ترمب.. إنهاء الحرب بحسمها لا بوقفها!
ويبدو أن منطقتنا تقع في مقدمة الأجندة الخارجية للرئيس المنتخب، وهو كان قد أبدى ملامح عامة لما يمكن أن يقوم به، وفي عنوان ذلك "إيقاف الفوضى في الشرق الأوسط". ويبدو أنه كان دقيقاً في الوصف. فما يحدث اليوم هو فوضى أكثر مما هي حرب، وهي فوضى سبقت الحرب على غزة، وأصبحت أكثر اضطراباً وتأثيراً منذ ذلك الحين، ويمكن أن تتحول إلى فوضى شاملة وغير قابلة للاحتواء، أو أنها يمكن أن تقف عند حدود معينة وتخضع لتسويات تفرضها إدارة ترمب المستقبلية. وهي ستجد على الأغلب أرضاً ممهدة نسبياً لقبول الحلول المطروحة، ويسري ذلك على إسرائيل، كما يسري على إيران وأذرعها.
دائرة التكهنات تبدو واسعة، لكن تصور السيناريوهات المتوقعة يمكن أن تستند على عنصرين أساسيين: الأول، هو وقائع الحرب الراهنة ومواقف وأوضاع أطرافها. والثاني، هو مواقف ترمب وشخصيات إدارته المستقبلية، سواء بإدراك مواقفهم خلال الحملة الانتخابية أو بمراجعة سلوك إدارة ترمب في ولايته الأولى 2016 - 2020.
على الأرض، لا تجد إسرائيل فرصاً لحرب سهلة بالرغم من الدمار الواسع الذي ألحقته في غزة ولبنان، فضلاً عن أن إسرائيل تتلقى بالمقابل ضربات لا تتسبب بالضرر نفسه، لكنها تؤذي بشكل واضح صورة الردع لإسرائيل، وتبعدها أكثر عن إدعاء تحقيق النصر الذي يسمح بقبول وقف إطلاق النار.
بمعنى آخر، فإن إنهاء الصراع في حدود غزة ولبنان لم ينضج بعد، وقد لا يصل إلى ذلك أبداً في المدى القريب. ولذلك، فالتسويات تبدو بعيدة، بالإضافة إلى أن كل هذا الصراع منذ أكثر من عام، هو بدايات لأهداف ضخمة وضعها نتنياهو تتعلق بتغيير الشرق الأوسط. فما زال أمامه سوريا والعراق وكذلك إيران، وجميعها ستكون صراعات مكلفة ومعقدة، ولن يكون بمقدور إسرائيل على الأرجح أن تحسمها بالنتيجة التي تسعى إليها، من دون دعم ومشاركة أميركية أساسية وواضحة.
هذا الدعم أو المشاركة من قبل الولايات المتحدة، هو بالضبط ما يجعل استمرار الحروب الإسرائيلية أمراً ممكناً حسب أجندة نتنياهو، وهو أيضاً ما يبدو أن الأخير كان ينتظره من فوز ترمب، أو أنه يراهن عليه، وربما يعمد خلال الشهرين المقبلين إلى تعقيد الصراع، وجعل الحلول أكثر صعوبة، على أمل أن يفضي ذلك إلى توريط الولايات المتحدة.
ولا شك أن نتنياهو كان من بين أكثر الفرحين بإعلان وزارة العدل الأميركية يوم الجمعة الماضي عن اكتشاف مخطط إيراني لاغتيال ترمب. فقد يكون ذلك سبباً مباشراً في صوغ رؤية الرئيس المنتخب للتعامل مع إيران. ولعله يجد لنفسه مبررات تتعلق بالأمن القومي الأميركي لدعم إسرائيل، وربما مشاركتها في مواجهة إيران. وهذه المرة ليس لإضعافها أو تدمير مشروعها النووي، وإنما لإسقاط نظامها السياسي، وكذلك القضاء على أذرعها المنتشرة في المنطقة.
وحتى لو أراد ترمب الوفاء بوعده الخاص بإنهاء الحرب في المنطقة، فإن ذلك قد لا يكون بوقف الحرب، بل بحسمها. وهذه المرة، لن يكون الأمر متعلقاً بدعم إسرائيل، وإنما بحماية الأمن القومي الأميركي، وإنهاء الفوضى، من خلال القضاء على مصادرها وتجفيف منابعها وتغيير خريطة التوازنات والتحالفات، حسب الرؤية الأميركية، أو الرؤية الترمبية تحديداً.
يبقى المستقبل في ظل إدارة ترمب بلا يقين مطلق، بالطبع. لكن من المستبعد أن تعاود واشنطن، تحت قيادته، التعامل مع إيران من خلال العقوبات والحصار السياسي. وستجد في هذه الحرب المشتعلة مناخاً مناسباً لتغيير الوضع القائم في المنطقة، لا سيما بعدما قدمت طهران ذريعة كافية لتكون في موقع العدو الجاهز الذي ينتظره ترمب، ليحظى بنصره الممكن في مستهل ولايته.