كشف حساب 30 يونيو.. رصيد السيسي بعد سنتين
تحل الثلاثاء الذكرى الثانية لتظاهرات 30 حزيران/يونيو الحاشدة، التي مهدت لعزل الرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي، بقرار من وزير دفاعه، عبد الفتاح السيسي. وهي نفسها الذكرى الثالثة لتولي مرسي رئاسة أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان بعد فوزه بفارق ضئيل على منافسه الطيار الحربي المتقاعد أحمد شفيق، في الجولة الثانية من أول انتخابات رئاسية تعددية حرة في تاريخ مصر. وفي حين كانت 30 يونيو/حزيران 2013 كشف حساب، جماهيري وسياسي، لسنة من حكم الإخوان المسلمين، إلا أن 30 يونيو 2015 هي أبعد ما تكون عن مساءلة عبد الفتاح السيسي، بعد سنة شديدة الوطأة من توليه الرسمي للمنصب ذاته، وبعد سنتين من هيمنته الفعلية على مجريات الأمور السياسية والأمنية في مصر.
باتت الصورة الآن أوضح من ذي قبل، خاصةً بعد تضافر التسريبات الصوتية لكبار العسكريين، وعلى رأسهم السيسي نفسه، مع تسريبات "ويكيليكس" الأخيرة. كشفت التسريبات الصوتية المتتالية كيف وظفت المخابرات الحربية حركة "تمرد" للتمهيد للانقلاب على أول حكم مدني في تاريخ مصر الحديث. كما برز من خلالها جانب من دور دولة الإمارات في التمويل والمباركة، بتفاصيل معلوماتية تتجاوز التحليل السياسي العام. أما تسريبات "ويكيليكس" الأخيرة فقد كشفت قدراً لا بأس به من التمويل السعودي لرموز سياسية وفكرية وإعلامية مصرية كان لها دور مميز في صناعة 30 يونيو 2013، كحدث مؤسس لقطيعة مع ثورة يناير، ومسار الأمور بعده. وعلى صعيد ثانٍ، فضحت الصراعات العلنية بين أجنحة العسكريين وبعضهم كثيراً مما كان ليوصف بالتفسير التآمري المفتقر إلى أدلة، لولا أن أحمد شفيق، مثلاً، تحدث صراحة عن ترتيباته الإقليمية للتجهيز لإسقاط الإخوان، ثم إحباطه بعد سقوطهم فعلاً وتحوله إلى شخص غير مرغوب فيه من السلطة الحاكمة الآن واستمراره في منفاه الاختياري في دبي.
صار من الجلي الآن أن الأسباب الحقيقية لسخط الجماهير على فشل الإخوان المسلمين وتدهور كفاءة حكمهم قد تم تضخيمها، وافتعال بعض الأسباب الأخرى لتعبئة الحشود ليوم التظاهر الموعود، الذي كانت حركة "تمرد" رأس الحربة في الدعوة إليه. يزخر موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب" بمئاتٍ من مقاطع الفيديو التي تؤكد تطوّع الإخوان خصوصاً، والإسلاميين عموماً، باستفزاز الناس بخطاب طائفي اجتماعياً ودينياً، فضلاً عن خطابات مرسي الأخيرة ومجموع قراراته في شهر يونيو/حزيران 2013 وحده. لكن هذه الخطوات الاستفزازية من ناحية الإخوان لم تكن في معزل عن التعبئة الجماهيرية التي سهرت عليها أجهزة "الدولة العميقة" وجيّشت لها جيوشها بدعم سخي غير مسبوق من الحليف الخليجي، الإمارات والسعودية.
لم تختلف التقديرات حول أعداد المشاركين في 30 يونيو فقط، بل وقع خلاف كبير في تسميتها؛ هل كانت ثورة ثانية، أم ثورة تصحيح، أم ثورة مضادة. لكن الاتفاق قد انعقد على كونها التمهيد والسند المباشر لانقلاب 3 يوليو/تموز الذي بدأ صفحة خريفية جديدة تماماً في حياة ما سُمّي يوماً "الربيع العربي". ويبدو أن السيسي قد أراد أن يحسم ملفاته العالقة قبل أن يتصدر المشهد رسمياً فاكتفى بموقع المتحكم، لا الحاكم، في إدارة صراعاته الدموية مع الإخوان المسلمين وأنصارهم من المتظاهرين السلميين، فوقعت في سنة الحكم الانتقالي، تحت السلطة الشكلية للقاضي عدلي منصور، مذابح القتل الجماعي كافة. بدأت "المذابح"، وفقاً للتوصيف المهني من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية، بمذبحة دار مناسبات الحرس الجمهوري في 8 يوليو/تموز، ثم ليلة مظاهرات التفويض عند "المنصة" بالقرب من اعتصام "رابعة" يوم 26 من الشهر نفسه، ثم المذبحة الكبرى في فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" يوم 16 آب/أغسطس التالي، ومسيرات 6 تشرين أول/أكتوبر من العام نفسه.
قلّت مذابح القتل الجماعي الضخمة في أعداد ضحاياها في 2014، عام تولي السيسي الحكم رسمياً في انتخابات شكلية اكتسحها من الجولة الأولى، لكن القتل الفردي في مسيرات مناصري الإخوان لم يتوقف. ارتدت مصر بعد الانقلاب إلى عصور سحيقة من القمع والسلطوية فاقت أحلك فترات الستينيات والتسعينيات، تحت حكم عبد الناصر ومبارك، مجتمعين. وثقت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية أرقاماً غير مسبوقة لأعداد ضحايا القتل العشوائي ما دفع "هيومن رايتس ووتش" إلى القول بأن جريمة الفض الدموي لاعتصام رابعة قد ترقى من جريمة سياسية إلى جريمة بحق الإنسانية. وبخلاف القتل والاعتقالات العشوائية هائلة العدد، فإن أحكام الإعدام الجماعية في محاكمات هزلية قد حققت أرقاماً قياسية جديدة، ويضاف إليها استهداف الصحافيين والثوار غير الإسلاميين في حرص دؤوب على مصادرة المجال العام واغتيال السياسة تماماً. وتكررت حوادث الاعتداء الجنسي على المعتقلين والمعتقلات، كما اعتقلت أعداد هائلة من الطلاب والقاصرين، ولقي أكثر من مائتي معتقل حتفه داخل السجن بسبب الإهمال وانعدام الرعاية الصحية.
أُعلن في 3 يوليو/تموز 2013 عن خريطة للمستقبل لم يُلتزم بها في شيء، فأغلقت القنوات التلفزيونية المعارضة للسلطة الجديدة كلها، ومنع التصريح لقنوات جديدة، وتحولت الشاشات إلى أبواق دعائية وتحريضية فاقت ما يدرسه طلاب الإعلام والتاريخ عن دعاية غوبلز النازية.
مر الآن سنة على حكم السيسي ولا أفق لإجراء الانتخابات البرلمانية، ولا يتوقف هو عن السطو على السلطة التشريعية والتعسف في استخدامها لدرجة وصلت إلى "الإسهال التشريعي"، حيث أصدر عشرات القوانين في وقت قياسي، وعقد العديد من الاتفاقيات الدولية في سرية وغموض، إحداها تتعلق بالأمن المائي وحق أجيال المستقبل في مياه النيل من دون أن يعلم أحد عن محتوى الاتفاقية شيئاً.
أما الأمن المنشود من وراء حكم قائد عسكري يضرب بيد من حديد، بحسب دعاية المؤيدين، فإن حصيلته بعد سنتين من 30 يونيو المؤسِّسة يمكن تلخيصها بالإشارة إلى تحول "أنصار بيت المقدس" من الولاء غير المعلن لتنظيم "القاعدة" إلى الولاء الرسمي المعلن لتنظيم "داعش" كفرع محلي يحمل اسم "ولاية سيناء"، حيث لم تعد مصر في منأى عن سوريا والعراق. وبالتركيز على حصيلة سنة حكم السيسي الرسمي، فإن عمليات تنظيم "ولاية سيناء" امتدت من القضاء على وحدة عسكرية بالكامل في واحة الفرافرة في أقصى الصحراء الغربية في يوليو/تموز، إلى أول عملية بحرية "داعشية" في البحر المتوسط بقيادة ضابط منشق من الصاعقة البحرية، وهو المنشق في نوفمبر/تشرين ثان، إضافةً إلى الطفرات النوعية في حجم عملياته في مرتكزه الرئيس، سيناء. في نهاية أكتوبر/تشرين أول نفذ التنظيم هجوم "كرم القواديس" التاريخي الذي رد عليه السيسي بالتهجير القسري لما يقرب من 10 آلاف مواطن في مدينة رفح من أجل إقامة المنطقة العازلة مع قطاع غزة. لم يلبث التنظيم أن قام بعملية هي الأضخم في تاريخه يوم 29 يناير/كانون ثاني من العام الجاري قيل عنها أنها أكبر هجوم بري يتعرض له الجيش المصري منذ هزيمة يونيو 1967. ولم تتوقف عمليات التنظيم من بعدها لا كماً ولا نوعاً.
تحل الذكرى الثانية لتظاهرات 30 يونيو الفاصلة بين عهدين، بعد يوم واحد من تتويج حكم الحديد والنار والمظالم الاجتماعية والجهوية باغتيال النائب العام في قلب العاصمة، وبعد أقل من سنتين من محاولة لاغتيال وزير الداخلية السابق في مكان قريب من عملية الأمس. ويبدو أن السنة المقبلة لن تكون أقل وطأة من السنة المنصرمة...
باتت الصورة الآن أوضح من ذي قبل، خاصةً بعد تضافر التسريبات الصوتية لكبار العسكريين، وعلى رأسهم السيسي نفسه، مع تسريبات "ويكيليكس" الأخيرة. كشفت التسريبات الصوتية المتتالية كيف وظفت المخابرات الحربية حركة "تمرد" للتمهيد للانقلاب على أول حكم مدني في تاريخ مصر الحديث. كما برز من خلالها جانب من دور دولة الإمارات في التمويل والمباركة، بتفاصيل معلوماتية تتجاوز التحليل السياسي العام. أما تسريبات "ويكيليكس" الأخيرة فقد كشفت قدراً لا بأس به من التمويل السعودي لرموز سياسية وفكرية وإعلامية مصرية كان لها دور مميز في صناعة 30 يونيو 2013، كحدث مؤسس لقطيعة مع ثورة يناير، ومسار الأمور بعده. وعلى صعيد ثانٍ، فضحت الصراعات العلنية بين أجنحة العسكريين وبعضهم كثيراً مما كان ليوصف بالتفسير التآمري المفتقر إلى أدلة، لولا أن أحمد شفيق، مثلاً، تحدث صراحة عن ترتيباته الإقليمية للتجهيز لإسقاط الإخوان، ثم إحباطه بعد سقوطهم فعلاً وتحوله إلى شخص غير مرغوب فيه من السلطة الحاكمة الآن واستمراره في منفاه الاختياري في دبي.
صار من الجلي الآن أن الأسباب الحقيقية لسخط الجماهير على فشل الإخوان المسلمين وتدهور كفاءة حكمهم قد تم تضخيمها، وافتعال بعض الأسباب الأخرى لتعبئة الحشود ليوم التظاهر الموعود، الذي كانت حركة "تمرد" رأس الحربة في الدعوة إليه. يزخر موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب" بمئاتٍ من مقاطع الفيديو التي تؤكد تطوّع الإخوان خصوصاً، والإسلاميين عموماً، باستفزاز الناس بخطاب طائفي اجتماعياً ودينياً، فضلاً عن خطابات مرسي الأخيرة ومجموع قراراته في شهر يونيو/حزيران 2013 وحده. لكن هذه الخطوات الاستفزازية من ناحية الإخوان لم تكن في معزل عن التعبئة الجماهيرية التي سهرت عليها أجهزة "الدولة العميقة" وجيّشت لها جيوشها بدعم سخي غير مسبوق من الحليف الخليجي، الإمارات والسعودية.
لم تختلف التقديرات حول أعداد المشاركين في 30 يونيو فقط، بل وقع خلاف كبير في تسميتها؛ هل كانت ثورة ثانية، أم ثورة تصحيح، أم ثورة مضادة. لكن الاتفاق قد انعقد على كونها التمهيد والسند المباشر لانقلاب 3 يوليو/تموز الذي بدأ صفحة خريفية جديدة تماماً في حياة ما سُمّي يوماً "الربيع العربي". ويبدو أن السيسي قد أراد أن يحسم ملفاته العالقة قبل أن يتصدر المشهد رسمياً فاكتفى بموقع المتحكم، لا الحاكم، في إدارة صراعاته الدموية مع الإخوان المسلمين وأنصارهم من المتظاهرين السلميين، فوقعت في سنة الحكم الانتقالي، تحت السلطة الشكلية للقاضي عدلي منصور، مذابح القتل الجماعي كافة. بدأت "المذابح"، وفقاً للتوصيف المهني من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية، بمذبحة دار مناسبات الحرس الجمهوري في 8 يوليو/تموز، ثم ليلة مظاهرات التفويض عند "المنصة" بالقرب من اعتصام "رابعة" يوم 26 من الشهر نفسه، ثم المذبحة الكبرى في فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" يوم 16 آب/أغسطس التالي، ومسيرات 6 تشرين أول/أكتوبر من العام نفسه.
قلّت مذابح القتل الجماعي الضخمة في أعداد ضحاياها في 2014، عام تولي السيسي الحكم رسمياً في انتخابات شكلية اكتسحها من الجولة الأولى، لكن القتل الفردي في مسيرات مناصري الإخوان لم يتوقف. ارتدت مصر بعد الانقلاب إلى عصور سحيقة من القمع والسلطوية فاقت أحلك فترات الستينيات والتسعينيات، تحت حكم عبد الناصر ومبارك، مجتمعين. وثقت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية أرقاماً غير مسبوقة لأعداد ضحايا القتل العشوائي ما دفع "هيومن رايتس ووتش" إلى القول بأن جريمة الفض الدموي لاعتصام رابعة قد ترقى من جريمة سياسية إلى جريمة بحق الإنسانية. وبخلاف القتل والاعتقالات العشوائية هائلة العدد، فإن أحكام الإعدام الجماعية في محاكمات هزلية قد حققت أرقاماً قياسية جديدة، ويضاف إليها استهداف الصحافيين والثوار غير الإسلاميين في حرص دؤوب على مصادرة المجال العام واغتيال السياسة تماماً. وتكررت حوادث الاعتداء الجنسي على المعتقلين والمعتقلات، كما اعتقلت أعداد هائلة من الطلاب والقاصرين، ولقي أكثر من مائتي معتقل حتفه داخل السجن بسبب الإهمال وانعدام الرعاية الصحية.
أُعلن في 3 يوليو/تموز 2013 عن خريطة للمستقبل لم يُلتزم بها في شيء، فأغلقت القنوات التلفزيونية المعارضة للسلطة الجديدة كلها، ومنع التصريح لقنوات جديدة، وتحولت الشاشات إلى أبواق دعائية وتحريضية فاقت ما يدرسه طلاب الإعلام والتاريخ عن دعاية غوبلز النازية.
مر الآن سنة على حكم السيسي ولا أفق لإجراء الانتخابات البرلمانية، ولا يتوقف هو عن السطو على السلطة التشريعية والتعسف في استخدامها لدرجة وصلت إلى "الإسهال التشريعي"، حيث أصدر عشرات القوانين في وقت قياسي، وعقد العديد من الاتفاقيات الدولية في سرية وغموض، إحداها تتعلق بالأمن المائي وحق أجيال المستقبل في مياه النيل من دون أن يعلم أحد عن محتوى الاتفاقية شيئاً.
أما الأمن المنشود من وراء حكم قائد عسكري يضرب بيد من حديد، بحسب دعاية المؤيدين، فإن حصيلته بعد سنتين من 30 يونيو المؤسِّسة يمكن تلخيصها بالإشارة إلى تحول "أنصار بيت المقدس" من الولاء غير المعلن لتنظيم "القاعدة" إلى الولاء الرسمي المعلن لتنظيم "داعش" كفرع محلي يحمل اسم "ولاية سيناء"، حيث لم تعد مصر في منأى عن سوريا والعراق. وبالتركيز على حصيلة سنة حكم السيسي الرسمي، فإن عمليات تنظيم "ولاية سيناء" امتدت من القضاء على وحدة عسكرية بالكامل في واحة الفرافرة في أقصى الصحراء الغربية في يوليو/تموز، إلى أول عملية بحرية "داعشية" في البحر المتوسط بقيادة ضابط منشق من الصاعقة البحرية، وهو المنشق في نوفمبر/تشرين ثان، إضافةً إلى الطفرات النوعية في حجم عملياته في مرتكزه الرئيس، سيناء. في نهاية أكتوبر/تشرين أول نفذ التنظيم هجوم "كرم القواديس" التاريخي الذي رد عليه السيسي بالتهجير القسري لما يقرب من 10 آلاف مواطن في مدينة رفح من أجل إقامة المنطقة العازلة مع قطاع غزة. لم يلبث التنظيم أن قام بعملية هي الأضخم في تاريخه يوم 29 يناير/كانون ثاني من العام الجاري قيل عنها أنها أكبر هجوم بري يتعرض له الجيش المصري منذ هزيمة يونيو 1967. ولم تتوقف عمليات التنظيم من بعدها لا كماً ولا نوعاً.
تحل الذكرى الثانية لتظاهرات 30 يونيو الفاصلة بين عهدين، بعد يوم واحد من تتويج حكم الحديد والنار والمظالم الاجتماعية والجهوية باغتيال النائب العام في قلب العاصمة، وبعد أقل من سنتين من محاولة لاغتيال وزير الداخلية السابق في مكان قريب من عملية الأمس. ويبدو أن السنة المقبلة لن تكون أقل وطأة من السنة المنصرمة...