اكتنف الغموض، الخبر المقتضب، الذي بثته شبكة "سي إن إن" مساء الأربعاء عن الاشتباك بين إحدى القطع البحرية المصرية ومهاجمين من عدد من القوارب أمام سواحل مدينة دمياط، على رأس مصب الفرع الشرقي من النيل. أثيرت الشكوك حول مبالغات في الرواية الرسمية لهجوم قوات خفر السواحل على مهربين، أو اعتدائهم على قوارب تحمل مهاجرين غير شرعيين، حيث من المعتاد أن يحتكر الجيش الرواية الأحادية عن الأحداث التي يكون طرفاً فيها.
تواصلت "المدن" مع مصادرها في القوات البحرية المصرية، فحصلت على رواية كان من الصعب تصديقها وكان لابد من التحقق منها، ثم تناقلت المنتديات الجهادية رواية مشابهة لها تماماً مع تقاطع في التفاصيل من دون تطابق. وبحسب المصادر من قاعدة بورسعيد البحرية، فإن قائد اللنش المقاتل "6 أكتوبر"، الضابط أحمد عامر، قد أخفى فيه خمسة أشخاص قبل الإقلاع من قاعدة دمياط العسكرية. وبعد تحرك اللنش بقليل، قام قائده بمعاونة الخمسة المتسللين بتصفية الطاقم كاملاً بضباطه وجنوده. حين ظهر وصول اللنش إلى المياه الإقليمية على رادار القاعدة، حاولت مراقبة القاعدة التواصل معه عبر اللاسلكي بالنداء على القارب باسمه، "6 أكتوبر"، فكان الرد الصاعق بأنه ما من "6 أكتوبر"، بل هو "لنش دولة الخلافة الإسلامية".
تضيف المصادر: "فور سماعهم كلمة الدولة الإسلامية تم إرسال لنش مقاتل مماثل للمخطوف، يسمى "25 أبريل"، لكن أحمد عامر كان يعرف أن هذه القطعة مصابة بعطل في مدفعها، فلما رآها بدأ الاشتباك معها". وحين عجز الإمداد البحري عن ملاحقة اللنش المختطف لابتعاد المسافة، أرسلت القاعدة طائرات مقاتلة من طراز "إف – 16" تتعقبه في المياه الإقليمية، فحاول لنش "6 أكتوبر" المختطف صد هجومها بمدافعه المضادة للطائرات، لكن الطائرتين نجحا في تدميره. استمرت الاشتباكات من الساعة 9 إلى الساعة 10:30 صباحاً، ثم وصلت القطع البحرية الأخرى وبدأت في انتشال الجثث والبحث عن المفقودين، كما تم قصف ثلاثة مراكب للصيد واعتقال من فيها، حيث بدأ التلفيق يأخذ مجراه.
حاولت "المدن" تعقب صلة الحادث بتنظيم الدولة الإسلامية عبر مصادرها المقربة منه، فحصلت على رواية ما لبثت أن انتشرت ظهر الخميس في المنتديات الجهادية على الإنترنت، تلك التي لا يسمح فيها بالعضوية إلا بالتزكية الجماعية. وبحسب رواية الجهاديين، فإن مجموعة مصرية مبايعة لأبي بكر البغدادي قد خططت لما أسموها "غزوة بحرية" بالتعاون مع النقيب أحمد عامر، حيث سيطروا على بقية أفراد الطاقم المكون من ضابط برتبة ملازم و8 من صف الضباط، بخلاف قائد اللنش المنشق والجنود. قام أحمد عامر بتهريب الجهاديين الخمسة ليل الثلاثاء وإخفائهم في اللنش، الذي تحرك قبيل منتصف الليل وتمت السيطرة عليه فجر الأربعاء.
في الرواية، التي نُشرت لاحقاً على لسان الإعلامي المناصر للدولة الإسلامية، "أبو أمينة الأنصاري"، يزعم جهاديّو "داعش" أن الهدف القتالي من العملية كان مزدوجاً؛ فأرادوا البداية بقصف زورق بحري آخر زعموا أنه ينقل 200 جندي إلى سيناء كبديل للطرق البرية غير المؤمّنة، ثم التوجه باللنش المختطف لمهاجمة لنش حرس حدود إسرائيلي بهدف اختطاف طاقمه للتفاوض بهم على إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال. وكان الاسم المفترض لهذه العملية هو "غزوة البنيان المرصوص لنقض التحالف المنجوس".
ذكرت رواية "أبو أمينة الأنصاري" اسم اللنش واسم قائده قبل أن تتداولها أية وسيلة إعلامية، في تطابق مع رواية مصادر "المدن" في البحرية المصرية التي حصلت عليها بعد ساعتين من بث الخبر المقتضب. اختتم "الأنصاري" روايته بحديثه عن مقطع فيديو سجّله المهاجمون قبل الذهاب إلى العملية، وزعم بأنهم فشلوا في تسجيل فيديو آخر وإرساله من اللنش بسبب انقطاع شبكات الاتصالات. لم ينقضِ ليل الخميس حتى انتشر الفيديو الذي يظهر فيه خمسة من الملثمين في بنية جسدية مفتولة، حيث ألقى أحدهم بياناً أمام رايات الجهاديين، معلناً أنه في وقت بث هذا الفيديو سيكون المهاجمون قد استولوا على قطعة بحرية لما أسموه "جيش الردة"، وأنهم قد اختطفوا الإسرائيليين للتفاوض بهم على الأسيرات. وهي الخطة التي يبدو أنها قد فشلت بسبب عدم توقعهم التعامل السريع معهم بالطيران الحربي.
تناقلت وسائل الإعلامية المصرية محتوى الفيديو بشكل غير مفهوم، حيث اجتهد كل موقع إخباري في فهم الفيديو بطريقته من دون وضعه في سياق رواية "أبو أمينة الأنصاري". وقد حاولت "المدن" اختبار بعض ما ورد في روايته، فوصلت إلى مصادر قريبة من أحمد عامر، وقد أكدت المصادر أنه كان يواظب على الصلاة في أحد المساجد السلفية في شرق الإسكندرية. كما أكدت مصادر مطلعة في قاعدة رأس التين البحرية، مقر قيادة البحرية المصرية، أن أحمد عامر مفقود ولم يجدوا جثته، وأنهم في الأغلب سيعلنون استشهاده مع بقية الطاقم. أضافت المصادر بأن هناك حالة عارمة من الارتباك في القوات البحرية خصوصاً، وفي قيادة الجيش عموماً، وأن التضارب في الأخبار والتصريحات والتسريبات ناتج عن عدم اتفاق القادة على طريقة للتعامل مع الأزمة، مع توجس العديد منهم خوفاً من تسريحه من الخدمة بسبب هذا الاختراق النوعي.
وعلى صعيد آخر، احتشد أهالي صيّادي دمياط المعتقلين، مؤكدين أن مراكب الصيد الثلاثة، التي تم قصفها وإغراق أحدها، كانت في البحر منذ بضعة أيام، وأن طواقمها من صيّادين وفنيين معروفين بالاسم لدى الأهالي والسلطات. جدير بالذكر أن مراكب الصيد لا تخرج من "البوغاز" إلى البحر إلا بعد تفتيش وتصريح من السلطات البحرية المصرية، وأن المراكب الثلاثة مملوكة لصيادين من "عزبة البرج"، وهي القرية المعروف ولاؤها الجارف للجيش وعدم وجود متشددين إسلاميين فيها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها