الثلاثاء 2024/09/24

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

الوطن القتيل..الوطن النازح

الثلاثاء 2024/09/24
الوطن القتيل..الوطن النازح
اثار الدمار في بلدة النميرية جنوبي لبنان (المدن)
increase حجم الخط decrease
سقط ما يُسمى بـ"قواعد الإشتباك". بين اللعب والجد ووحدة الساحات، وربما وحشتها، وجولات أموس هوكشتاين وصولاته "وتخديراته" بحسب توصيف وليد جنبلاط، ونكات المسؤولين واستهداف السيارات والدراجات النارية والمنازل والمزروعات، وإطلاق الصواريخ والمسيرات، وقصف القنابل الفسفورية، وتنظيرات الياس حنا. في خضم هذا كله، سقط أكثر من 500 شهيد... 
 
سقط ما يُسمى بـ"قواعد الاشتباك" نحو "الحرب المفتوحة"... مئات الغارات الإسرائيلية ومئات القتلى والجرحى في يوم واحد. صار القتلى–الشهداء مجرد عدد في وسائل الإعلام ووزارة الصحّة، عدد بلا أسماء بلا هويات. المعطيات كلها كانت تشير الى أن الاستعصاء في الدبلوماسية سيوصل إلى الحرب الشاملة. لا ندري إذا كان بعض المسؤولين ينتظرون "أخلاق" نتنياهو. ذلك أن دخول الحرب سهل، لكن من الصعب الخروج منها. الرؤوس الحامية لا تتنازل، لا تقدر على التنازل، وليس في يدها التنازل. أمام المشهد الناري والملتهب في لبنان، يقول الإيراني إنه لا يريد الحرب، يؤجل الرد حالياً. شعراء الممانعة يطلقون قصائد الامتعاض، وفنان المرابع الليلية يقول "إن الذين تخلوا عن الحسين بالأمس، يتخلون عن حسن نصرالله اليوم". الرئيس الإيراني يتودّد للأميركيين ويتحدث عن علاقات أخوية معهم، يتودّد "للاستكبار"، "للشيطان الأكبر" على وقع حرب الشيطان الأصغر. الدبلوماسية الإيرانية تعلن استعدادها دخول مفاوضات نووية في نيويورك... 
 
وأمام المشهد المقلق في لبنان، وقبله قطاع غزة وفلسطين، نحن أمام شارونية جديدة (نسبة المجرم إلى أرييل شارون)، أو نيو هتلرية بتعبير الصديق أحمد شومان. همجية موصوفة ومتقنة، مئات آلاف النازحين والفارين من جحيم الطائرات والصواريخ وحتى مستودعات الصواريخ. في الأصل لبنان ساحة للنازحين واللاجئين، من عشوائيات الفلسطينيين إلى خيم الملايين من السوريين وما بينهم، أو حدهم ومعهم. النازحون بسبب الفقر والوضع الاقتصادي والفاقة عند أطراف المدن. لا ضير في أن سياسة الدولة على مدى عقود، انتجت نزوح الفقراء وربما المعتدين على المشاعات، والذين أنتجوا أحزمة بؤس إضافية حول المدن وعلى ضفاف مجاري الأنهر. وحزب الله، بزعم حماية المراقد الدينية وأمور أخرى، كان شريكاً أساسياً في تهجير السوريين إلى لبنان والخارج. الماضي لا يمضي. حل "مشكلته" في سوريا وجلب مشكلة اللاجئين إلى لبنان.

والإسرائيلي، بزعم أن فلسطين "أرض الميعاد"، كان مسؤولاً مباشراً عن تهجير الفلسطينيين إلى لبنان وبلدان أخرى واحتلال أراضيهم وبيوتهم وتراثهم، وما زال يخطط لتهجير مَن تبقى. عنصري في الأساس ويعيش فوبيا الديموغرافيا. وكل نزوح أو تهجير يجلب معه مشاكله وتداعياته. لا انفصال بين الحرب الأهلية ولجوء الفلسطينيين، ولا انفصال بين انقسام البلد ونزوح الجنوبيين والبقاعيين في حروب سابقة. ليست المشكلة في النازحين واللاجئين بالطبع، المشكلة في الاحتلال والسياسية المتبعة من بعض القادة.

الأصوليات الدينية بكل أشكالها وألوانها، لا تأبه لنتائج الحروب، لا تفكّر. الأصولية اليهودية تعتاش على الحروب الدائمة وتنتج قادتها وغلاتها من الحروب والمجازر، من مناحيم بيغن إلى بنيامين نتنياهو، ومن إسحق شامير إلى آرييل شارون. وتعيد تكوين إيديولوجيتها التوراتية من "الحروب المقدّسة". والأصوليات الإسلامية بلا استراتيجيات. تفتح حروباً بلا حسبان للنتائج، بلا ملاجئ لحماية المواطنين، بلا خطط طوارئ. وهي تدرك أن علاقتها بالدول المساعدة ليست في أحسن حال. تأخذ الأمور على عاتقها ومشيئتها "القدرية"، تقدّم التضحيات الكبيرة، خيرة الشبان، لديها قدرة على الولاء وصناعة الولاء والتحشيد، تروج ثقافة الفداء، تخوّن مَن يعترض عليها بلا مبرر فعليّ، تلقنه درساً في الوطنية. تراكم انتصارات مجازية وافتراضية وعبارات لفظية، وإن انعكست سلباً على العيش الداخلي ومفاصل الحياة.

ليست الأصولية الإسلامية في خدمة الواقع الداخلي للبنان، بل هي جزء من إيقاع إقليمي ومشروع إقليمي فيه الكثير من الطوباوية والبراغماتية والميتافزيقية. خاض حزب الله حرب مساندة وإسناد لغزة، وانتهت الأمور بأنه يحتاج مَن يسانده الآن، بقي وحيداً في الميدان، في المعركة. هُجّرت العائلات من القرى والبلدات والمدن. ازدحمت الأوتوستردات بسيارات الهاربين والعطشى والتائهين. صُور محزنة. أناس يخرجون من بيوتهم تحت القصف، في بلد يذهب نحو المجهول والفوضى والضياع، ربما يفترشون الطرق والأرصفة وشاطئ البحر.

يتبجح نائب بأن الجنوبيين اعتادوا النزوح. بعض أصحاب الشقق المعروضة للإيجار لم يرحموا، ولم يتعاطفوا، ربما في بالهم وقائع ما حصل في الحروب السابقة. جزء كبير من اللبنانيين هبوا للمساعدة والإيواء، بعض المناطق بشّر بتفكيره الفيدرالي، ومناطق أخرى استقبلت النازحين بالحلوى. عواطف فلسطين وزمن الحرب غطت على مكائد الأمس. الشارع في العموم جزء من السياسة والعواطف. الانتهازيون لهم حضورهم، باعة الماء في الطريق استغلوا العطشى.

عاد الوطن إلى مرحلة "النكبات المستمرّة" وتأمين المعلبات والحرامات ومركز النزوح والمدارس وعلب الدواء والحليب. عاد لبنان إلى علب السردين والحفاضات وفقدان الخبز وطوابير البنزين والمدارس المعطّلة. عاد اللبنانيون لمشاهدة "شوط" جديد من حرب إقليمية مدمّرة وفتاكة لا تني تتكرّر، توسّع المقابر والخراب وتحصد مزيداً من التصدع والتشقق في زمن موت السياسة وتلاشي القادة الوطنيين... والله يحمي اللبنانيين جميعاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها