"لا يمكن حصر كلفة الخسائر في الوقت الحالي"، يقول أحد أصحاب معارض السيارات الجديدة، في حديث لـ"المدن". ففي ظل استمرار الحرب "يستحيل إعطاء رقم دقيق، لأن المشكلة ليست فقط في قيمة السيارات المصابة بشكل مباشِر، بل أيضاً في قيمة التوقُّف عن العمل وفي تحديد قيمة السيارات بعد الحرب، إذ ستنخفض حكماً". وإذ يُفضِّل صاحب المعرض عدم الكشف عن اسمه، لعدّة أسباب "أوّلها أن الحديث عن خسائر السيارات مطلب مُخجِل أمام ما يدفعه الناس من خسائر في الأرواح، وكذلك بسبب عدم إثارة حفيظة الجهات التي يفترض أن تعوِّض علينا بعد الحرب، فنحن ننتظر أي تعويضٍ كان، حتى وإن لم يكن على قدر قيمة الخسائر الفعلية".
وبانتظار التعويضات، يصف صاحب المعرض حالة سوق السيارات بأنه "يتأرجح بين الشلل والموت تبعاً للمناطق اللبنانية. ففي المناطق الممتدّة من صيدا باتجاه الجنوب، هناك حالة موت فعلي لهذا القطاع. والقليل من أصحاب المعارض تمكَّنوا من سحب سياراتهم إلى مناطق آمنة. أما في المناطق الأخرى، فالقطاع مصاب بالشلل الذي تختلف نسبته كلّما ابتعدنا باتجاه بيروت وما بعدها".
وعن حالة الشلل، يوضِح نقيب مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزي، أن "الخسائر الناتجة عن شلل العمل في القطاع أكبر من خسائر السيارات التي تضررت بشكل مباشر، فالسيارات مكدّسة في المعارض ونسبة البيع صفر بالمئة". ويقول قزّي في حديث لـ"المدن" إن "الوقت كفيل بترتيب خسائر إضافية، فكل شهر يمرّ تنخفض قيمة السيارات، فضلاً عن تسجيل نفقات الإيجارات والعمّال".
وتقدِّر النقابة حجم الأضرار حتى الآن بـ"نحو 50 مليون دولار". وهذه التقديرات لا تنقل حجم الخسائر الفعلية، فالنقابة "لم تحصِ بعد أضرار المعارض في منطقة بعلبك والبقاع. ولذلك، قيمة الخسائر الفعلية أكبر بكثير". علماً أن التقديرات التي تبيِّنها النقابة، أتت "بالاستناد إلى بيانات المستوردين الذين أبلغوا النقابة عن عدد السيارات المتضرِّرة، والنقابة قامت بتقدير الخسائر وفق بيانات الاستيراد".
التخفيف من أثر الأزمة
الخجل من الحديث عن تعويضات عن السيارات في زمن الموت المتواصل، لا يلغي حق المتضرِّرين بالتعويض، سيّما وأن "الكثير من أصحاب المعارض باتوا نازحين، وبعضهم يدفع كلفة إيجار أراضٍ لركن سياراتهم فيها بانتظار انتهاء الحرب". لكن في ظل غياب الحديث عن التعويضات من قِبَل الدولة، يؤكّد قزّي أن النقابة "تقوم بتجهيز ملفات بالخسائر لتقديمها للهيئة العليا للإغاثة". ورغم ذلك، لا يعوِّل المستوردون على تعويضات كافية من الدولة، لذلك، يقترح قزّي إجراءات تطال الأكلاف التي يدفعونها في مرفأ بيروت، علّها تخفِّف أثر الأزمة. وبرأيه "يمكن أن تبدأ الدولة بتخفيض رسوم أرضية المرفأ التي يدفعها المستوردون لقاء إنزال سياراتهم في مرفأ بيروت. فلا يمكن إخراج السيارات فوراً من المرفأ، كما أن هناك بعض المستوردين كانوا قد طلبوا سيارات من الخارج قبل اشتداد الحرب، وتحتاج بين 3 إلى 4 أشهر للوصول إلى لبنان، ما يعني أنها ستعلق في المرفأ مع تلك الموجودة قبلها". ويستبعِد قزّي إيجاد حلول عن طريق تخفيض الرسوم الجمركية على الاستيراد "لأن هذا الخيار يحتاج لتعديلات في القوانين وجلسات لمجلس النواب، وهو أمر مستبعد في ظل هذه الأوضاع".
وبغياب الحديث عن التعويضات، لا يريد المستوردون "أكثر من قيمة السيارات بشكل مباشر، رغم أن الخسائر الفعلية أكبر بكثير"، لكن تجربة التعويضات مع الدولة غير مشجّعة، بالنسبة لقزّي الذي يلفت النظر إلى أن "قطاع السيارات دفعَ أثماناً كثيرة خلال الأزمة الاقتصادية في العام 2019، ولاحقاً في تفجير مرفأ بيروت وأزمة شلل البلد خلال انتشار فيروس كورونا، واليوم أتت الحرب لتزيد مستوى الخسارة. ولذلك لا ننتظر الكثير من الدولة".
لا آلية للتعويض حالياً ولا آلية للرقابة أيضاً، فأحقية الحصول على التعويضات، بغضّ النظر عن حجمها، لا يخلو من علامات الاستفهام حول كيفية التصنيف والتقييم، لاسيّما وأن التجارب السلبية موجودة في أكثر من مناسبة، وليس آخرها حرب تموز 2006 التي فاضَت بالمحسوبيات وبتضخيم قيمة الأضرار. وقطاع السيارات أرض خصبة للتلاعب، إذ أن السيارة المتضرِّرة، يُقبَض تعويضها، وتبقى في المعرِض لتُباع كقِطَع غيار، أو يُعاد إصلاحها إذا كان الضرر بسيطاً. على أن حسم الإجابة عن هذه التساؤلات يبقى باعتماد آليات شفّافة للإحصاء والتدقيق في حجم الأضرار ومستواها، على أن يترافق التعويض على أصحاب المعارض، أو يسبقه، التعويض على المواطنين من أصحاب السيارات الخاصة التي تضرَّرَت، فلا يكون هناك أي تمييز بين التجّار وباقي المواطنين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها