الأحد 2024/09/29

آخر تحديث: 10:35 (بيروت)

اغتيال نصرالله.. في بلاد الأحلام القتيلة

الأحد 2024/09/29
اغتيال نصرالله.. في بلاد الأحلام القتيلة
عمل مقاومة دائمة ضد إسرائيل حتى تحرير القدس والصلاة فيها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
لبنان حديقة الأحلام السياسية ومقبرتها في آن، فضاء التيارات الأيديولوجية والافكار والطوائف وساحة أو مسرح الاغتيالات والقتل. وكثيراً ما كان يُنظر إلى لبنان باعتباره مكان تدبير المؤامرات والانقلابات في الصالونات والمقاهي، وينتج زعماء لهم أصواتهم وجمهورهم وأدوارهم، التي ربّما تتخطى وطنهم وحدودهم وتتصادم مع أطماع الدول الكبرى أو الإقليمية وأحيانا تتقاطع معها..

في الأربعينيات مع صعود موجة القوميات الأوروبية وعلى إيقاعها العربية والمشرقية، برز "الزعيم" أنطون سعادة، طوباوياً حالماً داعياً إلى القومية الاجتماعية السورية، حظي بجمهور عريض، مشروعه أو حلمه دفعه إلى الاصطدام ببنيان الدولة الطائفية، لجأ إلى سوريا كمكان آمن، لكن تقاطع المصالح بين حسني الزعيم وزعماء الطوائف اللبنانية، جعله يكون الضحية، أعدم أو اغتيل في العام 1949، وبقي بالنسبه لجمهوره "المنقذ" و"المخلّص".
في العام الذي أعدم فيه سعادة دخل كمال جنبلاط مسرح السياسة اللبنانية المليء بالتناقضات. كان لبنانوياً ثمّ عروبياً ومناصراً لفلسطين، ومن سلالة إقطاعية يحمل شعارات اشتركية، وكان علمانياً وزعيماً درزياً، اختار  أن يكون في "الحزب التقدمي الإشتراكي" الذي أسّسه مع لبنانيين آخرين استهوتهم أفكاره وتوجهاته، واختار أيضاً أن تكون "الحركة الوطنية" الإطار الأوسع الذي يضم أحزاباً وشخصيات تنادي بالتغيير في لبنان في مواجهة "الجبهة اللبنانية" اليمينية المسيحية. ذهبت أحلامه إلى المطالبة بالاصلاح وتغيير النظام وإسقاط "الطائفية السياسية"، بالقوّة والسلاح، عبر ميليشيات تلك "الحركة الوطنية" والمنظمات الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، أو ما سمي "القوات المشتركة". بدأ الخلاف مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عندما تقدمتْ "القوات المشتركة" إلى معاقل الأحزاب المسيحية، ما جعل الزعماء الموارنة يستنجدون بحافظ الأسد، الذي دخلت قوات ردعه لبنان، وفي خطاب ماكر قال إن "جنبلاط يرفع شعارات العدالة والتقدمية زوراً، لأنه في حقيقة الأمر هدفه الانتقام من المسيحيين". كانت أحلام جنبلاط وأفكاره وتحالفه مع عرفات مزعجة لأطماع الأسد، الذي انتظر نظامه لحظة التخلي الإقليمية المناسبة للانقضاض واغتيال جنبلاط في 16 آذار 1977.


بعد اغتيال جنبلاط بعام، فقد لبنان حالماً آخر، الشخصية الدينية اللبنانية الشيعية البارزة الإمام موسى الصدر، الذي وصل إلى لبنان في آواخر الخمسينات من قم الإيرانية. كانت مسيرته حلماً لجماعته وناسه. يقول المفكر اللبناني "المتأمرك" فؤاد عجمي: "في أقل من لمح البصر، برز الرجل المولود في قم في لبنان. مع أنه لم يكن هناك حاجة لبذل مجهود كبير للصنع من الأمام موسى الصدر الشخص الذي لم يكن هو. في نواح عديدة كان الامام موسى حلم مخرج سينمائي لشخصية موضع إعجاب يقارب العبادة". وفي شخصية الصدر شيء من الأسطورة والحلم الشعبي، شيء من القوة والسلاح، شيء من السلم والتعددية، في 31 آب 1978 اختفى الإمام الصدر في ليبيا. ليس هناك وضوح جلي حول الجهات التي تخوفت من مشروع- حلم موسى الصدر في لبنان وطرقه في جذب الناس حوله، لكن المؤكد أن إخفاءه أو اغتياله نفّذه النظام الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي، وتزامن مع عودة الزعيم الديني الشيعي الإمام الخميني إلى طهران وسقوط نظام الشاه. 

وفي مرحلة اغتيل كمال جنبلاط واختفى الإمام الصدر كان بروز الرئيس بشير الجميل. من البداية شكل حالة معاكسة للتقليديين في حزب الكتائب، كان مندفعاً إلى السلطة والقيادة، ومحارباً للتسويات. أسس "القوات اللبنانية"، خاض مع حزبه، معارك دموية ضد المقاتلين الفلسطنيين، وضد الأحزاب المسيحية، وضد القوات السورية، "خاض أطول انقلاب في لبنان"، كبر اسمه، صار أكبر من نفسه، لم يعد قادراً على تحمل مغامراته وتحالفاته، بين أحلاف وأساطيل وامتدادات اقليمية وأطماع خارجية وتعقيدات داخلية وإسرائيل، وفي 14 أيلول 1982 اغتيل الجميل بعد 21 يوماً على انتخابه رئيساً. ولم يكن الاغتيال إلا نتيجة صراعات وعواصف كثيرة هبت على لبنان من اسرائيل إلى سوريا، ومن أميركا إلى الاتحاد السوفياتي. حينها دخل الحالم الآخر رفيق الحريري بقوة إلى الساحة اللبنانية. كان لبنان مفككاً ومدمراً، واستمرّ التدمير حتى اتفاق الطائف والهيمنة السورية على لبنان. وفي بداية التسعينيات، بدأ مشوار صعود رفيق الحريري السياسي وحلم الإعمار. وفي الوقت نفسه كان بدأ مشوار صعود "حزب الله" وحلم التحرير. قوتان، الأولى اقتصادية والثانية أمنية عسكرية. كان دخول رفيق الحريري إلى اللعبة السياسية هادئاً ومحاطاً بالكثير من الاحتضان العربي والأجنبي. لكنّ النظام الأسدي عمل دائماً على احتوائه ومحاصرة "أحلامه" سواء في منعه من الوصول إلى طرابلس، أو في انتخاب إميل لحود رئيساً للجمهورية لمواجهته. عام 2003 دخلت أميركا العراق لإسقاط نظام صدام حسين. أمور كثيرة تبدلت، استفادت إيران كثيراً من الفوضى وتمدّدت، وكان "العقل" الأمني في سوريا ولبنان يتنامى، الذي لم يحتمل طموحات الحريري وعلاقاته الدولية ودوره. وفي خضم الصراع بين المشروع الاقتصادي والمشروع الأمني، بدأ عام 2004 التخطيط لاغتياله. ونفذ هذا الاغتيال في 14 شباط 2005. وشاء الواقع المستجد أن يبرز بقوة أكثر من اللازم، شخص الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، فالرجل المولود في بداية الستينيات، وكان في حركة "أمل" في بداية الثمانينيات وانشق عنها بسبب الخلاف على طرق محاربة إسرائيل، كان حلمه الأساسي وتوجهاته إقامة الجمهورية الإسلامية (وهو مشروع مؤجل) ومقاومة إسرائيل الدائمة حتى تحرير القدس والصلاة فيها. تولى الأمانة العامة للحزب عام 1992 بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي، وخاض حروباً طويلة إعلامية وعسكرية حتى انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000. ولم يتوقف مشواره هنا، بل خاض "حرب تموز" 2006، وقال "ولى زمن الهزائم". أخيراً كانتْ مشاركة حزبه في حرب الإسناد لغزة في فلسطين بعد عملية "طوفان الاقصى" تحت شعار "على طريق القدس"، والتي اعتبرها الاحتلال الاسرائيلي تهديداَ وجودياَ له ولكيانه.
كل الاغتيالات التي أوردناها أو ذكرناها، كانت صادمة عاصفة ومربكة، ولم يصدقها الجمهور بل أصابه الذهول والهلع. والشخصيات صنفت في خانة المنقذ ومشروع الدولة وحلم الجمهورية، وشكل اغتيالها نقطة تحوّل في لبنان وحتى الشرق الأوسط والعالم. طي صفحة، لم تجلب للبنان إلى مزيداً من الركام والردم والخراب والتهجير. وهذه عينة من الاغتيالات الكثيرة التي تحصل في لبنان وتحمل رسائل سياسية في اتجاهات مختلفة منذ 1958 واغتيال نسيب المتني ومروراً باغتيال كامل مروة على يد أعوان المخابرات المصرية وغسان كنفاني على يد المخابرات الاسرائيلية إلى المفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض على يد المخابرات السورية...الخ.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها