لجان التنسيق المحلية في سوريا: تحدي البقاء
الأمر أشبه بخليّة نحل، غرف افتراضية عدّيدة تضم مئات الأشخاص، المهمات محددة وواضحة لكلّ فرد فيها، الأسماء وهمية لناشطين يعيشون في الداخل والخارج السوري، شبان وفتيات، آباء وأمهات، جميعهم بدأوا العمل بشكل تطوعي، تنسيقيات، مراسلون، منسقوا مظاهرات ونشاطات مدنية، مصوّرون، ناشطون يعملون في الإغاثة والمشاريع التنموية.
تقول علا البرازي، الشابة ذات الـ30 عاماً، ومن أوائل الناشطين الذين انضموا إلى لجان التنسيق المحلية، لتصبح مسؤولة المكتب الإعلامي وبعد ذلك مديرة مكتب اللجان في غازي عنتاب- تركيا: "تطوعت في لجان التنسيق في أول نيسان 2011 ، تعلمت الكثير من الأشياء، ولاسيما ما يتعلق بالتوثيق وصياغة الخبر من رزان زيتونة".
ولدت لجان التنسيق المحلية في سوريا مع بداية الثورة السورية، وهي اتحاد لتجمّعات وتنيسقيات محلية في المحافظات والبلدات السورية، والتي ما زالت حتى اليوم تبثّ النفس المدني للثورة بين السياسة والإغاثة والطبابة والإعلام، رغم طغيان صوت المدفع وأزيز الطائرات على المشهد السوري.
"اللجان ما إلها صبغة محددة، بيننا من هم إسلاميون ومن هم علمانيون، من هم سياسيون ومن هم صحافيون..لكن ما يميّز اللجان أن غالبية من هم في صفوفها من فئة الشباب ". وتكمل علا "عملي في اللجان خلاني حس بالانتماء لجميع المدن السورية مو بس حماة مدينتي الجميلة".
ولأن تاريخ الثورة السورية سلسلة من الأحداث الضخام؛ نظام قمعي، مجالس ثورية، تنسيقيات مدنية، فتن شعبية وزعمائها، جيوش، ونظم جديدة، قد تغرق في خضم تطوراتها وتداعياتها تجارب كتجربة لجان التنسيق المحلية، ويجعل من استمراريتها في جسم الثورة عملاً مضنياً وكفاحاً قاسياً للإبقاء على الصورة المدنيّة للحراك الشعبي، ولا سيما مع التفات عدسات الإعلام، بكليّتها الى أعمال العنف والقتل والوقائع الميدانيّة العسكرية.
عملت اللجان خلال السنوات الثلاث على تغطية الأحداث في سوريا، ونشرها على صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، وموقعها الخاص، وارسالها إلى وسائل إعلامية عربية وعالمية. كما أصدرت جريدة "طلعنا على الحرية".
في اللجان، تختلط أصوات الناشطين، وتلتقط الأذن فتات كلام سريع: "شباب حدا يستلم الترجمة عني لازم أخد ابني على المدرسة"، أو "رح كون الليلة مناوب على التحرير الي بدو يرتاح اليوم"، أو "حصيلة الشهداء لليوم وصلت لـ 150 بس ما تنشروها، في خبر عم نتأكد منو مفادوا إنو في 6 شهداء انقتلوا بداريا نتيجة القصف قبل ساعة"، أو " الحصيلة بالعربي بدها ترجمة، وفي فيديوهات ما نحطت على الموقع"...
لم تحيّد اللجان نفسها عن التجمعات السياسية المعارضة، بل كانت جزءاً من المجلس الوطني والائتلاف الوطني السوري، وغيرهما من التشكيلات العريضة. مع حفاظها على موقف سياسيّ مستقلّ، وتحفظّها على ما كانت تراه إخفاقاً من التكتلات السياسية بالنهوض في دورها في تمثيل ثورة الشعب السوري.
وعلى الرغم من تحول الثورة السورية السلمية إلى ثورة مسلحة، لم تغير اللجان من إيمانها بمبادىء الحراك السلمي وأهدافه، بل أخذت مواقف صارمة تجاه الأخطاء التي ارتكبتها كتائب الجيش السوري الحر والكتائب الإسلامية. يعلق أسعد العشي 34 عاماً، الذي انضم إلى لجان التنسيق في تموز 2011: "كان لدخول الثورة في منظومة التسلح هزة داخل اللجان كادت أن تنهيها، لكن الخلاف حُسم على إبقاء اللجان خارج الإطار المسلح، وبناء علاقة مع كتائب الجيش الحر ضمن ميثاق الشرف الثوري".
ومع تزايد العنف والقتل والتدمير، اضطلعت اللجان بدور جديد وهو الإغاثة، وذلك بناءً على تزايد الحاجة الإنسانية في المناطق السورية المنكوبة، كما لو أن تحرير الناس من البؤس، بات بديلاً مؤقتاً عن الحريّة المنشودة بمعناها الواسع. وعلى ذلك، أسست لجان التنسيق المحلية مكتباً للإغاثة، يوفر السلل الغذائية للمتضررين في مختلف المدن والمناطق السورية. كما يقوم المكتب الإغاثي بمدّ الناشطين بالأجهزة التقنية اللازمة لمساعدتهم على متابعة نشاطهم كأجهزة الكومبيوتر المحمولة، والموبايلات والطابعات والكاميرات. ويقول العشي "بلغت نفقات الإغاثة منذ العام 2012 لليوم حوالى خمسة ملايين دولار"، وشملت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، وأيضاً لسيطرة النظام وتنظيم "الدولة الإسلامية"، حيث ما زال لنشطاء اللجان القدرة على التسلّل والتحرّك هنا وهناك.
مجمل جنون النظام السوري يبرر للكثيرين تداعي الحراك المدني والنشاطات السلمية، وتراجعها أمام فجاجة الموت، "أول شئ سلبي حصل للجان هو اعتقال رزان وناظم ووائل، ومغادرة عدد كبير من النشطاء، اعتقالهم، استشهادهم أو تواريهم وعدم قدرتهم على العمل. لكن العمل الإغاثي مازال مستمراً". توضح علا. واضافت أن "افتتاح مكتب اللجان في غازي عنتاب وتطوير علاقاتها العامة، السياسية أو مع الجهات الداعمة، دليلاً على استمرارية العمل في ما يصب بمحاولة دعم وخدمة المجتمع المدني وبنائه ولو بشكل بطىء".
وإلى جانب كلّ ذلك، أسست اللجان مركزاً للدعم النفسي للأطفال والأمهات في ريف دمشق، لتوفير المساعدة النفسيّة وتخّطّي صدمات العنف لدى الأطفال، وعملت على توفير إمكانية التدريس في مناطق ساخنة دمّرت مدارسها أو وقعت تحت حصار يحول بين الأطفال ومدارسهم. ويقول العشي "مع تطور الأحداث في سوريا غرقت اللجان في الإغاثة، ثمّ اتجهت مع ظهور المناطق المحررة إلى دعم المجالس المحلية والمؤسسات الناشئة من رحم الثورة، وانبثق منها مثلاً مركز توثيق الانتهاكات، ومنظمة تآخي في الحسكة، ومكتب التنمية ودعم المشاريع الصغيرة". وأضاف "كلّ من هذه المؤسسات أصبحت مؤسسة مستقلّة متخصصة".
في دولة مثل سوريا عاشت أكثر من 40 عاماً تحت نظام أطّر مواردها وكوادرها، وغيب عنها العمل المؤسساتي المدني، من الطبيعي أن تمر المؤسسات والمشاريع المدنية التي ولدت مع بداية الثورة بعقبات وتداعيات، وتجارب ناجحة وفاشلة. تجارب تولد وتزول وتتغير وتتطور. لجان التنسيق المحلية في سوريا مازالت تثبت قدرتها على العمل والإنتاج، بين الممكن والراهن، وضمن واقع تسيطر عليه القوى التدميرية العظمى.
تقول علا البرازي، الشابة ذات الـ30 عاماً، ومن أوائل الناشطين الذين انضموا إلى لجان التنسيق المحلية، لتصبح مسؤولة المكتب الإعلامي وبعد ذلك مديرة مكتب اللجان في غازي عنتاب- تركيا: "تطوعت في لجان التنسيق في أول نيسان 2011 ، تعلمت الكثير من الأشياء، ولاسيما ما يتعلق بالتوثيق وصياغة الخبر من رزان زيتونة".
ولدت لجان التنسيق المحلية في سوريا مع بداية الثورة السورية، وهي اتحاد لتجمّعات وتنيسقيات محلية في المحافظات والبلدات السورية، والتي ما زالت حتى اليوم تبثّ النفس المدني للثورة بين السياسة والإغاثة والطبابة والإعلام، رغم طغيان صوت المدفع وأزيز الطائرات على المشهد السوري.
"اللجان ما إلها صبغة محددة، بيننا من هم إسلاميون ومن هم علمانيون، من هم سياسيون ومن هم صحافيون..لكن ما يميّز اللجان أن غالبية من هم في صفوفها من فئة الشباب ". وتكمل علا "عملي في اللجان خلاني حس بالانتماء لجميع المدن السورية مو بس حماة مدينتي الجميلة".
ولأن تاريخ الثورة السورية سلسلة من الأحداث الضخام؛ نظام قمعي، مجالس ثورية، تنسيقيات مدنية، فتن شعبية وزعمائها، جيوش، ونظم جديدة، قد تغرق في خضم تطوراتها وتداعياتها تجارب كتجربة لجان التنسيق المحلية، ويجعل من استمراريتها في جسم الثورة عملاً مضنياً وكفاحاً قاسياً للإبقاء على الصورة المدنيّة للحراك الشعبي، ولا سيما مع التفات عدسات الإعلام، بكليّتها الى أعمال العنف والقتل والوقائع الميدانيّة العسكرية.
عملت اللجان خلال السنوات الثلاث على تغطية الأحداث في سوريا، ونشرها على صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، وموقعها الخاص، وارسالها إلى وسائل إعلامية عربية وعالمية. كما أصدرت جريدة "طلعنا على الحرية".
في اللجان، تختلط أصوات الناشطين، وتلتقط الأذن فتات كلام سريع: "شباب حدا يستلم الترجمة عني لازم أخد ابني على المدرسة"، أو "رح كون الليلة مناوب على التحرير الي بدو يرتاح اليوم"، أو "حصيلة الشهداء لليوم وصلت لـ 150 بس ما تنشروها، في خبر عم نتأكد منو مفادوا إنو في 6 شهداء انقتلوا بداريا نتيجة القصف قبل ساعة"، أو " الحصيلة بالعربي بدها ترجمة، وفي فيديوهات ما نحطت على الموقع"...
لم تحيّد اللجان نفسها عن التجمعات السياسية المعارضة، بل كانت جزءاً من المجلس الوطني والائتلاف الوطني السوري، وغيرهما من التشكيلات العريضة. مع حفاظها على موقف سياسيّ مستقلّ، وتحفظّها على ما كانت تراه إخفاقاً من التكتلات السياسية بالنهوض في دورها في تمثيل ثورة الشعب السوري.
وعلى الرغم من تحول الثورة السورية السلمية إلى ثورة مسلحة، لم تغير اللجان من إيمانها بمبادىء الحراك السلمي وأهدافه، بل أخذت مواقف صارمة تجاه الأخطاء التي ارتكبتها كتائب الجيش السوري الحر والكتائب الإسلامية. يعلق أسعد العشي 34 عاماً، الذي انضم إلى لجان التنسيق في تموز 2011: "كان لدخول الثورة في منظومة التسلح هزة داخل اللجان كادت أن تنهيها، لكن الخلاف حُسم على إبقاء اللجان خارج الإطار المسلح، وبناء علاقة مع كتائب الجيش الحر ضمن ميثاق الشرف الثوري".
ومع تزايد العنف والقتل والتدمير، اضطلعت اللجان بدور جديد وهو الإغاثة، وذلك بناءً على تزايد الحاجة الإنسانية في المناطق السورية المنكوبة، كما لو أن تحرير الناس من البؤس، بات بديلاً مؤقتاً عن الحريّة المنشودة بمعناها الواسع. وعلى ذلك، أسست لجان التنسيق المحلية مكتباً للإغاثة، يوفر السلل الغذائية للمتضررين في مختلف المدن والمناطق السورية. كما يقوم المكتب الإغاثي بمدّ الناشطين بالأجهزة التقنية اللازمة لمساعدتهم على متابعة نشاطهم كأجهزة الكومبيوتر المحمولة، والموبايلات والطابعات والكاميرات. ويقول العشي "بلغت نفقات الإغاثة منذ العام 2012 لليوم حوالى خمسة ملايين دولار"، وشملت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، وأيضاً لسيطرة النظام وتنظيم "الدولة الإسلامية"، حيث ما زال لنشطاء اللجان القدرة على التسلّل والتحرّك هنا وهناك.
مجمل جنون النظام السوري يبرر للكثيرين تداعي الحراك المدني والنشاطات السلمية، وتراجعها أمام فجاجة الموت، "أول شئ سلبي حصل للجان هو اعتقال رزان وناظم ووائل، ومغادرة عدد كبير من النشطاء، اعتقالهم، استشهادهم أو تواريهم وعدم قدرتهم على العمل. لكن العمل الإغاثي مازال مستمراً". توضح علا. واضافت أن "افتتاح مكتب اللجان في غازي عنتاب وتطوير علاقاتها العامة، السياسية أو مع الجهات الداعمة، دليلاً على استمرارية العمل في ما يصب بمحاولة دعم وخدمة المجتمع المدني وبنائه ولو بشكل بطىء".
وإلى جانب كلّ ذلك، أسست اللجان مركزاً للدعم النفسي للأطفال والأمهات في ريف دمشق، لتوفير المساعدة النفسيّة وتخّطّي صدمات العنف لدى الأطفال، وعملت على توفير إمكانية التدريس في مناطق ساخنة دمّرت مدارسها أو وقعت تحت حصار يحول بين الأطفال ومدارسهم. ويقول العشي "مع تطور الأحداث في سوريا غرقت اللجان في الإغاثة، ثمّ اتجهت مع ظهور المناطق المحررة إلى دعم المجالس المحلية والمؤسسات الناشئة من رحم الثورة، وانبثق منها مثلاً مركز توثيق الانتهاكات، ومنظمة تآخي في الحسكة، ومكتب التنمية ودعم المشاريع الصغيرة". وأضاف "كلّ من هذه المؤسسات أصبحت مؤسسة مستقلّة متخصصة".
في دولة مثل سوريا عاشت أكثر من 40 عاماً تحت نظام أطّر مواردها وكوادرها، وغيب عنها العمل المؤسساتي المدني، من الطبيعي أن تمر المؤسسات والمشاريع المدنية التي ولدت مع بداية الثورة بعقبات وتداعيات، وتجارب ناجحة وفاشلة. تجارب تولد وتزول وتتغير وتتطور. لجان التنسيق المحلية في سوريا مازالت تثبت قدرتها على العمل والإنتاج، بين الممكن والراهن، وضمن واقع تسيطر عليه القوى التدميرية العظمى.