التصعيد في سيناء.. بين المعلن والمسكوت عنه
في بادرة غير مسبوقة، نشرت الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري المصري، على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" الخميس، صوراً بشعة واضحة المعالم لقتلى، تقول الصفحة إنهم قد قضوا في اشتباكات مسلحة مع قوات الجيش في شمال سيناء، واصفةً إياهم بـ"العناصر التكفيرية شديدة الخطورة". يأتي ذلك بعد ساعات قليلة من نشر جماعة "أنصار بيت المقدس" مقطعاً تسجيلياً توثق فيه استهداف مدرعة تابعة للشرطة بإصابة مباشرة، بواسطة عبوة ناسفة تم زرعها في منطقة الوفاق ناحية رفح على الطريق الساحلي الدولي وتفجيرها عن بعد. وهي الحادثة التي لقيت من يذكرها على نطاق واسع في وسائل الإعلام بسبب النعي الرسمي الذي أصدرته وزارة الداخلية لضابطٍ وعشرة جنود قتلوا في تلك العملية الثلاثاء الماضي، كما أصيب جنديان آخران، في حين أغفل الإعلام الحديث مقتل جندي برتبة رقيب في حي العبور بمدينة العريش الأربعاء.
وجهت بعض الانتقادات للمتحدث العسكري بعدم توثيق ادعاءات صفحته الرسمية بالصور، خاصة حين يزعم مقتل أعداد كبيرة ممن يسميهم التكفيريين في اليوم الواحد، وهو ما يقول المحليون إنه مجافٍ للحقيقة وأن الجيش لم يسبق له قتل العشرات من الجماعات المسلحة في نفس اليوم. وعلى الرغم من وضوح الصور وبشاعتها، إلا إن التحقق من ادعاءات المتحدث العسكري المرفقة بها يظل بعيد المنال. فالصور الفوتوغرافية تظهر خمس جثث، في حين أن البيان يتحدث عن أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد، فضلاً عن وجود شبهات حول ملابسات التصوير بعد وقت من حدوث الاشتباك، الذي لم يصور بالفيديو.
يحرص الجيش، على عكس الشرطة، على تجنب الحديث عن خسائره اليومية في صفوف جنوده وضباطه. ويقول محللون إن ذلك بسبب الخشية على معنويات المجندين إجبارياً، الذين قد يهربون بسبب الخوف، ويرى آخرون أنه بسبب الحفاظ على الصورة العامة للجيش أمام الرأي العام وعدم إظهاره في موقف عجز أو فشل، في حربه الممتدة منذ من سنة في سيناء. وأياً كان الدافع وراء ذلك، فإن حجب هذه المعلومات لا ينطبق على المجتمع المحلي في سيناء، الذي اصطلى بنيران هذه الحرب، فطاول رصاصها العشوائي عشرات الأبرياء، ونسفت المنازل وحرقت العشش، وجرفت المزارع، واقتلعت الأشجار، وعطلت الأسواق، وقطعت الاتصالات، ومنعت حركة سيارات الإسعاف، وقصفت المشافي والمدارس.
توقف الناس عن حصر أعداد الجثث، فضلاً عن تصنيفهم إيّاها بين جنود القوات النظامية وضباطها، وبين جثث أعضاء الجماعات المسلحة، من سيناء ومن خارجها، وبين جثث الأبرياء والمجهولين. لا يكاد يمر يوم واحد دون سقوط ضحايا جدد، قتلى أو مخطوفين أو مصابين أو معتقلين عشوائياً أو معذبين. لكن الجديد، الذي لا تتناوله وسائل الإعلام بسبب التعتيم العسكري الصارم، هو استعراض "أنصار بيت المقدس" لقوتهم ميدانياً بإقامة نقاط تفتيش، يزعمون أنها للبحث عن عملاء للصهاينة أو متعاونين مع الجيش المصري ضدهم، لكنهم يمارسون فيها قدراً كبيراً من الاستقواء على عامة الناس.
قبل أسبوع، أصدر "أنصار بيت المقدس" مقطعاً مصوراً بعنوان "هم العدو فاحذرهم"، وثقوا فيه قيامهم بذبح أربعة من سكان المنطقة الحدودية شمال سيناء، على الطريقة الداعشية، بعد تسجيل اعترافاتهم بالتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي ضد الجماعات الجهادية. انصرف المعلقون إلى ربط طريقة الذبح بالولاء المحتمل بين "الأنصار" و"داعش"، لكنهم أغفلوا أن أول ذبح لعميل تم في صيف 2012 في سياق تورط ثلاثة جواسيس من البدو في تسهيل اغتيال الموساد لإبراهيم عويضة، أحد كوادر "الأنصار" المشاركين في عملية "أم الرشراش" (إيلات) الكبرى. وفي 2013 أيضاً سجل "الأنصار" اعتراف جاسوس آخر قبل أن يقتلوه ويرموا بجثته ناحية منازل قبيلته، دون أن يكون لذلك أية علاقة بـ"داعش".
يزداد نفوذ "الأنصار" ميدانياً يوماً بعد يوم، من دون أن تستطيع قوات الجيش منعهم من إقامة صلاة العيد في الخلاء مدججين بالسلاح. ثم قيامهم بعد أيام بتدمير ثلاثة مقرات خالية تابعة لسلاح حرس الحدود، فضلاً عن اصطياد الجنود وتصفيتهم جهاراً نهاراً. وأخيراً إقامة نقاط تفتيش مسلحة جنوب الشيخ زويد في طريق الجورة وقرية الظهير وفي رفح. ووردت أنباء عن هرب سيارة تحمل مجموعة من "الأنصار"، قبل أن يستطيعوا توزيع بيان التهديد والاستتابة الموجه لعملاء الصهاينة في أراضٍ تابعة لقبيلة الترابين. لكن ذلك لا ينفي قدرتهم على توزيع المنشور الذي يضم أسماء تسعة ممن قتلوهم بدعوى العمالة والجاسوسية في أراضي قبيلتي السواركة والرميلات.
مستجداتٌ كثيرةٌ وتصعيدٌ في تأزم الموقف لا يسمع عنه أهل وادي النيل سوى ما يختار طرفا الصراع الإفصاح عنه، أما رواية عموم الناس المطحونين بين شقي الرحى فتظل سرديات مؤجلة، لأجل غير مسمىً.
مستجداتٌ كثيرةٌ وتصعيدٌ في تأزم الموقف لا يسمع عنه أهل وادي النيل سوى ما يختار طرفا الصراع الإفصاح عنه، أما رواية عموم الناس المطحونين بين شقي الرحى فتظل سرديات مؤجلة، لأجل غير مسمىً.