قضية وادي النطرون.. لماذا قرر القاضي إعدام الموتى؟
جولة جديدة من أحكام الإعدام الجماعية، الظاهرة الحديثة في الوسط القضائي المصري، شهدتها جلسة الحكم بالقضية المعروفة إعلامياً بـ"الهروب الكبير". وللمرة الأولى كان الرئيس الأسبق محمد مرسي واحداً من المحالة أوراقهم للمفتي.
كيف اشتعلت النار من مستصغر الشرر؟
بنبرة محايدة ورتيبة، قرأ المستشار شعبان الشامي، حكم محكمته على 107 متهماً في قضية التخابر مع حماس، و16 متهماً في قضية الهروب من وادي النطرون، بإحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتي. بينما بقية المتهمين في انتظار معرفة مصيرهم في يوم النطق بالحكم للجميع في 2 يونيو/حزيران. القضية تضم 131 متهماً، والأحكام الحضورية الصادرة لا تزيد عن 22 اسماً، بينما البقية تطالهم أحكام غيابية.
القضية قصتها بالغة الغرابة من حيث تضخمها المفاجيء، وظهورها من العدم. الخطوة الأولى حدثت في 10 شباط/فبراير 2013، حين طلب رئيس محكمة جنح إستئناف الاسماعيلية المستشار خالد محجوب، ضابط الشرطة السابق، أن تقدم له الإدارة العامة للسجون بالداخلية تقريراً عن اقتحام سجن وادي النطرون. لم يكن هناك مبرر لهذا الطلب الكبير بينما كانت القضية تتناول واقعة هرب عادية للغاية، بطلها المتهم سيد عطية، الجنائي لا السياسي، علماً بأن الداخلية أعلنت أن أيام الثورة شهدت هروب 23700 سجين.
في 3 أذار/مارس، أعاد المستشار محجوب، مخاطبة مصلحة السجون، وطلب أسماء كل من تواجدوا بالسجن في ذلك اليوم، ومن هرب ومن بقى. واستمر في تصعيد السماع للشهادات ومنهم مأمور السجن، وقائد الشرطة العسكرية وقتها اللواء حمدي بدين، ثم ظهر اسم مرسي للمرة الأولى كشاهد، حيث طلبه الموكلون بالدفاع في 28 نيسان/أبريل.
تصاعدت القضية وتحول مسارها مع ظهور مفاجيء في أيار/مايو، للشاهد أيوب محمد عثمان، الذي حكى عن مشاهدته لإقتحام حركة حماس السجن، لتهريب مرسي وبديع، واستقبالهم عند خروجهم.
في 22 حزيران/يونيو 2013، وقبل أيام من الإطاحة بمرسي، أصدر المستشار محجوب حكمه ببراءة سيد عطية المتهم أمامه أصلاً. وخاطب محجوب الإنتربول الدولي بضبط وإحضار قيادات من حركة حماس الفلسطينية، وقيادات من "حزب الله" اللبنانى، للتحقيق معهم في اتهامهم باقتحام سجن وادى النطرون وتهريب السجناء منه بالقوة، في أثناء الثورة، وعلى رأسهم القيادات الإخوانية. وطلب محجوب من النيابة العامة التحقيق في القضية، وإحالتها لمحكمة جنايات، حيث أنه يعمل في محكمة جُنح.
بعد عزل مرسي بدأت القضية بشكلها الحالي، وتمت زيادة عدد المتهمين بها، رغم أن أمر الإحالة كان لا يزيد عن 36 اسماً، وتمت إضافة جانب آخر إلى الهروب، يخص اتهام التخابر مع حركة حماس. واستمعت المحكمة لشهادات العديد من ضباط الأمن الوطني وقيادات الداخلية، ومنهم وزير الداخلية الأسبق محمود وجدي، الذي أكد ورود معلومات لديه بتورط حماس في الهجوم. وهكذا استمرت القضية في التصاعد وزادت قائمة المتهمين بها، حتى وصلنا لحكم الإعدام الجماعي.
خمسة موتى ينتظرون الإعدام
ضمت قائمة المحكومين بالإعدام أشخاصاً ماتوا بالفعل قبل أو بعد الأحداث، بالإضافة لأسير منذ 20 عاماً. ومن الموتى الخمسة عضو حركة "الجهاد الإسلامي" حسام الصانع، الذي قُتل على يد إسرائيل في 27 كانون أول/ديسمبر 2008. وتيسير أبوسنيمة، الذي اغتالته إسرائيل في 8 نيسان/أبريل 2011. والقيادي القساميّ البارز رائد العطار، الذي تم اغتياله في 21 آب/أغسطس 2014.
كانت هذه هي الأسماء الأبرز المتداولة من قبل، بينما أضيف لها بعد الحكم، أن محمد سمير أبولبدة، أيضاً هو اسم لمتوفى منذ عام 2005، وكذلك محمد خليل أبوشاويش، المتوفى عام 2007.
أما حسن سلامة، فهو معتقل بسجون إسرائيل منذ عام 1996 لمشاركته في تفجيرات الثأر لاغتيال إسرائيل يحيى عياش وقتها.
يتضائل التعجب من وجود هذه الأسماء، ليظهر تعجب أشد وأعمق، إذا عرفنا أن هذه القصة مطروحة في الصحافة المصرية منذ أشهر طويلة. وقد نشرت عنها صحيفتا "المصري اليوم" و"الوطن"، الأكثر انتشاراً في مصر، بل إن هيئة الدفاع طلبت في كانون ثاني/يناير 2015، من القاضي استخراج شهادة إفادة من سفارة فلسطين في القاهرة حول المتهم 35، حسن سلامة تفيد باعتقاله، والمتهم 37 تيسير أبوسنيمة تفيد بوفاته.
إذن بالتأكيد كان القاضي يعرف أنه يصدر أحكامه على موتى وأسير، فلماذا فعل؟
أتحفنا القاضي بإجابة أكثر غرابة، رداً على سؤال موقع "دوت مصر": "وأنا مالي.. إحنا معندناش أدلة رسمية تثبت ده". وأضاف أنه لم يحضر أحد دفاعاً عن هذه الأسماء، ليثبت تلك المعلومات، مثلما حدث مع المتهم في القضية نفسها، القيادي الإخواني فريد إسماعيل، والذي انقضت الدعوى الجنائية ضده لوفاته، عقب تلقي المحكمة إخطاراً رسمياً من مصلحة السجون بذلك.
من المفترض أن عمل القاضي الجنائي تحديداً مختلف تماماً عن هذا النمط، القاضي له حق كامل في "تكوين عقيدته" بالتعبير القضائي، حتى أن له الأخذ ببعض الأدلة والشهادات وتجاوز بعضها، لكنه قرر أن يتحول من قاضٍ إلى موظف أرشيف يلتزم بالأوراق حرفياً، وكل ما هو غير مختوم غير موجود.
لكن المفارقة هنا أن يقول إنه لم يجد دليلاً على كونهم موتى وأسرى، بينما وجد أدلة كاملة لإدانتهم والحكم بإعدامهم. ما هو الدليل الذي وجده على تورط ميت؟
قدرات مرسي على قراءة المستقبل
تجاهلت المحكمة الرواية المنطقية لشهود النفي، وعلى رأسها شهادة مأمور سجن وادي النطرون اللواء عدلي عبدالصبور، في 2 حزيران/يونيو 2013، بأن عملية اقتحام السجن بدأت قبل وصول قيادات الإخوان إليه أصلاً!.
كيف اشتعلت النار من مستصغر الشرر؟
بنبرة محايدة ورتيبة، قرأ المستشار شعبان الشامي، حكم محكمته على 107 متهماً في قضية التخابر مع حماس، و16 متهماً في قضية الهروب من وادي النطرون، بإحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتي. بينما بقية المتهمين في انتظار معرفة مصيرهم في يوم النطق بالحكم للجميع في 2 يونيو/حزيران. القضية تضم 131 متهماً، والأحكام الحضورية الصادرة لا تزيد عن 22 اسماً، بينما البقية تطالهم أحكام غيابية.
القضية قصتها بالغة الغرابة من حيث تضخمها المفاجيء، وظهورها من العدم. الخطوة الأولى حدثت في 10 شباط/فبراير 2013، حين طلب رئيس محكمة جنح إستئناف الاسماعيلية المستشار خالد محجوب، ضابط الشرطة السابق، أن تقدم له الإدارة العامة للسجون بالداخلية تقريراً عن اقتحام سجن وادي النطرون. لم يكن هناك مبرر لهذا الطلب الكبير بينما كانت القضية تتناول واقعة هرب عادية للغاية، بطلها المتهم سيد عطية، الجنائي لا السياسي، علماً بأن الداخلية أعلنت أن أيام الثورة شهدت هروب 23700 سجين.
في 3 أذار/مارس، أعاد المستشار محجوب، مخاطبة مصلحة السجون، وطلب أسماء كل من تواجدوا بالسجن في ذلك اليوم، ومن هرب ومن بقى. واستمر في تصعيد السماع للشهادات ومنهم مأمور السجن، وقائد الشرطة العسكرية وقتها اللواء حمدي بدين، ثم ظهر اسم مرسي للمرة الأولى كشاهد، حيث طلبه الموكلون بالدفاع في 28 نيسان/أبريل.
تصاعدت القضية وتحول مسارها مع ظهور مفاجيء في أيار/مايو، للشاهد أيوب محمد عثمان، الذي حكى عن مشاهدته لإقتحام حركة حماس السجن، لتهريب مرسي وبديع، واستقبالهم عند خروجهم.
في 22 حزيران/يونيو 2013، وقبل أيام من الإطاحة بمرسي، أصدر المستشار محجوب حكمه ببراءة سيد عطية المتهم أمامه أصلاً. وخاطب محجوب الإنتربول الدولي بضبط وإحضار قيادات من حركة حماس الفلسطينية، وقيادات من "حزب الله" اللبنانى، للتحقيق معهم في اتهامهم باقتحام سجن وادى النطرون وتهريب السجناء منه بالقوة، في أثناء الثورة، وعلى رأسهم القيادات الإخوانية. وطلب محجوب من النيابة العامة التحقيق في القضية، وإحالتها لمحكمة جنايات، حيث أنه يعمل في محكمة جُنح.
بعد عزل مرسي بدأت القضية بشكلها الحالي، وتمت زيادة عدد المتهمين بها، رغم أن أمر الإحالة كان لا يزيد عن 36 اسماً، وتمت إضافة جانب آخر إلى الهروب، يخص اتهام التخابر مع حركة حماس. واستمعت المحكمة لشهادات العديد من ضباط الأمن الوطني وقيادات الداخلية، ومنهم وزير الداخلية الأسبق محمود وجدي، الذي أكد ورود معلومات لديه بتورط حماس في الهجوم. وهكذا استمرت القضية في التصاعد وزادت قائمة المتهمين بها، حتى وصلنا لحكم الإعدام الجماعي.
خمسة موتى ينتظرون الإعدام
ضمت قائمة المحكومين بالإعدام أشخاصاً ماتوا بالفعل قبل أو بعد الأحداث، بالإضافة لأسير منذ 20 عاماً. ومن الموتى الخمسة عضو حركة "الجهاد الإسلامي" حسام الصانع، الذي قُتل على يد إسرائيل في 27 كانون أول/ديسمبر 2008. وتيسير أبوسنيمة، الذي اغتالته إسرائيل في 8 نيسان/أبريل 2011. والقيادي القساميّ البارز رائد العطار، الذي تم اغتياله في 21 آب/أغسطس 2014.
كانت هذه هي الأسماء الأبرز المتداولة من قبل، بينما أضيف لها بعد الحكم، أن محمد سمير أبولبدة، أيضاً هو اسم لمتوفى منذ عام 2005، وكذلك محمد خليل أبوشاويش، المتوفى عام 2007.
أما حسن سلامة، فهو معتقل بسجون إسرائيل منذ عام 1996 لمشاركته في تفجيرات الثأر لاغتيال إسرائيل يحيى عياش وقتها.
يتضائل التعجب من وجود هذه الأسماء، ليظهر تعجب أشد وأعمق، إذا عرفنا أن هذه القصة مطروحة في الصحافة المصرية منذ أشهر طويلة. وقد نشرت عنها صحيفتا "المصري اليوم" و"الوطن"، الأكثر انتشاراً في مصر، بل إن هيئة الدفاع طلبت في كانون ثاني/يناير 2015، من القاضي استخراج شهادة إفادة من سفارة فلسطين في القاهرة حول المتهم 35، حسن سلامة تفيد باعتقاله، والمتهم 37 تيسير أبوسنيمة تفيد بوفاته.
إذن بالتأكيد كان القاضي يعرف أنه يصدر أحكامه على موتى وأسير، فلماذا فعل؟
أتحفنا القاضي بإجابة أكثر غرابة، رداً على سؤال موقع "دوت مصر": "وأنا مالي.. إحنا معندناش أدلة رسمية تثبت ده". وأضاف أنه لم يحضر أحد دفاعاً عن هذه الأسماء، ليثبت تلك المعلومات، مثلما حدث مع المتهم في القضية نفسها، القيادي الإخواني فريد إسماعيل، والذي انقضت الدعوى الجنائية ضده لوفاته، عقب تلقي المحكمة إخطاراً رسمياً من مصلحة السجون بذلك.
من المفترض أن عمل القاضي الجنائي تحديداً مختلف تماماً عن هذا النمط، القاضي له حق كامل في "تكوين عقيدته" بالتعبير القضائي، حتى أن له الأخذ ببعض الأدلة والشهادات وتجاوز بعضها، لكنه قرر أن يتحول من قاضٍ إلى موظف أرشيف يلتزم بالأوراق حرفياً، وكل ما هو غير مختوم غير موجود.
لكن المفارقة هنا أن يقول إنه لم يجد دليلاً على كونهم موتى وأسرى، بينما وجد أدلة كاملة لإدانتهم والحكم بإعدامهم. ما هو الدليل الذي وجده على تورط ميت؟
قدرات مرسي على قراءة المستقبل
تجاهلت المحكمة الرواية المنطقية لشهود النفي، وعلى رأسها شهادة مأمور سجن وادي النطرون اللواء عدلي عبدالصبور، في 2 حزيران/يونيو 2013، بأن عملية اقتحام السجن بدأت قبل وصول قيادات الإخوان إليه أصلاً!.
حسب كلام اللواء عدلي، فقد تعرض السجن لمحاولة اقتحام كبيرة مساء الجمعة 28 كانون ثاني/يناير، وشهدت "إطلاق نار كثيف من قبل مجموعة من الأشخاص المنتمين لبدو سيناء، الذين اعتلوا سيارات ربع نقل". وأكد اللواء أن هؤلاء هم المجموعة التي قامت بالهجوم الناجح بعدها، وعاونهم أهالي منطقة وادي النطرون من أقارب المساجين.
وحين تلقى اللواء عدلي أمراً من الداخلية باستقبال قيادات الإخوان، مساء السبت 29 كانون ثاني/يناير، حاول التهرب: "لم تكن لديّ نية مطلقاً لتسلم قيادات الإخوان، نظراً لهذا الوضع، وحاولت إقناع القيادات بمصلحة السجون بعدم قدرتنا على تأمين السجن، إلا أنهم رفضوا".
ويشير اللواء عدلي، إلى أنه كان في مكتبه وشاهد بنفسه المجموعة المهاجمة تتجه إلى عنبر 2 المخصص للجماعات التكفيرية والجهادية من بدو سيناء، وعنبر 7 المخصص للجنائيين من أهالي منطقة وادي النطرون، بينما كان الإخوان في عنبر 4، لذلك اعتبر عدلي أنهم"أجبروا على الهرب".
ونفى عدلي بشكل قاطع أسطورة استخدام مرسي هاتف الأقمار الصناعية "ثريا": "كانت هناك تغطية من الشبكات، وأجريت أكثر من مرة اتصالات من هاتفي المحمول بالقيادات بوزارة الداخلية لإطلاعهم على الأمر أولا بأول ساعة اقتحام السجن".
في شهادة قريبة المحتوى أكد رئيس مصلحة السجون في ذلك الوقت اللواء عاطف شريف، التواريخ نفسها التي قالها اللواء عدلي، وتحدث عن جميع السجون التي تعرضت للهجوم، مشيراً إلى وجود دوافع جنائية رئيسية. وحسب كلامه كان أقصى هجوم على السجون مساء جمعة الغضب على سجن برج العرب، وهو سجن لا يوجد به سياسيون إطلاقاً، بل جنائيون فقط.
وحين تلقى اللواء عدلي أمراً من الداخلية باستقبال قيادات الإخوان، مساء السبت 29 كانون ثاني/يناير، حاول التهرب: "لم تكن لديّ نية مطلقاً لتسلم قيادات الإخوان، نظراً لهذا الوضع، وحاولت إقناع القيادات بمصلحة السجون بعدم قدرتنا على تأمين السجن، إلا أنهم رفضوا".
ويشير اللواء عدلي، إلى أنه كان في مكتبه وشاهد بنفسه المجموعة المهاجمة تتجه إلى عنبر 2 المخصص للجماعات التكفيرية والجهادية من بدو سيناء، وعنبر 7 المخصص للجنائيين من أهالي منطقة وادي النطرون، بينما كان الإخوان في عنبر 4، لذلك اعتبر عدلي أنهم"أجبروا على الهرب".
ونفى عدلي بشكل قاطع أسطورة استخدام مرسي هاتف الأقمار الصناعية "ثريا": "كانت هناك تغطية من الشبكات، وأجريت أكثر من مرة اتصالات من هاتفي المحمول بالقيادات بوزارة الداخلية لإطلاعهم على الأمر أولا بأول ساعة اقتحام السجن".
في شهادة قريبة المحتوى أكد رئيس مصلحة السجون في ذلك الوقت اللواء عاطف شريف، التواريخ نفسها التي قالها اللواء عدلي، وتحدث عن جميع السجون التي تعرضت للهجوم، مشيراً إلى وجود دوافع جنائية رئيسية. وحسب كلامه كان أقصى هجوم على السجون مساء جمعة الغضب على سجن برج العرب، وهو سجن لا يوجد به سياسيون إطلاقاً، بل جنائيون فقط.
لكن كلا اللوائين أكدا اقتناعهما بوجود شواهد على قيام حركة حماس باستغلال الأوضاع، والمشاركة في الهجوم لتهريب سجنائها.
لغز مرشح الرئاسة الهارب
من أكثر الأمور إثارة للدهشة في ما يخص القضية، هي أن مرسي قدم أوراقه للترشح لانتخابات الرئاسة، والتي تشترط سجلاً جنائياً ناصعاً، من دون أن تعترض اللجنة العليا مطلقاً على كونه سجيناً هارباً من قضية منظورة.
لا يمكن القول بسهولة أن ذلك بسبب تواطؤ لجنة الانتخابات، فقد أقصت مرشحين أقوى بكثير من مرسي، رفضت ترشح رئيس المخابرات الأسبق اللواء عمر سليمان، بحجة وجود تزوير في توكيلاته، واستبعدت المرشح الإسلامي الأقوى حازم أبواسماعيل، لاكتشاف أن جنسية والدته أميركية. والأهم أنها استبعدت أيضاً رجل الإخوان القويّ خيرت الشاطر، لاعتبارها الحكم العسكري الصادر ضده سبباً قانونياً للرفض.
وزير الداخلية وأوراقه الضائعة
في أيار/مايو 2013، أكد وزير الداخلية محمد علي إبراهيم، أنه لا وجود لاسم مرسي على قاعدة بيانات من دخلوا السجون المصرية مطلقاً، ولا يوجد أي ورقة تثبت أنه كان موجوداً في السجن.
هنا باغته المذيع خيري رمضان، بسؤال ذكي: "ولماذا أسماء كل من قُبض عليهم معه موجودة بقاعدة البيانات، كيف يمكن منطقياً أن يسقط اسمه هو فقط؟". أصيب اللواء إبراهيم بالارتباك واكتفى بالقسم "والله العظيم تلاتة"، أن هذه هي كل معلوماته. طلب دفاع مرسي حضور الوزير للإدلاء بشهادته في القضية، لكن لم تتم إجابة طلبه.
معركة الصورة.. الجثث مقابل الابتسامات
بعد أقل من ساعتين من صدور الحكم، تم إعلان وقوع هجوم "إرهابيّ" في سيناء، على سيارة يستقلها 6 قضاة بمحكمة العريش، ما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة 3 آخرين.
فوراً تم نشر صور جثث القضاة الممزقة بفعل رصاص يبدو أن بعضه من عيار ثقيل. هذا سلوك غير معتاد، وقبل يوم واحد أعلن المتحدث العسكري استشهاد 4 من أفراد القوات المسلحة في انفجار بسيناء، دون أن ينشر صور جثثهم.
فوراً تم الربط في كل وسائل الإعلام الموالية للدولة بين الهجوم "الإرهابي"، وبين الأحكام الصادرة، وأن هذا هو رد الإخوان، رغم أن توجه الإعلام نفسه سابقاً كان عدم استعراض هجمات"الإرهاب" في سيناء بهذا الأسلوب. حتى أن صدور فيلم "صليل الصوارم 2" من ولاية سيناء منذ أيام، مرّ بتجاهل إلى حدٍ كبير، رغم احتوائه على صور جثث لأفراد القوات المسلحة.
في المقابل، فور صدور الحكم ركزت صفحات الإخوان على نشر صورتيّ سندس عاصم، ود.عماد شاهين، المحكوم عليهما بالإعدام. سندس فتاة جميلة وأنيقة، 27 عاماً، كانت تعمل برئاسة الجمهورية بوظيفة "منسق وسائل الإعلام الأجنبية"، بحكم حصولها على ماجستير في الصحافة والإعلام من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وهي الآن تدرس بجامعة أكسفورد البريطانية.
أما د.عماد فهو أكاديميّ دوليّ مرموق، كان يعمل أستاذاً للسياسة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وقد غادر مصر قبل صدور أمر الضبط والإحضار له، حيث يعمل الآن محاضراً بجامعة جورج تاون، إحدى أعرق جامعات أميركا. وتنال قصته شهرة دولية، وتعليقات غاضبة من الوسط الأكاديمي الأميركي، ومن اللافت أن دليل اتهامه الوحيد هو وجود اسمه في نسخة CC من إيميل أرسله أحد المتهمين لآخرين.
رسالة كلا المعسكرين من نشر صوره واضحة، لكن من الواضح أيضاً أن جمهور كل معسكر هو الأكثر تأثراً بصور معسكره الذي ينتمي له من البداية، بلا تغير درامي في المواقف.
مضى الكثير وبقى الكثير أيضاً..
أمر القاضي بإحالة أوراق المتهمين للمفتي لاستطلاع رأيه، قبل النطق بالحكم في جلسة 2 حزيران/يونيو. والعرف الجاري تاريخياً هو أن المفتي يوافق على إعدام كل من يُعرض عليه، خاصة أن القانون المصري يعتبر هذا الإجراء مجرد "استطلاع رأي" غير إلزامي، لكن هذا العرف قد سقط بدوره بجملة ما سقط مؤخراً.
في 20 حزيران/يونيو 2014، قررت محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة، المعروف بأحكامه بالغة القسوة، إحالة أوراق مرشد جماعة الإخوان محمد بديع، و 13 من قيادات الجماعة إلى المفتي، في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث مسجد الاستقامة". إلا أن المفتي رفض التصديق على الحكم وأعاده للمحكمة مرفقاً برأيه القانونيّ في واقعة غير مسبوقة. قال تقرير دار الإفتاء أن القضية "خلت من دليل إلا أقوال ضابط الأمن الوطني، التي لم تؤيد بدليل آخر سوى ترديد البعض لأقوال مرسلة". أعاد القاضي إرسال الحكم إلى المفتي في 7 أب/أغسطس، فرفض المفتي التصديق للمرة الثانية، فاضطر القاضي معنوياً لتخفيف الحكم، ونطق بالسجن المؤبد بدلاً من الإعدام.
كل الاحتمالات هنا مفتوحة، فالمفتي نفسه صدق مراراً على أحكام إعدام أخرى، ضد قيادات الإخوان ومنهم المرشد بديع، لكنه قد يقع في حرج من نوع آخر؛ حيث أنه ومن ضمن القائمة اسم الشيخ يوسف القرضاوي، وهو كان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، التي صوتت على اختيار اسم المفتي الحالي نفسه.
أما لو صدّق المفتي على الحكم، فهذا لا يغير من وجود محطات تالية طويلة، فحكم الدرجة الأولى معرض للطعن وللنقض.
بعض أنصار النظام حين يعجزون عن استخدام خطاب "احترام أحكام القضاء الشامخ"، يتحولون إلى خطاب أن هذه الأحكام لن يتم تنفيذها، وأنها سيتم إلغاؤها في درجات التقاضي التالية، وهذا بدوره يمثل إهانة أكبر للقضاء، أن أحكامه غير جدية، بل تستخدم للترويع أو كأداة للضغط السياسي.
سواء تم تنفيذ أحكام الإعدام بالفعل أم لم يتم، فالمؤكد أن القضاء المصريّ يتخذ المزيد من الخطوات نحو إعدام ثورة يناير، وتثبيت الرواية الأمنية بكونها مؤامرة خارجية. وهو في الوقت نفسه يخطو تدريجياً نحو إعدام كل ما يبقى من هيبته وإحترامه.
لغز مرشح الرئاسة الهارب
من أكثر الأمور إثارة للدهشة في ما يخص القضية، هي أن مرسي قدم أوراقه للترشح لانتخابات الرئاسة، والتي تشترط سجلاً جنائياً ناصعاً، من دون أن تعترض اللجنة العليا مطلقاً على كونه سجيناً هارباً من قضية منظورة.
لا يمكن القول بسهولة أن ذلك بسبب تواطؤ لجنة الانتخابات، فقد أقصت مرشحين أقوى بكثير من مرسي، رفضت ترشح رئيس المخابرات الأسبق اللواء عمر سليمان، بحجة وجود تزوير في توكيلاته، واستبعدت المرشح الإسلامي الأقوى حازم أبواسماعيل، لاكتشاف أن جنسية والدته أميركية. والأهم أنها استبعدت أيضاً رجل الإخوان القويّ خيرت الشاطر، لاعتبارها الحكم العسكري الصادر ضده سبباً قانونياً للرفض.
وزير الداخلية وأوراقه الضائعة
في أيار/مايو 2013، أكد وزير الداخلية محمد علي إبراهيم، أنه لا وجود لاسم مرسي على قاعدة بيانات من دخلوا السجون المصرية مطلقاً، ولا يوجد أي ورقة تثبت أنه كان موجوداً في السجن.
هنا باغته المذيع خيري رمضان، بسؤال ذكي: "ولماذا أسماء كل من قُبض عليهم معه موجودة بقاعدة البيانات، كيف يمكن منطقياً أن يسقط اسمه هو فقط؟". أصيب اللواء إبراهيم بالارتباك واكتفى بالقسم "والله العظيم تلاتة"، أن هذه هي كل معلوماته. طلب دفاع مرسي حضور الوزير للإدلاء بشهادته في القضية، لكن لم تتم إجابة طلبه.
معركة الصورة.. الجثث مقابل الابتسامات
بعد أقل من ساعتين من صدور الحكم، تم إعلان وقوع هجوم "إرهابيّ" في سيناء، على سيارة يستقلها 6 قضاة بمحكمة العريش، ما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة 3 آخرين.
فوراً تم نشر صور جثث القضاة الممزقة بفعل رصاص يبدو أن بعضه من عيار ثقيل. هذا سلوك غير معتاد، وقبل يوم واحد أعلن المتحدث العسكري استشهاد 4 من أفراد القوات المسلحة في انفجار بسيناء، دون أن ينشر صور جثثهم.
فوراً تم الربط في كل وسائل الإعلام الموالية للدولة بين الهجوم "الإرهابي"، وبين الأحكام الصادرة، وأن هذا هو رد الإخوان، رغم أن توجه الإعلام نفسه سابقاً كان عدم استعراض هجمات"الإرهاب" في سيناء بهذا الأسلوب. حتى أن صدور فيلم "صليل الصوارم 2" من ولاية سيناء منذ أيام، مرّ بتجاهل إلى حدٍ كبير، رغم احتوائه على صور جثث لأفراد القوات المسلحة.
في المقابل، فور صدور الحكم ركزت صفحات الإخوان على نشر صورتيّ سندس عاصم، ود.عماد شاهين، المحكوم عليهما بالإعدام. سندس فتاة جميلة وأنيقة، 27 عاماً، كانت تعمل برئاسة الجمهورية بوظيفة "منسق وسائل الإعلام الأجنبية"، بحكم حصولها على ماجستير في الصحافة والإعلام من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وهي الآن تدرس بجامعة أكسفورد البريطانية.
أما د.عماد فهو أكاديميّ دوليّ مرموق، كان يعمل أستاذاً للسياسة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وقد غادر مصر قبل صدور أمر الضبط والإحضار له، حيث يعمل الآن محاضراً بجامعة جورج تاون، إحدى أعرق جامعات أميركا. وتنال قصته شهرة دولية، وتعليقات غاضبة من الوسط الأكاديمي الأميركي، ومن اللافت أن دليل اتهامه الوحيد هو وجود اسمه في نسخة CC من إيميل أرسله أحد المتهمين لآخرين.
رسالة كلا المعسكرين من نشر صوره واضحة، لكن من الواضح أيضاً أن جمهور كل معسكر هو الأكثر تأثراً بصور معسكره الذي ينتمي له من البداية، بلا تغير درامي في المواقف.
مضى الكثير وبقى الكثير أيضاً..
أمر القاضي بإحالة أوراق المتهمين للمفتي لاستطلاع رأيه، قبل النطق بالحكم في جلسة 2 حزيران/يونيو. والعرف الجاري تاريخياً هو أن المفتي يوافق على إعدام كل من يُعرض عليه، خاصة أن القانون المصري يعتبر هذا الإجراء مجرد "استطلاع رأي" غير إلزامي، لكن هذا العرف قد سقط بدوره بجملة ما سقط مؤخراً.
في 20 حزيران/يونيو 2014، قررت محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة، المعروف بأحكامه بالغة القسوة، إحالة أوراق مرشد جماعة الإخوان محمد بديع، و 13 من قيادات الجماعة إلى المفتي، في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث مسجد الاستقامة". إلا أن المفتي رفض التصديق على الحكم وأعاده للمحكمة مرفقاً برأيه القانونيّ في واقعة غير مسبوقة. قال تقرير دار الإفتاء أن القضية "خلت من دليل إلا أقوال ضابط الأمن الوطني، التي لم تؤيد بدليل آخر سوى ترديد البعض لأقوال مرسلة". أعاد القاضي إرسال الحكم إلى المفتي في 7 أب/أغسطس، فرفض المفتي التصديق للمرة الثانية، فاضطر القاضي معنوياً لتخفيف الحكم، ونطق بالسجن المؤبد بدلاً من الإعدام.
كل الاحتمالات هنا مفتوحة، فالمفتي نفسه صدق مراراً على أحكام إعدام أخرى، ضد قيادات الإخوان ومنهم المرشد بديع، لكنه قد يقع في حرج من نوع آخر؛ حيث أنه ومن ضمن القائمة اسم الشيخ يوسف القرضاوي، وهو كان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، التي صوتت على اختيار اسم المفتي الحالي نفسه.
أما لو صدّق المفتي على الحكم، فهذا لا يغير من وجود محطات تالية طويلة، فحكم الدرجة الأولى معرض للطعن وللنقض.
بعض أنصار النظام حين يعجزون عن استخدام خطاب "احترام أحكام القضاء الشامخ"، يتحولون إلى خطاب أن هذه الأحكام لن يتم تنفيذها، وأنها سيتم إلغاؤها في درجات التقاضي التالية، وهذا بدوره يمثل إهانة أكبر للقضاء، أن أحكامه غير جدية، بل تستخدم للترويع أو كأداة للضغط السياسي.
سواء تم تنفيذ أحكام الإعدام بالفعل أم لم يتم، فالمؤكد أن القضاء المصريّ يتخذ المزيد من الخطوات نحو إعدام ثورة يناير، وتثبيت الرواية الأمنية بكونها مؤامرة خارجية. وهو في الوقت نفسه يخطو تدريجياً نحو إعدام كل ما يبقى من هيبته وإحترامه.