عدرا العمالية: استمرار المعركة المضللة

صادق عبد الرحمن
الإثنين   2013/12/30
5000 مدني تم إجلاؤهم من قبل قوات النظام (أ ف ب)
 تستمر المعركة الدائرة في عدرا العمالية ومحيطها للأسبوع الثالث على التوالي، ذلك منذ اقتحمتها مجموعات من جبهة النصرة والجبهة الإسلامية في الحادي عشر من الشهر الحالي. الغموض وتضارب المعلومات يكتنفان كل ما دار ويدور هناك، سواء في ما يتعلق بمصير المدنيين المحاصرين، أو في ما يتعلق بمجريات الاشتباكات على الأرض.
 
ميدانياً وعلى الرغم من تكرار وسائل إعلام النظام لروايتها عن تقدم القوات النظامية في عدرا العمالية، فإن قوات المعارضة لا تزال تحكم قبضتها على معظم المدينة. ولا يبدو أن "العملية الشاملة الساحقة" التي أعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" عن بدايتها في الثالث عشر من الشهر الحالي حققت تقدماً مهماً، إذ تستمر قوات النظام في استهداف مواقع معينة بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ دون أي تقدم بري يذكر.
 
لا يزال هناك آلاف المدنيين المحاصرين في عدرا العمالية، بينهم نازحون من الغوطة الشرقية وعمال وموظفون وضباط وعناصر أمن مع عائلاتهم من جميع أنحاء البلاد، وثمة صفحات مخصصة لمتابعة شؤونهم على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" تقول إنهم ما يزالون على قيد الحياة بمن فيهم العائلات العلوية والدرزية، التي أشيع عن أعمال قتل تستهدفها على وجه الخصوص.
 
مساء الأحد بدأت بوادر انفراج في أزمة المدنيين المحاصرين، حيث تمكنت أعداد منهم من الخروج سيراً على الأقدام باتجاه اوتستراد حمص دمشق الدولي، وباتجاه المدينة الصناعية التي تسيطر عليها قوات النظام، وليس واضحاً ما إذا كان ذلك قد جاء بموجب اتفاق بين مجموعات المعارضة المسلحة والقوات الحكومية، إلا أن وسائل إعلام النظام تحدثت عن إجلاء خمسة آلاف من المدنيين الذين كانوا محاصرين في المدينة.
 
وتؤكد وسائل إعلام النظام أن الجيش النظامي السوري لم يتقدم هناك بسبب استخدام "المجموعات الإرهابية المسلحة" للمدنيين كدروع بشرية، إلا أن الاتصالات مع المدنيين هناك بينت خلافاً لذلك أنهم محاصرون في الشقق السكنية والأقبية جراء الاشتباكات العنيفة، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والمياه وانقطاع شبه كامل للتيار الكهربائي، وضعف في فعالية شبكات الاتصال الخلوي. ويأتي عدم إعاقة مجموعات المعارضة المسلحة لخروج المدنيين مساء الأحد ليدحض رواية "الدروع البشرية" أيضاً.
 
وبعيداً عن المجريات الميدانية، فإن ما جرى ويجري في عدرا العمالية أحدث هزة عميقة في الأوساط الموالية للنظام السوري، ولا سيما أبناء الطائفة العلوية، حيث تتداول صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أخباراً عن خيانة أدت لتسليم المدينة "للإرهابيين"، وعن استخدام النظام السوري بشكل فاضح لدماء العلويين في معركة بقائه في السلطة.

ويتحدث كثيرون بنبرة غاضبة عن "إهمال النظام" للمحاصرين هناك، وعن "أكاذيبه" المتكررة حول اقتراب تحريرهم، ذلك بالتزامن مع عمله على استثمار مأساتهم ودمائهم في كسب التعاطف الدولي.
 
وفي هذا الخصوص، تناقلت الأوساط الأهلية الموالية للنظام السوري رواياتٍ عن جرائم مروعة بحق مئات المدنيين العلويين بما فيها فصل رؤوس الأطفال العلويين عن أجسادهم، إلا أنه يتم تداول روايات أخرى مناقضة مصدرها اتصالات مع عائلات علوية محاصرة هناك تتحدث عن عدم استهداف أحد باستثناء أولئك الذين تحمل الجماعات المسلحة قوائم بأسمائهم بوصفهم مقاتلين إلى جانب النظام، حيث تقوم بتصفية المطلوبين فوراً، أو اختطاف عائلاتهم في حال عدم العثور عليهم.
 
من ناحية أخرى فإنه ليس ثمة أسماء موثقة عن أطفال أو نساء تم قتلهم على يد مجموعات المعارضة المسلحة، وجميع الأطفال الذين فارقوا الحياة تبين لاحقاً أنهم قتلوا على يد ذويهم جراء إقدام عناصر من اللجان الشعبية والأجهزة الأمنية على تفجير أنفسهم بعائلاتهم بغية عدم الوقوع في يد المسلحين، ودليل على ذلك، قيام أحد عناصر اللجان الشعبية، ويدعى نزار حسن، بتفجير قنبلة يدوية بعائلته المكونة من طفلين وزوجته ليقضوا جميعاً بحسب ما نشرت صفحة شهداء الوطن الموالية على "فايسبوك".
 
يبقى أن التعتيم الإعلامي المفروض من قبل الطرفين، والذي يؤدي إلى اختلاط الحقائق بالشائعات، يؤكد أن لدى كل من الطرفين ما يخفيه، ومما لا شك فيه أن مجموعات في المعارضة المسلحة ارتكبت انتهاكات جسيمة في عدرا من خلال إقدامها على قتل ومن ثم قطع رأس من يشتبه بحمله السلاح إلى جانب النظام، ومن خلال اختطاف عائلات مقاتلي النظام، وهذا باعتراف ناشطي المعارضة أنفسهم.
 
أما روايات المدنيين الذين تمكنوا من مغادرة عدرا، فستكشف الكثير في الأيام القادمة، إلا إن وقوع هذا العدد الكبير من المدنيين العلويين في قبضة المعارضة المسلحة، يضع أولئك الذين اختاروا الوقوف إلى جانب النظام السوري لأسباب طائفية في مواجهة حقيقة مفادها أن النظام عاجز عن حمايتهم.
 وبات كثيرون منهم مقتنعين بأنه لن يحميهم إلا بقدر ما يفيد ذلك استمراره في السلطة، لكن هذا لا يعفيهم في الوقت نفسه من أن يجدوا أنفسهم في مواجهة  مجموعات مسلحة يعتقدون أنها بصدد ذبحهم جميعاً فيما لو قدر لها ذلك، ولعل هذا اليأس هو الذي يدفعهم إلى الاحتفاء بقتل رجالٍ لأنفسهم وأطفالهم ونسائهم بغية النجاة من مصير يعتقدونه أكثر بؤساً.