أطلقت 14 إذاعة سورية الأربعاء في مدينة غازي عينتاب التركية، "ميثاق الشرف الإعلامي الخاص بالإذاعات السورية المستقلة"، كأول وثيقة رسمية تحدد طبيعة العلاقة بين الإعلام السوري الجديد والمجتمع، وذلك بعد شهرين من الاجتماعات والمشاورات للوصول إلى صيغة مشتركة للميثاق والاتفاق حول محتواه.
يتألف الميثاق من أربع صفحات تتضمن مقدمة عامة توضح انضواء الميثاق تحت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والخاصة بحرية الرأي والتعبير والإعلام، ثم تأتي حقوق الإذاعات والعاملين فيها وواجباتهم تجاه المجتمع، إضافة إلى مبادئ تنظيمية وأخلاقية لضبط الأداء المهني في الإذاعات السورية الجديدة ورفع مستوى التعاون بينها، في إطار "التنظيم الذاتي لشؤون الإعلام المستقل"، كما ورد في نص الميثاق الذي حصلت "المدن" على نسخة منه.
الميثاق في مجمله ورقة أخلاقية لا سلطة لها كأي ميثاق شرف صحافي آخر، ويكرر أصحابه الأسس العامة ذاتها المتعارف عليها عموماً كالمصداقية والموضوعية وحرية مصادر المعلومات، كما تلتزم الإذاعات المنضوية تحت جناح الميثاق بتقديم تفسيرات أمام الرأي العام في حالة المساءلة عند الإخلال بما تتعهد به، من دون الإفصاح عن طبيعة المساءلة المسموح بها أو طبيعة الجهات التي تعترف لها الإذاعات بحق "الاستجواب". وبعض هذه الأسس تحول إلى كليشيهات مكررة وغالبيتها قلما تنفذ.
علاقة الإذاعات بميثاقها الشرفي من جهة، ومع السلطة من جهة ثانية مبهمة قليلاً، ويعود ذلك أساساً إلى التباس هوية السلطة في سوريا بين النظام والمعارضة والجماعات التكفيرية، لذلك يطالب الميثاق عموماً بحقوق الإعلاميين من "السلطة القائمة على الأرض" أياً كان نوعها، كما يطالب السلطة بسن القوانين التي تحافظ على حقوق الصحافيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية. نقطة تكشف الجانب الأخلاقي غير الملزم لميثاق الشرف بمعزل عن سيف التشريع القانوني، إذ ينسحب ذلك بوضوح على إقرار "التنظيم الذاتي للإذاعات" على غرار القوانين ومواثيق الشرف في بعض الدول الأوروبية كألمانيا. لكن الفارق أن المواثيق الغربية تنبع من الحقوق الدستورية الحامية للحرية الإعلامية في تلك الدول، وهي النقطة المفقودة في حالة "ميثاق الإذاعات السورية".
في هذا الإطار، يرى مدير راديو "بلدنا"، مؤنس البخاري، في الميثاق "ضرورة مهنية وأخلاقية لولادة الإعلام السوري المستقل مع انطلاق ثورة الكرامة"، خصوصاً أن معظم وسائل الإعلام السورية الناشئة وسط النشاط الثوري "في حاجة إلى تصويب أدائها المهني وتطويره" خلال سعيها إلى نقل الخبر ونشر المعلومات الصحيحة، مبرزاً دور الميثاق في "تنظيم العلاقة بين الإذاعات السورية المستقلة وتمتين التعاون في ما بينها، وضبط الأداء الإعلامي بما يخدم مستقبل الشعب السوري وحاضره".
ويوضح البخاري لـ"المدن" أن فكرة الميثاق "أتت من مشروع الإعلام السوري في منظمة ميثاق سوريا قبل أن تتحول إلى مشروع جماعي نوعاً ما، فدعت إليه ثلاث منظمات هي "CMS" البريطانية المتخصصة في دعم الإعلام المستقل بلا شروط، والمشروع الأردني "أصواتنا" لدعم الإذاعات العربية، و"شبكة الإعلام المجتمعي"، ووفرت المنظمة البريطانية الدعم المالي لتمويل الاجتماعات بين مدراء الإذاعات السورية وتنظيم اللقاءات بينهم، من دون فرض شروط أو قيود على بنود الميثاق.
استغرقت صياغة الميثاق بصورته النهائية قرابة الشهرين، بتعاون مدراء الإذاعات مع بعض الخبرات الإعلامية والحقوقية ومتخصص في القانون الدولي. ويوضح أحد الخبراء الإعلاميين السوريين المشاركين في صياغة الميثاق (مفضلاً عدم الكشف عن اسمه) أن العمل على الميثاق بدأ في كانون الأول المنصرم، بلقاء حضره ممثلون عن تسع إذاعات فقط، قدموا خلاله مسودة أولية للميثاق، لكنها لم تنل رضى المشاركين، فطاولتها تعديلات بناء على مقارنات مع أبرز المواثيق العالمية المشابهة، وتم تعديل المسودة النهائية من قبل خبير قانوني للوصول إلى الصيغة التي خرج بها الميثاق.
من الإذاعات الموقعة على ميثاق الشرف: "راديو روح"، راديو "بلدنا"، إذاعة "شرق المتوسط"، "نسائم سوريا" وغيرها. ولا يرى مدير "راديو روح"، هيثم قباني، في الميثاق خطوة عبثية على الإطلاق بل يعتبره خطوة أولى لمرحلة أكبر قد تتجسد "بتحالف للإذاعات السورية" على حد تعبيره. ويضيف أن الفائدة الأساسية من الميثاق تبقى في رمزية تجمع أطياف مختلفة من السوريين معاً ولو بشكل ميثاق أخلاقي، إضافة إلى أهمية الميثاق في محاربة الإعلام الفوضوي البعيد من القواعد المهنية المتعارف عليها عالمياً وخصوصاً الإذاعات التي تنشئها جماعات إسلامية متشددة.
قباني أيضاً عضو "لجنة متابعة الميثاق" المؤلفة من أربعة أعضاء، تنحصر مهمتهم في متابعة الإذاعات الأخرى ودعوتها إلى التوقيع على الميثاق، إضافة إلى نشر محتوى الميثاق في وسائل الإعلام المختلفة. ويقول قباني أنه لا وجود للسلطة في عمل اللجنة ومهماتها التطوعية، معرباً عن أمله في زيادة عدد الإذاعات الموقعة على الميثاق من أجل تحويله إلى نموذج لوسائل الإعلام الأخرى على اختلافها.