في مقابل دعوة وزير الثقافة محمد المرتضى مجلس الأمن ودول العالم إلى "ردع العدو عن تنفيذ تهديده بقصف قلعة بعلبك، التي تشكل إرثاً ثقافياً عالمياً، والتي لا تخصّ لبنان وحده بل الإنسانيّة جمعاء"، ارتفعت مناشدات لبنانية لـ"إعادة" شعار "الدرع الأزرق" الذي أزاله وزير الثقافة في العام الماضي.
ووفقاً للبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي للعام 1954، من المفترض أن تحمي شارة "الدرع الأزرق"، المنشآت الثقافية خلال النزاع المسلح، والهدف الرئيسي من وجود هذا الشعار هو إعلام الأطراف المتنازعة بأنّ هذا الموقع هو ممتلكٌ ثقافي، يجب الامتناع عن استهدافه أو استخدامه عسكرياً.
وارتفعت الأصوات الداعية الى رفع الشعار، بعد تحذير اسرائيل لمدينة بعلبك. واتخذ الملف بُعداً سياسياً، إذ طالب عضو تكتل الجمهوريّة القويّة، النائب أنطوان حبشي، بإعادة وضع الشارة، فيما ذهب آخرون الى توجيه الملامة للوزير، وتحميله مسؤولية أيّ اعتداء طاول أو قد يطاول القلعة، وقال أحدهم: "إذا حصل أي اعتداء على القلعة، ستتحمل أنت ومن عيّنوك في موقعك المسؤولية". وفي الوقت نفسه، طالب البعض الآخر الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة بوضع شارة الدرع الأزرق على جدران القلعة لحمايتها من أيّ عدوان.
ورأى وزير الثقافة محمد المرتضى، الأربعاء، في اتصال أجراه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أن تهديد العدو الإسرائيلي بقصف بعلبك الأثرية شرقي لبنان يؤكد أن "إسرائيل تُشبه الحركات الإرهابية التي دمرت تماثيل بوذا".
هذا اللوم الموجّه ضد المرتضى، أعاد اللبنانيين بالذاكرة إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين أمرَ الوزير بازالة شعار "الدرع الأزرق Blue shield" الذي جرى وضعه على جدارٍ في قلعة بعلبك من قبل أحد الموظفين، وبرّر المرتضى حينها إزالة الشارة بالقول إن هناك من "اجتهد فأخطأ بوضع ذلك الشعار ظناً منه بأنّ التذكير بالمواثيق الدولية والاحتماء بها والاحتكام إليها، يحمينا ويحمي ممتلكاتنا ومعالمنا الأثرية، لكن الواقع أنّ هذه المواثيق حبرها بهت، وجرى طمسها بفعل دماء أطفال غزة التي أريقت من قبل إسرائيل وداعميها".
اتفاقية لاهاي
وكانت المديرية العامّة للآثار، بالتنسيق مع جمعية "بلادي" التي تعنى بالحفاظ على التراث، قد وضعت شارة "الدرع الأزرق لحماية الممتلكات الثقافية خلال النزاع المسلح" بقياس 3×5 أمتار على 22 موقعاً أثرياً لبنانياً، منها قلعة بعلبك، إضافة إلى شارات صغيرة الحجم كانت وضعت في العام 2019، إبراماً للبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1954 والخاص بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، بموجب القانون رقم 150 الصادر في تاريخ 15/10/2019.
وحسب مبادئه التوجيهيّة، وُضع البروتوكول الثاني لتعزيز الحماية للممتلكات الثقافية، وذلك عبر تحديد طرق الحماية ووضع الآليات القانونية لمعاقبة الأشخاص، أو العسكريين الذين يقومون بتدمير أو تخريب الممتلكات الثقافية الموضوع عليها الدرع الأزرق. وعليه "يعزّز هذا البروتوكول العديد من أحكام الاتفاقية وبروتوكولها الأول، وينصّ على "الحماية المعززة" للممتلكات الثقافية ذات الأهمية الكبرى للإنسانية". كما أنّه يحدّد بشكل مباشر العقوبات المفروضة في حالة ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد الممتلكات الثقافية، والظروف التي يتم بموجبها تطبيق المسؤولية الجنائية الفردية.
ويشرح البروتوكول الثاني أنّه أثناء النزاع المسلح، ينبغي على الدول الأطراف في الاتفاقية والبروتوكولَين "احترام الممتلكات الثقافية عن طريق الامتناع عن توجيه أي عمل عدائي موجه ضدها وحظر ومنع جميع عمليات السرقة أو النهب أو التصدير غير المشروع أو نقل الممتلكات الثقافية، والامتناع عن توجيه أي عمل انتقامي ضدّ الممتلكات الثقافية". وبالتالي يتمّ وضع أهم الممتلكات الثقافية غير المنقولة في "السجل الدولي للمُمتلكات الثقافية تحت الحماية الخاصة ومن الضروري استخدام شعار الدرع الأزرق- Blue Shield المميّز لتسهيل تحديد الممتلكات الثقافية".
بعلبك وجراحها الصامتة
وليست المخاوف على المواقع الأثرية في قلعة بعلبك اليوم، إلا جزءاً من سياق بدأته اسرائيل باستهداف المواقع الأثرية، فقد أدت غارات سابقة إلى تضرر "قبة دوريس" الأثرية، وانهار إثرها جزءٌ من تاج القبة العلوي ما أدّى إلى تزعزع الأعمدة.
وأيضاً، استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي، أمس الأربعاء، ثكنة غورو في بعلبك، التي تعود لحقبة الانتداب الفرنسي، وتعتبر موقعاً أثرياً يحوطه سور روماني مربّع، يجعل منه رمزاً من رموز المدينة الرومانية العريقة.
اليوم، يهدّد العدوان الإسرائيلي، مدينةً تاريخيةً، عمرها أكثر من 3000 عام، أُدرجت في لائحة التراث العالمي لمنظمة "اليونيسكو" العام 1984. وذكرت المنظمة الأممية في إعلانها أنّ "بعلبك، بهياكلها الجبّارة، هي من أعظم نماذج هندسة الإمبراطورية الرومانية في ذروة حضارتها".
مدينة الشمس اليوم خالية من سكانها، وإرثها التراثي يشهد على جرائم آلة التدمير الإسرائيلية. الخوف الأكبر يكمن في الأضرار التي ستتضح معالمها في اليوم التالي للحرب، والتي من الممكن أن تمحو معالم أثريّة وتاريخية عريقة، وأن تؤدي إلى ضياع إرثٍ لطالما تغنّى به اللبناني.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها