حكومة نتنياهو الجديدة الأضيق والأكثر تطرفاً
بعد جهودٍ مضنية تخللتها عدة أزمات حقيقية، تمكّن نتنياهو من تشكيل حكومته الائتلافية الرابعة. ويستند هذا الائتلاف الحكومي إلى 61 عضوَ كنيست من بين أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 عضواً؛ أي بأغلبية نائب واحد فقط. ويشارك فيه خمسة أحزاب يمينية متطرفة، هي: حزب "الليكود" (الممثّل في الكنيست بـ30 نائباً) وله 12 وزيراً، وحزب "كلنا" بقيادة موشيه كحلون (10 نواب) وله ثلاثة وزراء، وحزب "البيت اليهودي" الفاشي بقيادة نفتالي بنيت (8 نواب) وله ثلاثة وزراء، وحزب "شاس" الديني الحريدي (7 نواب) وله ثلاثة وزراء، وحزب "يهدوت هتوراه" الديني الحريدي (6 نواب) وله نائب وزير؛ ولأسباب دينية يرفض هذا الحزب أن يكون له وزير في الحكومة الإسرائيلية، ويستعيض عنه بمنصب نائب وزير يتمتع بصلاحيات الوزير كاملةً، ولكن من دون أن يسمَّى رسمياً وزيراً، ومن دون أن يشارك في جلسات الحكومة.
بعد ظهور نتائج انتخابات الكنيست وحصول أحزاب اليمين المتطرف التي تنتمي إلى ما يطلَق عليه "المعسكر القومي"، على 67 مقعداً في الكنيست، أعلن نتنياهو أنّ الائتلاف الحكومي الذي سيشكّله سيقتصر على أحزاب "المعسكر القومي" فقط. وعلى الرغم من حصول حزب الليكود على 30 مقعداً في انتخابات الكنيست وفوزه هو وأحزاب المعسكر القومي بـ67 مقعداً، فإنّ نتنياهو بَدا ضعيفاً أمام حلفائه، وجعله إعلانه هذا عرضةً لابتزازهم. ويعود ذلك أيضاً إلى تراكم خلافاته وتوتّر علاقاته مع بعضهم، وإلى إدراك قادة هذه الأحزاب أنّه ليس لدى نتنياهو بديلٌ عنها. وزاد إعلان ليبرمان المفاجئ بأنّه لن ينضمّ إلى الائتلاف الحكومي، من صعوبة موقف نتنياهو.
فقد كان متوقعاً أثناء فترة المفاوضات لتشكيل الحكومة أن يشمل الائتلاف الحكومي حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف (6 نواب) بقيادة أفيغدور ليبرمان. بيد أنّ ليبرمان الذي شغل منصب وزير الخارجية في السنوات الأخيرة، في حكومتَي نتنياهو الثانية والثالثة، فاجأ الجميع، قبل يومين من انقضاء الفترة الزمنية المحدَّدة لنتنياهو لتشكيل الحكومة بإعلانه أنّه لن ينضمّ إلى الائتلاف الحكومي؛ وذلك على الرغم من أنّ نتنياهو عرض عليه منصب وزير الخارجية من جديد. وعَزا ليبرمان رفضه الانضمام إلى الائتلاف الحكومي وتصميمه على التموقع في المعارضة، إلى عدم استجابة نتنياهو إلى مطالبه وتخلّيه عن التزاماته السابقة وخضوعه لمطالب حزبَي شاس ويهدوت هتوراه الدينيَّين، لا سيّما في ما يتعلق بخدمة اليهود الحريديم في الجيش، وبتخصيص المال لقطاع اليهود المتدينين المتزمتين الحريديم. أراد ليبرمان في الحقيقة تعزيز قوة حزبه من موقع المعارضة، بعد أن تراجعت تراجعاً كبيراً فى الانتخابات الأخيرة. ويعتمد حزبه أساساً على أصوات يهودٍ روسٍ علمانيين متشددين يعارضون ائتلافاً مع الأحزاب الدينية، ويتمسكون بنمط حياة علماني في الدولة اليهودية.
حكومة التطرف
تعدّ حكومة نتنياهو الرابعة أكثر تطرفاً وعنصرية من حكوماته السابقة، من حيث رؤيتها وتركيبتها وشخوصها وخطوطها العريضة واتفاقات الائتلاف الحكومي. وهي تقتصر على أحزاب "المعسكر القومي" الأكثر تطرفاً وعنصرية. وقد تعرّت من ورقة التوت التي كانت حكوماته السابقة تحاول تغطية نفسها بها من خلال ضمّ أحزاب الوسط. وتمثّل هذه الحكومة بصورة جلية غلاة التوسعيين والمتشددين العنصريين. ومشروعها الوحيد في ما يخص القضية الفلسطينية، هو استمرار الاستيطان في المناطق المحتلة والبطش بالفلسطينيين؛ فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي أكّد في حملته الانتخابية معارضته قيام دولة فلسطينية وأنّها لن تقوم ما دام هو في الحكم، هو نفسه الذي يقف على رأس التوسعيين العنصريين المتشددين الذين ما انفكوا يعملون على تعزيز الاستيطان في المناطق المحتلة وزيادة عدد مستوطناته وعدد مستوطنيه وتقوية بنيته التحتية في مختلف المجالات لخلق واقع استيطاني كولونيالي يهودي، يبني الأساس لضمّ أكبر جزء ممكن من الضفة الغربية. وينافس وزراء حزب الليكود في الحكومة الجديدة نتنياهو في مواقفهم المتطرفة والعنصرية. ويدعو حزب "البيت اليهودي" الفاشي بقيادة نفتالي بنيت في برنامجه السياسي إلى ضمّ (منطقة ج)، وهي التي تبلغ نسبة مساحتها 60% من الضفة الغربية المحتلة. وفي الوقت الذي توجد فيه لكلٍ من حزب "كلنا" بقيادة موشيه كحلون وحزب "شاس" وحزب "يهدوت هتوراه" أجنداتها وأولوياتها الخاصة بها، فإنّها تدعم تعزيز المشروع الاستيطاني وتوسيعه في الضفة الغربية المحتلة.
على الرغم من مطالبة الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي حكومة نتنياهو الجديدة أن تعلن قبول "حلّ الدولتين"، فإنّ نتنياهو رفض ذلك. وخلَت الخطوط العريضة لحكومته من قبول "حلّ الدولتين". واستعاضت عن ذلك بالنصّ على "أنّ الحكومة الإسرائيلية ستدفع العملية السياسية وستسعى نحو اتفاق سلام مع الفلسطينيين ومع جيراننا"، من خلال "الحفاظ على المصالح الأمنية والتاريخية والقومية لإسرائيل"؛ ما يعني تمسّك الحكومة الإسرائيلية بالاستيطان والاحتلال، وبعدم التوصّل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
ويؤكّد اتفاق الائتلاف الحكومي بين حزبَي الليكود والبيت اليهودي مضيّ الحكومة الجديدة بعيداً في سياسة الاستيطان والعدوانية؛ فقد شمل هذا الاتفاق التزاماً بـ"شرعنة" البؤر الاستيطانية التي أقيمت خلال العقدين ونيف الأخيرين بصورة غير رسمية، والتي كانت حكومة أرئيل شارون قد التزمت للإدارة الأميركية إزالتها. وينصّ هذا الاتفاق على إقامة طاقم لمنح وضع قانوني للبؤر الاستيطانية التي يبلغ عددها نحو مئة، وذلك في موعدٍ أقصاه الشهر الأول من تشكيل الحكومة. وسيشمل هذا الطاقم سكرتير الحكومة وممثلاً عن وزيرة القضاء من حزب البيت اليهودي، أييلت شاكيد، وممثلاً آخرَ عن وزير الزراعة أوري أرئيل. وسيقدّم الطاقم توصياته للحكومة خلال فترةٍ أقصاها ستون يوماً من إقرار إقامته.
ويشمل الاتفاق أيضاً تعيين عضو الكنيست عن حزب البيت اليهودي إيلي دهان الذي صرّح بأنّ "الفلسطينيين حيوانات ولا ينتمون إلى الجنس البشري ولا يستحقون الحياة"، نائباً لوزير الدفاع ومسؤولاً عن "الإدارة المدنية" الإسرائيلية التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي تتمتع بصلاحيات واسعة تجاه كلٍ من الفلسطينيين والمستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة.
وبموجب هذا الاتفاق، جرى أيضاً إلحاق "قسم الاستيطان" الذي يجري من خلاله ضخّ أموال طائلة للاستيطان اليهودي في المناطق المحتلة، بوزارة الزراعة التي خُصصت للوزير العنصري من البيت اليهودي أوري أرئيل. وبموجب هذا الاتفاق، كُلِّفت وزارة الزراعة بمتابعة وضع العرب في النقب في داخل الخط الأخضر، من أجل تنفيذ "مشروع برافر" الذي يهدف إلى مصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضي العرب البدو في النقب، واقتلاعهم من عشرات القرى التي لا تعترف إسرائيل بوجودها، وتجميعهم في تجمعات سكنية محدودة المساحة تفتقر إلى مقوّمات الحياة.
السيناريوهات المتوقّعة لاستمرار حكومة نتنياهو
من الواضح أنّه يصعب استمرار هذه الحكومة التي تستند إلى أغلبية عضو كنيست واحد فقط، في الحكم فترةً طويلة؛ فهي عرضة للابتزاز الدائم من أحزاب الائتلاف ومن أيّ عضو كنيست في الائتلاف الحكومي، ويصعب عليها إجراء إصلاحات جدية، لا سيّما تلك التي يعتزم وزير المالية موشيه كحلون رئيس حزب "كلنا" القيام بها، والمتعلقة بتخفيض غلاء المعيشة وأسعار الشقق السكنية. ويدرك نتنياهو أنّه من أجل بقاء هذه الحكومة عليه توسيعها في أقرب وقت، وإلا فإنّها ستكون عرضة للسقوط. وأمامه نظرياً، عدة احتمالات، منها التوجّه بعد عدة شهور إلى أحزاب "يوجد مستقبل" بقيادة لبيد، و"إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان وإلى المعسكر الصهيوني بقيادة هيرتسوغ، ودعوتها للانضمام إلى حكومته. ومن غير المتصوّر أن يستجيب لبيد لهذا العرض لرفضه رفضاً حاسماً الجلوس في الحكومة مع حزب شاس ويهدوت هتوراه. ومن غير المتصوّر أيضاً أن يستجيب ليبرمان للانضمام إلى حكومته بسبب خلافه الشديد مع نتنياهو، وسعي ليبرمان لبناء حزبه وتعزيزه من موقع المعارضة. أمّا في ما يخص موقف المعسكر الصهيوني بقيادة يتسحاك هيرتسوغ، فإنّ الأمر يختلف. وعلى الرغم من أنّ انضمام المعسكر الصهيوني إلى الحكومة يبدو في المرحلة الحالية مستبعداً، فمن الوارد أن تجري بعد عدة شهور أو خلال العام المقبل مفاوضات بين المعسكر الصهيوني والليكود لتشكيل حكومة وحدة وطنية بينهما، في ضوء التحديات المستجدّة التي تواجهها إسرائيل. ومنذ بدء الحملة الانتخابية وحتى اليوم، حرص يتسحاك هيرتسوغ على عدم اتخاذ موقف قاطع ونهائي بعدم الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية مع نتنياهو. وإذا ما رغب هيرتسوغ في الدخول إلى حكومة نتنياهو تحت أيّ من التبريرات، فإنّ طريقه لن تكون سهلة؛ وذلك بسبب وجود معارضة داخل "المعسكر الصهيوني" مثل هذه الخطوة، سواء في حزب العمل أو في حزب "الحركة" الذي تقوده تسيبي ليفني.
وهناك العديد من المبررات التي تطرح داخل المعسكر الصهيوني للإقناع بدخوله الحكومة، أهمّها:
1- التحديات الجمّة التي تواجهها إسرائيل؛ مثل توتّر العلاقات مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، والضغط على إسرائيل لتفعيل العملية السياسية مع الفلسطينيين، وإمكانية ازدياد المواجهة الفلسطينية مع إسرائيل في المناطق المحتلة وعلى الصعيد الدولي، والمشروع النووي الإيراني، والعزلة الدولية التي قد تعانيها حكومة اليمين.
2- الدخول إلى حكومة من أجل التأثير في القرارات من داخلها.
3- يحدّ دخول المعسكر الصهيوني إلى الحكومة من تطرّفها في قضايا إسرائيل الداخلية، ويساهم في عقلنة قراراتها؛ ما يخفّف حدة التوتر مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
4- يعزّز دخول المعسكر الصهيوني الحكومة وتولّي يتسحاك هيرتسوغ وزارة الخارجية، مكانته؛ ما قد يؤهّله للمنافسة بصورة أفضل ضدّ نتنياهو في انتخابات الكنيست المقبلة.
في مقابل ذلك، تُطرح مجموعة من الحجج ضدّ انضمام المعسكر الصهيوني إلى الحكومة، وأهمّها: قد يؤثّر دخول المعسكر الصهيوني في جوانبَ معيّنة من سياسة الحكومة. ولكنّه لن يؤثّر في أسس سياسة نتنياهو المتعلقة بالاستيطان. إلى جانب ذلك لن يتمكن المعسكر الصهيوني من أن يشكّل بديلاً لحكم الليكود في حال دخوله الحكومة؛ فحكومات الوحدة الوطنية تعزّز عموماً مواقف الليكود واليمين المتطرف، وتُضعف قوة "اليسار الصهيوني". فقد أثبتت التجربة أنّ حزب العمل لم يصل إلى السلطة في العقدين ونيف الماضيين إلا من مواقع المعارضة، كما حصل في عامَي 1992 و1999.
الخلاصة
حكومة نتنياهو الرابعة هي أكثر حكوماته تطرفاً وعدوانية. ومشروعها الوحيد هو تعزيز الاستيطان وتوسيعه، والتعامل مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة وفي داخل الخط الأخضر أيضاً، بمنطق القوة. وموضوعياً، هناك إمكانية لعزل هذه الحكومة على الصعيد الدولي، وفرض العقوبات عليها. ولا خيارَ أمام الفلسطينيين سوى تفعيل عوامل قوّتهم واتّباع سياسة المواجهة مع الاحتلال في المناطق المحتلة، والعمل على الصعيد الدولي بكلّ الطاقات لعزل إسرائيل وفرض العقوبات عليها، وجعلها تدفع ثمن استمرار الاحتلال والاستيطان لإرغامها على الاستجابة للحقوق الفلسطينية.