يشتعل الشارع اللبناني بالتحركات التي تثبت يوماً بعد يوم أنها إمتداد لبعضها البعض، بينما تشكل وسائل التعبير عن السخط مما آلت إليه الأمور في ملف النفايات القاسم المشترك بينها.
اليوم تجمع مواطنون، أغلبهم من الشباب، أمام السرايا الحكومية بناءاً على دعوة حملة "طلعت ريحتكم". سرعان ما تحول الإعتصام الى تظاهرة انطلقت نحو أسواق بيروت، لتعود الى السرايا، من ثم الى ساحة الشهداء، حيث أقفلت الطرق بين بشارة الخوري ووسط المدينة ذهاباً وإياباً.
مطالب الحملة واضحة: "طريقة مستدامة لمعالجة النفايات، فرزها من المصدر، ومعالجتها في مراكز متخصصة في كل قضاء". يوضح أحد منظمي الحملة عماد بزي لـ"المدن" أنهم من جهتهم "يعتصمون للمطالبة بمحاسبة الشخص الذي يثبت تقاعسه في موضوع النفايات، لأنها تمس بنا وبصحتنا". في المقابل، "لا نستطيع أن نحدد سقفاً مطلبياً للناس، وكل من يشعر أنه مغبون من أي قضية له أن يشارك ويتكلم عنها". يبرر بزي تعدد الشعارات والإختلاف على مستوى الطروحات داخل الإعتصام بـ"أداء الحكومة السيىء الذي لم يترك للصلح مطرحاً، وذلك على المستويين السياسي والإقتصادي وعلى مستوى إدارة أزمة النفايات".
ثلاثة لاءات رفعتها الحملة: "لا للطمر، لا للحرق، لا لردم البحر". أما المتظاهرون الآخرون فإكتفوا بـ"لا" واحدة: "لا لبقاء الحكومة"، ومطالبين بـ"إسقاط النظام"، و"إسقاط حكم المطمر".
يتجمع المتظاهرون خلف سياج شائك يفصل بينهم وبين القوى الأمنية مع تعزيزات من فوج الإطفاء بالدرجة الأولى، وبينهم وبين السرايا بالدرجة الثانية. "إرحل" هو الهتاف الموجه الى الرئيس تمام سلام، لمطالبته بالإستقالة. أما القوى الأمنية فيسائلها المتظاهرون بسخط عن سبب حمايتها لزعامات "يرسلونهم إلى الموت، بينما يمتنعون هم عن القيام بأبسط أدوارها". هنا يحصل تضارب أول في المواقف: "لا لا يا شباب نحن كلنا مع الجيش اللبناني"، يقول أحد منظمي الحملة عبر مكبر الصوت.
"إنزل على الشارع"، أو حتى عن "البالكون" كلها صرخات رفعها المتظاهرون ليطالبوا المواطنين الآخرين بالتفاعل مع قضاياهم. كثر أخرجوا رؤوسهم من النوافذ، أو وقفوا على الشرفات يصورون أو يكتفون بالمشاهدة. البعض أبدى حماسة ودعماً، وقلة نزلت عن الشرفات الى الشارع، من دون أن تنضم بشكل فعلي الى الحراك.
"هاي بيروت مش سوليدير"، هتاف علا أمام أسواق بيروت. لم تُقص النفايات عن المطالب التي توسعت لتشمل إستعادة المدينة وتنقيتها من الفساد/ النفايات. فـ"على المجلس"، أي مجلس النواب، يريد المتظاهرون أن يدخلوا. وساحة النجمة "المحتلة"، التي يحول عناصر الجيش والدرك بينها وبين المتظاهرين، "ساحتنا".
عند ساحة النجمة إستطاع المتظاهرون إغلاق الطرقات. وهم أرادوا أن يحثوا الناس على المشاركة والمطالبة بما يُعتبر ضمن أبسط حقوقهم. هذه الخلفية لم تكن كافية بالنسبة لكثر، فعبر البعض عن إستيائه، بينما إكتفى آخرون بإلتزام تعليمات القوى الأمنية والعودة.
يصادف بين العالقين في الزحمة أحد المياومين لدى شركة كهرباء لبنان. يعبر الأخير لـ"المدن"، في تعليقه على قطع الطرقات، عن تفهمه لأوجاع ومطالب المتظاهرين، وأن لهم الحق بالمطالبة، ولكن "مش على حساب الناس". ألم يقطع المياومون الكهرباء سابقاً عن الناس؟ "بلى، كان لنا مطالبنا"، يقول المواطن/ المياوم.
إنتهى قطع الطرقات قرب ساحة الشهداء على خلاف تنظيمي. فحملة "طلعت ريحتكم" الداعية للإعتصام، ترفض الإنتقال الى شوارع المدينة الأخرى. أما المتظاهرون الآخرون فقد تمسكوا بضرورة تمدد التحرك إلى أحياء أخرى. هكذا، كانت الحمرا الوجهة الأخيرة. هناك رُميت النفايات على مدخل مصرف لبنان، بما يعنيه ذلك من رفض للنظام الإقتصادي المحكوم من قبل المصارف بشكل عام. لينتقل المتظاهرون بعد ذلك الى قطع شارع عبد العزيز، ومن ثم الى شارع بلس في الحمرا.
حملة "طلعت ريحتكم" سارعت الى التنصل من توجه المتظاهرين إلى الحمرا. كتبت عبر صفحتها على الفايسبوك "تحرك مجموعة طلعت ريحتكم إنتهى بعد قطع الطرقات لبعض الوقت كخطوة أولى تحذيرية، نعلن بعدها عن تحركات مقبلة...".
"شؤون اجتماعية"
خلال ساعات من التظاهر، إلتزم المتظاهرون السلمية، فلم يعتدوا على أي من السيارات خلال قطعهم للطرقات. كل ما في الأمر أنهم باتوا يرفضون الحالة التي وصلت اليها أحوالهم الاجتماعية والإقتصادية والسياسية والبيئية.
خلافاً لذلك، أكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"الوكالة الوطنية" تعرض "سيارته" للإعتداء، بالإضافة الى التطاول عليه بالكلام من قبل المتظاهرين، مضيفاً ان "هؤلاء ليسوا بمعتصمين، وهم فقط نحو 15 شخصاً وليست لهم أي قاعدة، ولم يعتدوا عليّ فقط بل على المارة أيضاً، وهي عملية تخريب".
من بين المعتدين تعرف درباس على طارق ملاح. الشاب الذي لم يمل من مطالبة وزارة الشؤون الاجتماعية بإتخاذ إجراءات تحمي أطفال دور الرعاية من الإعتداءات. ولم يمل درباس، في المقابل، من توجيه إتهامات مختلفة لملاح. فهل يُصفّى "الحساب" مع ملاح اليوم لدى فرع المعلومات الذي ألقى القبض عليه؟
وفي هذا الإطار، أعطى المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود توجيهاته الى النائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبو حيدر والى شعبة المعلومات وقوى الأمن الداخلي، بإجراء التحقيق سريعاً في شأن حادث الاعتداء على سيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس والتهجم عليه وتهديده أثناء مروره في محلة السبيرز، مطالباً بتوقيف المعتدين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها