الثلاثاء 2024/11/19

آخر تحديث: 14:47 (بيروت)

إغلاق مصنع "سايبا" الإيراني بحمص.. العلاقات ليست بخير

الثلاثاء 2024/11/19
إغلاق مصنع "سايبا" الإيراني بحمص.. العلاقات ليست بخير
مصنع "سايبا" شهد فترات طويلة من توقف الانتاج (انترنت)
increase حجم الخط decrease
على وقع الزيارات الإيرانية المُغلّفة بالبعد السياسي والعسكري إلى سوريا، قبل أيام، مرّرت طهران رسالة اقتصادية، تشي بأن علاقة طهران-دمشق ليست على ما يرام، وتكشف جلياً أحدث فصول مناورات نظام الأسد، لإبعاد طهران عن القطاعات السيادية السورية، وحصرها في أخرى، وبالتالي منع ترسيخ وجودها الاستراتيجي.
وتلك الرسالة الإيرانية جاءت على لسان الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة الإيرانية- السورية، سعيد عارف، وفحواها بأن الحكومة الإيرانية قررت إغلاق مصنع سيارات "سايبا"، في المنطقة الصناعية في حسياء بحمص، كاشفاً عن وجود مصانع أنشأنها إيران في سوريا، إلا أنها لا لم تعمل حتى الآن. وعلّل الإغلاق بوجود "مشاكلات لم تُحل بين البلدين".

مصنع "سايبا"
وتعود فكرة مصنع "سايبا" إلى العام 2004، على عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي. وأبصر المشروع النور في نهاية العام 2007، بتشغيل خط إنتاج سيارات "برايد" ضمن شركة حملت اسم "سيڤيكو". وجرى ذلك حينها ضمن حفل رسمي حضره رئيس النظام السوري بشار الأسد، بينما حضر وزير الإسكان الإيراني في ذلك الوقت، محمد سعيدي كيا، من جانب إيران.
وآنذاك، قُسّمت أسهم الشركة بواقع 80% لشركة "سايبا"، و20% للحكومة السورية، مع قدرة إنتاجية تستهدف إنتاج 15 ألف سيارة سنوياً، و10 سيارات في اليوم الواحد. وقُدرت كلفة المشروع بـ50 مليون دولار.

مؤشر سياسي
ويوصف مشروع "سايبا" بأنه دُرّة الأحلام الاقتصادية الإيرانية للتوسع خارج الحدود، وذلك ما دفع بطهران إلى الاستمرار العمل به على الرغم من إنتاجه غير المُستدام، قبل أن تندلع الثورة السورية في 2011، وتزيد من فترات الإيقاف وضعف الإنتاج إلى الحدود الدُنيا.
وشكّل انخراط إيران إلى جانب النظام السوري في الحرب ضد معارضيه، ربطاً وثيقاً للعلاقة الاقتصادية، بالعلاقة العسكرية-السياسية، ذلك أن المليارات التي دفعتها طهران للدفاع عن نظام الأسد، ليست هبات، إنما ديون تريد تحصيلها عبر مشروعات اقتصادية في سوريا، حسبما أكد سابقاً، النائب السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بیشه.
ويمكن القول إن العلاقة الاقتصادية تُعد مؤشراً لقوة العلاقة السياسية بين الجانبين. وتحدثت عدة تقارير عن سوء العلاقة السياسية بين دمشق وطهران، رغم نفي الأخيرة، بالتزامن مع ما يجري لبنان وغزة. ويقرأ كثيرون بزيارة كبير مستشاري المرشد على خامنئي، علي لاريجاني، ووزير الدفاع عزيز نصير زاده، إلى دمشق، انعكاساً لذلك.
ويرى الباحث والخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر أن إغلاق مصنع "سايبا"، يُعد مؤشراً سياسياً أكثر منه اقتصادي، "فهو دليل على أن الخلاف وصل لمراحل متقدمة، وبات يخرج للعلن". 
ويقول السيد عمر لـ"المدن"، إن السيطرة الاقتصادية الإيرانية لم تعد الأهم، ففي حال انتهى وجودها العسكري في سوريا، ستنتهي الطموحات الاقتصادية كتحصيل حاصل، وهذا ما يقلق طهران. ويتوقع أن تزداد الخلافات بين الجانبين، وستظهر للعلن بشكل أكبر خلال الفترة القادمة، لافتاً إلى أن "حلف إيران يمر بأسوأ حالاته".

مناورات الأسد
والحال أن سماح الأسد بتمدد إيران عسكرياً في سوريا، قابله بمناورة لصد التمدّد الاقتصادي وإغراقه بالبيروقراطية. وما تأكيد المسؤول الإيراني عن وجود مصانع إيرانية لم تبصر النور في سوريا، إلا تأكيداً لذلك. ويمكن قراءة التجسيد العملي بإغلاق شركة "سايبا" ومراوحة بالمكان لمشروع "وفا تيليكوم" للاتصالات، على الرغم من الإعلانات المتكررة عن قرب تشغيله.
ويرى مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" كرم شعار، في حديث لـ"المدن"، أن إغلاق المصنع هو عكس صورة كبرى لسياسة الأسد بإبعاد إيران عن المشاريع السيادية السورية، وتأجيل تقديم التنازلات لذلك قدر الإمكان، مثلما فعل بعدم منحها استثمار ميناء اللاذقية، وكذلك ينسحب الحال على مراوحة مشروع "وفا تيليكوم". ويوضح أن طهران تريد من تلك المشاريع ترسيخ وجودها الاستراتيجي في سوريا.
من جانبه، يؤكد الباحث في الاقتصاد السياسي والمحليات في مركز "عمران" للدراسات أيمن الدسوقي، أن الاستثمارات الإيرانية تواجه تعقيدات كبيرة، ترتبط بحالة الاقتصاد السوري المتدهورة، وبالبيروقراطية والفساد والمحسوبيات وغياب الأمن، وكذلك المنافسة من نخب النظام الاقتصادية.
ويقول الدسوقي لـ"المدن"، إن النظام السوري كان يمنح إيران امتيازات تتعلق بالموارد الطبيعية ومشاريع كبرى اقتصادية، ثم يتراجع عنها تحت حجج عدة ليمنحها لأطراف أخرى، كنوع من الضغط عليها، مرجحاً أن الأسد لا ينوي توجيه ضربات للمشاريع الإيرانية لدفعها للخروج من سوريا كلياً، إنما يريد حصر إيران بقطاعات دون أخرى. 
ويرى أن إغلاق "سايبا" ناجم عن عدم الجدوى الاقتصادية لإعادة تشغيله، بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفته مؤخراً، إلى جانب تخوف القائمين عليه من استهدافه مرة أخرى من قبل إسرائيل، كما يرجّح وجود ضغوط من النظام السوري بعدم تشغيله مجدداً، خشية تأثر بقية منشآت منطقة حسياء الصناعية بالتهديدات الإسرائيلية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها