المتبقية من أحياء الصاخور والشيخ فارس والشيخ خضر ومواقع في بستان الباشا، ومحطة ضخ المياه وعدداً من الأبنية المحيطة بها، التي بقيت المعارضة تقاوم فيها. وعلى أسطح الأبنية المحيطة بمحطة الضخ، رفعت مليشيات النظام و"وحدات الحماية" علمي النظام و"الاتحاد الديموقراطي".
وكانت المعارضة قد انسحبت تحت قصف المدفعية والصواريخ وغارات الطيران الحربي والمروحي الذي استهدف مواقعها وأرتالها، إلى المناطق والأحياء الواقعة إلى الجنوب من طريق المطار وعقدة الصاخور. لتصبح جبهات المعارضة مع المليشيات في أطراف أحياء طريق الباب والشعار وسد اللوز وكرم الجبل والحلوانية. وتعرضت هذه الأحياء بدورها لحملة قصف عنيف خلال الساعات الماضية، ومازالت، بهدف التمهيد لمواصلة التقدم البري للمليشيات.
من جانبها، أرسلت المعارضة مزيداً من التعزيزات العسكرية نحو الجبهات الجديدة مع المليشيات، وبدأت برفع السواتر، وبناء تحصينات هندسية، وركزت نقاط رصد متقدمة في محاور متعددة، وعملت على توزيع الأدوار بين مختلف الفصائل المسلحة. وتحاول المعارضة الاستفادة من الأخطاء الكارثية التي أدت لخسارتها القسم الشمالي من المدينة، وانهيار دفاعاتها بشكل مفاجئ.
وتقاسمت مليشيات النظام و"وحدات الحماية"، الأحياء الشمالية بعد انسحاب المعارضة، وتمركزت "الوحدات" في أحياء عين التل والهلك وبستان الباشا وأجزاء من حي الحيدرية المقابلة لحي الشيخ مقصود، مركز "الوحدات" التقليدي. أما مليشيات النظام فكان من نصيبها مساكن هنانو والشيخ فارس والشيخ خضر وبعيدين والانذارات والأرض الحمرة وجبل بدرو والبحوث العلمية والصاخور.
العلاقة بين مليشيات النظام و"وحدات الحماية"، المبنية حالياً، على المصلحة المشتركة ضد المعارضة، أثبتها الميدان خلال الأيام الماضية، من حيث العمليات العسكرية البرية والتغطية المتزامنة لمحاور وجبهات بعينها، وإشغال المحاور بشكل متزامن. وفي حين يقول البعض إنهما تقاسما جغرافيا محددة، يؤكد آخرون أن "وحدات الحماية" ظهرت كمليشيا رديفة لقوات النظام، مثلها في ذلك مثل "حركة النجباء" العراقية والأفغان و"حزب الله" اللبناني. في حين أن مراقبين يشيرون إلى أن العلاقة بين الطرفين قد تكون وقتية، فقوات النظام والمليشيات الشيعية لن تقبل بأي شريك يزاحمها على غنيمة الأحياء الشمالية من حلب الشرقية. الأمر قد يتعقد بين الطرفين، كما حدث الثلاثاء، من اشتباكات مسلحة بينهما، أسفرت عن مقتل عنصرين من مليشيات النظام.
ومهما يكن الاتفاق بين الطرفين، فـ"وحدات الحماية" و"جيش الثوار" المتشاركين تحالف "قوات سوريا الديموقراطية" في حي الشيخ مقصود في حلب، قدما خدمات جليلة لمليشيات النظام مؤخراً. وكان لـ"قسد" الفاعلية الأكبر من حيث العمل الاستخباراتي وتحضير الميدان عبر عملاء تابعين لها في الأحياء الشمالية من حلب الشرقية. ونشط عملاء "قسد" بشكل رئيس في أحياء الهلك وبستان الباشا وبعيدين وعين التل، وقاموا بتزويد المليشيات بمواقع المعارضة وثكناتها العسكرية المتقدمة، وبأعداد مقاتليها، بحكم معرفتها بالمنطقة. ومعظم مقاتلي مليشيا "جيش الثوار" حليف "وحدات الحماية" كانوا قبل عامين عناصر تابعين للمعارضة، يتمركزون في الأحياء ذاتها، ويتبعون لفصائل معارضة أبرزها "غرباء الشام".
"الوحدات" الكردية أعدمت ميدانياً عدداً من المدنيين في بستان الباشا وعين التل، الأحد/الاثنين، بتهمة الانتماء لفصائل المعارضة والعمل لصالحها، معتمدة على معلومات واتهامات كيدية من عملائها في الأحياء نفسها. وهم ذاتهم من روجوا بين المدنيين خلال الفترة الماضية بشكل سري أن الطريق نحو الشيخ مقصود سيكون مفتوحاً بالتزامن مع العملية العسكرية، ما دفع الآلاف للبقاء في منازلهم في انتظار اللحظة الحاسمة. وفعلاً سارت الأمور كما خُطط لها. والهدف في النهاية العمل على انهيار المعارضة والفصل بينها وبين حواضنها الشعبية.
المعارضة فوجئت من حجم التنسيق والعمل المشترك بين "الوحدات" ومليشيات النظام، الأمر الذي جعلها في موقف لا تحسد عليه، بين فكي كماشة لا يمكنها معه المقاومة والثبات. فمعارك المعارضة للحفاظ على مواقعها في شمال المدينة بدت انتحارية، ومجرد عمليات استنزاف ومقتلة لعناصرها لا طائل منها.
وخسرت المعارضة العشرات من مقاتليها، بين قتيل وجريح خلال عمليات الصد المستمرة، خلال الساعات الـ24 الماضية، وقتل العشرات من المدنيين الذين لم يحالفهم الحظ في الهرب من جحيم الغارات والقصف الوحشي الذي استهدف الأحياء الشمالية. وبقيت أعداد كبيرة من جثث القتلى ملقاة في الشوارع، ولم تتمكن فرق الانقاذ والدفاع المدني من انتشالهم بالعربات المدفوعة بالأيدي التي كان يستخدمها سابقاً باعة الخضار الجوالين.
انهيار منظومة الاسعاف والدفاع المدني بشكل شبه كامل في القسم المشتعل من الأحياء الشمالية ومحيطه القريب من الأحياء الوسطى، يأتي في ظل انقطاع معظم الطرق بين الأحياء بسبب تراكم أكوام أنقاض البيوت المهدمة، بالإضافة لخسارة تلك الفرق أعداداً كبيرة من سياراتها التي استهدفتها الطائرات الحربية والمروحية بشكل مباشر، في الوقت الذي تعاني فيه من ندرة الديزل الكافي لتشغيل المتبقي منها. في الأحياء المحاصرة، نساء وأطفال وشيوخ، ظلت جروحهم تنزف حتى الموت، بسبب استحالة انقاذهم في ظل الشلل في القطاع الطبي وخروج أغلب مشافي الأحياء المحاصرة في حلب عن الخدمة بسبب القصف المستمر منذ 15 يوماً.
التقدم المتواصل والسريع لمليشيات النظام و"الوحدات" أدى إلى نزوح أكثر من 25 ألف مدني من القسم الشمالي، الذي أصبح تحت سيطرتهما، بعدما انسحبت المعارضة من آخر مواقعها فيه. كما دفع الوضع الميداني المتدهور آلافاً آخرين من الأحياء التي ما تزال تحت سيطرة المعارضة في القسم الأوسط من المنطقة المحاصرة، إلى ترك بيوتهم والتوجه نحو مناطق النظام و"الوحدات"، ونحو الأحياء الجنوبية الخارجة عن سيطرة النظام.
ولم يسلم النازحون عن بيوتهم من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي الذي تشنه المقاتلات الحربية، والمليشيات العسكرية. وآخر المجازر ارتكبها الطيران صباح الثلاثاء، في حي باب النيرب بعدما استهدفت غارات مجموعة كبيرة من العائلات كانت تنوي الرحيل نحو الأحياء الجنوبية وحلب القديمة، مشياً على الأقدام. الدفاع المدني قال إن أكثر من 25 شخصاً بينهم أطفال ونساء لقوا مصرعهم في الغارة.
مقاتلو المعارضة في حلب المحاصرة، باتوا في وضع لا يحسدون عليه، بعدما تُركوا وحدهم في مواجهة مصيرهم. ذلك هو الشعور السائد لدى مختلف القوى العاملة على الأرض، في الوقت الذي يغيب قادة معظم الفصائل عن المشهد بشكل كامل، فلم يظهر أي قائد عسكري بارز ليطمئن المقاتلين في الداخل، أو على الأقل يرفع من معنوياتهم المنهارة. وبات الجميع يتساءل، من مقاتلين ونشطاء، ما الأمر؟ لماذا هذا الصمت المريب؟