تحرك العسكريين "بروفا" أولى للانفجار المقبل

عارف العبد
الجمعة   2024/09/13
الانفجار الاجتماعي آتٍ لا محالة طالما بقيت الأوضاع على ما هي عليه (Getty)
ما شهدته الشوارع المحيطة بالسراي الكبير، في وسط مدينة بيروت، خلال اليومين الماضيين. لم يكن الا "بروفا" او تجربة أولى، للانفجار الاجتماعي او الانفجارات وحركات التململ والهبات شبه المؤكدة، في المرحلة المقبلة. والتي لا يمكن تحديد موعدها. لكن من المؤكد انها آتية لا محالة، وآتية باتجاهنا، طالما بقيت الأوضاع على ما هي عليه.

السبب الأساس هو حجم الكارثة الاقتصادية المالية والاجتماعية، والتي طاولت فئات واسعة من الشعب اللبناني من صغار الكسبة والمواطنين والمتقاعدين والعاملين، حيث دُمرت اسس حياتهم  وتحطمت مرتكزات استقرارهم المادية. وقد تُركت الأمور على تراكمها العفن من دون اي معالجة جدية ولو بالحد الأدنى .

نحن لا نتحدث هنا، عن انفجار اجتماعي شامل على المستوى الوطني، بل عن انفجارات متفرقة وهبات متشعبة كمثل حالة تحرك العسكريين المحصورة بهم. بسبب غياب أي اطار تنظيمي او سياسي موحد على المستوى الوطني يعنى ويهتم بقضايا المواطنين.

الموجود من المهتمين بقضايا المواطنين، عبارة عن شراذم وشلل وأحزاب موزعة بين الطوائف والعشائر والقبائل والجمعيات بعضها تحت شعار المجتمع المدني، الممولة من اجندات غريبة وسفارات غربية وسط غياب نظرة او رؤية او مبادرة شاملة.

لبنان غارق في الشللية السياسية والطائفية، وسط انعدام التوجهات الوطنية العامة الموحدة. وقد ساهم ويساهم قانون الانتخاب الحالي في تعميق الطائفية والمذهبية والمناطقية، حتى لو كان في بعض الأحيان يظهر في لبوس تغييري مقنع لكن ثبت ان اغلبه تفتيتي طفيلي.

نادرا ماحدث، في تاريخ الشعوب ان تعرض بلد او مجتمع الى انقلاب او ضربات متتالية وعملية سطو واسعة، طالت مدخراته وثرواته الشخصية والوطنية، وتُركت الكارثة الوطنية واثارها الواسعة والعلنية والعميقة من دون معالجة او مراجعة او محاسبة، حتى لا تعود وتتكرر وتعيد نفسها.

مضت حتى الان، على كارثة مجزرة الانهيار المالي والاقتصادي خمس سنوات، ولبنان ما يزال يتخبط مكانه من دون اية معالجة جدية.

سبق لدول محيطة ومعروفة، ان عاشت تجربة او تجارب صعبة مماثلة، او اصعب. لكنها استطاعت الوقوف وتجاوزها والنهوض والسير والتطلع الى الامام .

اخر هذه التجارب، كانت التجربة اليونانية. التي تعرضت لانهيار مالي واقتصادي وعاشت حالة افلاس عامة، لكنها استطاعت وضع خطة معالجة والالتزام بها والعودة الى طريق التعافي من جديد، ولو كان بصورة  بطيئة ومتمهلة، لكنها اتجهت للعودة الى الحالة الطبيعية.

اما في لبنان، فان هذا البلد يعيش حالة انكار غريبة وغير مجربة سابقا.
مجلس النواب، مايزال يطرب لشطارة ونباهة رئيسه وتمدد ولاياته وشطاراته ومسرحياته، لكنه يبقى عاجزا عن إقرار قانون او خطوة تقييم او خطة إعادة التعافي الاقتصادي والمالي لاكثر من سبب وحجة .
صحيح ان الانهيار المالي والاقتصادي قد وقع وتحقق، بقوة وعمق واتساع طال الجميع. لكن حتى الان، لبنان لا يملك خطة او رؤية  للخروج من الحفرة  او توجه جدي، لاعادة التعافي مدعومة بالاجماع او حائزة، على موافقة او رضى الاغلبية ومتفق عليها. واذا كانت الحكومة الحالية قد احالت خطة للتعافي الى مجلس النواب، لكنها ما تزال ضائعة وغير واضح مصيرها.

ينقص لبنان اضافة الى خطة اعادة التعافي، مجموعة كبيرة من القوانين منها، إعادة تقييم وتوزيع الخسائر نتيجة كارثة الانهيار التي وقعت.
يغيب قانون او رؤية لتوزيع الخسائر يكون عادلا ومتوازنا، ويشمل قطاعات البلاد حسب المواقع المؤثرة والمسؤوليات المفترضة. ويغيب قانون إعادة هيكلة المصارف، كما قانون إعادة هيكلة القطاع العام، مع هذا الحجم من الموظفين في اغلب مؤسسات القطاع العام. اذ في ظل التطور التكنولوجي والتقني الحاصل والذي يحتم إعادة نظر بالقطاع العام ككل واعداد وارقام الموظفين فيه. وهل هم ضرورة ام ان إعادة نظر في الحاجات يجب ان تجري في ظل المتطلبات وخطط المستقبل.
هذا كله لم يجر بحثه او تقييمه او تصور واقتراح الخطط البديلة له.

رئيس مجلس الوزراء، تحدث مؤخرا عن توجه لسلسلة جديدة للرتب والرواتب، قيد الاعداد. لكنها من دون رؤية اصلاحية عامة وجدية، لن تكون اذا ما تحققت، الا عملية ترقيعية عابرة، تزيد الأعباء لغياب الإصلاح والمحاسبة الجدية الشفافة.

حتى قانون الكابيتال كونترول لم يتم اقراره، والأمور متروكة على غاربها وعلى مزاجية المصارف والمؤسسات المالية ومكاتب التحويل المالي، التي تتصرف كيفما تشاء من دون حسيب او رقيب، ومن دون قانون يرعى علاقتها بالمواطنين وبالودائع. إضافة الى ضرورة بت مسالة الودائع القديمة وهل ستعاد، وما الذي حل بها؟ وكيف ستكون والى اين ستذهب، وهل من الممكن ان تعود وكيف ومتى.
المصارف تتصرف وكانها لم تكن مسؤولة عن ودائع للمواطنين تمت الإطاحة بها وسرقتها وحجبت او تبخرت او منعت عن أصحابها.

في العودة الى الحالة اليونانية، فقد تدخل الاتحاد الأوروبي وساعد على تحديد المشكلات واقتراح الحلول وتقديم المساعدات وخطط إعادة النهوض.
في اليونان بادرت الحكومة إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقق من حجم الدين.

ويشار هنا في حالة اليونان إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم قروضا سريعة سماها "حزمة الإنقاذ المالية"، ومقابل ذلك فرض على اليونان بأن تقوم بخطوات منها :

.إعفاء 150,000 شخص من موظفي القطاع العام من مناصبهم.

.خفض المرتبات عموما والمرتب الأساسي ومعاشات التقاعد.

.رفع سن التقاعد.

.رفع ضريبة الدخل والضريبة على السلع.

.تحسين أداء جهاز التحصيل الضريبي.

.دمج أو حل العديد من مؤسسات القطاع العام بغرض خفض الإنفاق.

.خفض الإنفاق على التسلح.

هذا في اليونان، اما في لبنان فهذا البلد يفتقر الى متطلبات الحد الأدنى للعودة الى الحياة، فليس لديه رئيس للجمهورية والدولة، وبالتالي ليس لديه حكومة طبيعية وشرعية وكاملة المواصفات. اضف انه منخرط في حرب مشاغلة مع إسرائيل قد تتحول الى حرب مواجهة شاملة تدمر ما هو باق. وفوق ذلك كله، لديه كمية قد تصل الى اكثر من نصف السكان من النازحين السوريين.
في المحصلة، هل سيدخل لبنان حرب مواجهة واسعة مع إسرائيل تدمر ما تبقى من اقتصاده وبنيته المتهالكة؟ وهل سيتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية يعيده مع مؤسساته الى خارطة الدول صاحبة الشخصية والحالة الطبيعية؟
حتى الان، كل الأجوبة معلقة وكل الاحتمالات التدميرية واردة.

اذا ما بقي لبنان على ما هو عليه، فان ازمته الاقتصادية المالية الاجتماعية، كافية وحدها لكي تعيد إدخاله الى اخر طبقات جهنم.