من يدفع لكي يمضي ليلة في سجن إنكليزي؟ أو يسافر إلى أقاصي السويد وكندا ورومانيا لكي ينام في "مجمدة"؟ ثمة فنادق اختار أصحابها لتشييدها أماكن لا تأتي في بال أو خاطر. نأتي على أمثلة، وحسب:
في سجن
باتت مطاعم فندق "مالميزون Malmaison"، في أكسفورد (إنجلترا)، من أشهر عناوين المدينة. فالفندق يشغل مبنى سجن سابق، حُولت زنزاناته إلى 95 غرفة وجناحاً، بمستوى خدمات مُضاهٍ للفنادق الجيدة. لكن، ليس هناك حراس، ولا تعداد صباحي للمساجين، ويمكن الدخول والخروج في أي وقت. رغم ذلك، لابد أن تأتي أفكار سوداوية في خلد من ينام في غرفة يعلم يقيناً أنها كانت زنزانة، وأن مجرمين ومنحرفين وجانحين أمضوا سنوات فيها.
في "حطام" طائرة
في كوستاريكا، تم تحويل طائرة بوينغ 727 قديمة إلى فندق في قلب الأحراش، روعي في تصميمه إظهاره وكأن الطائرة تحطمت هناك فعلاً. في الواقع، حُمّلت أجزاء الطائرة "المتقاعدة" بالمئات من مطار سان جوزيه، العاصمة، على متن شاحنات عملاقة، وأعيد تركيبها في الموقع المطل على خليج بحري رائع. ومن المفارقات: لا يضم الفندق/ الطائرة أي... جناح، بل غرفتين فارهتين اثنتين، من الفئة الراقية، بجدران داخلية مغلفة بالخشب النفيس، وأثاث فاخر وديكور رفيع. معظم الزبائن أميركيون وكنديون متزوجون حديثاً، يرومون تمضية شهر العسل، أو بعضه، في مكان متميز، ثم التباهي بأنهم أمضوا أياماً في "حطام" طائرة ضائعة في أحراش كوستاريكا.
في مغارات وكهوف
فنادق كثيرة شيدت في مغارات وكهوف، أو داخل أجراف صخرية. أشهرها في تركيا، في مقاطعة كاپادوس (كاپادوقيا)، في شرق الأناضول. فمعظم بيوت المنطقة مبنية في الحجر أصلاً. هكذا، تم تحويل بعضها إلى فنادق يهوى بعض الأوروبيين ارتيادها، لأنها تجعلهم يحسون بالاقتراب من الطبيعة والتغرب الفعلي، بعيداً من صخب المدينة. أحد تلك الفنادق، واسمه "كايادام"، تمَّ تأسيسه في العام 1998 منحوتاً داخل جرف صخري في بيت عتيق تمّ ترميمه ورفع الأنقاض من حُجَره القديمة. فأصبح من الفنادق "الحميمة"، بعدد محدود من النزلاء، إذ لا يضم سوى 6 غرف، تتسع لـ20 "نفراً" كحد أقصى. لكن، أضيف ملحق في بيت صغير مجاور، يتسع لـ6 أشخاص. وثمة فنادق أخرى مبنية في الكهوف، منها "لا غراند ڨينيول"، في منطقة نهر لوار (وسط فرنسا). أما "فندق القصر" في حدادة (في تونس)، فيذكر طرازه بالفنادق/ الكهوف.
في أنابيب
في النمسا، ينام نازلو فندق "داس پارك" في أنابيب أسطوانية من الخرسانة المسلحة، من تلك التي تصنع لأغراض أخرى، كالمجاري. والغرف عبارة عن مقاطع من أنابيب كبيرة، بقطر حوالي مترين، يغلق أحد جانبيها بجدار، والجانب الآخر بباب معدنية مزودة بشيفرة سرية خاصة لفتحها. وهناك أيضاً فتحة دائرية صغيرة في أعلى كل غرفة لتفادي الظلمة التامة، التي قد تفضي إلى الرهاب، وربما حتى الجنون. والغريب أن الفندق نجح لدرجة أنه فتح فروعاً في نواح نمساوية أخرى.
في كبسولات
في العام 1979، صمم المهندس كيشو كوروكاوا أول فندق كبسولات، في مدينة أوساكا. والغاية: وضع أكبر عدد ممكن من الغرف في حيز ضيق، من أجل تأمين مكان بسيط للنوم وحسب، بسعر معقول، بل متدنٍّ بالنسبة إلى اليابان. فكل "غرفة" مكونة من مكعب ضيق، أشبه بـ"جارور"، يفتح من إحدى جهاته، ويدخل فيه الزبون، فيتمدد مباشرة (إذ لا يمكن الوقوف، نظراً لانخفاض السقف). وكل كبسولة مزودة بشاشة تلفزيون، لكن طبعاً تفتقر إلى حمام. فالمرافق والمغاسل مشتركة، في كل طابق.
والفكرة ليست بليدة جداً. إذ لا تهدف تلك الفنادق إلى استضافة السياح، إنما فئتان من النازلين: الموظفون السكارى، والمتأخرون الذين يفوتون آخر قطار أو مترو. فمن شدة السأم وروتين العمل، يرتاد بعضهم الحانات بعد الدوام، ويسرفون شرباً، فلا يستطيعون العودة إلى بيوتهم، ولا قيادة السيارة. لذا، يلجؤون إلى تلك الجوارير لمجرد إنهاء الليلة والعودة إلى المكتب بعد بضع ساعات. والنوم في الكبسولة أقل كلفة من سيارة الأجرة، لاسيما إذا كان البيت في ضواح بعيدة. وفتحت فنادق مشابهة في بلدان أوروبية كهولندا. لكنها لم تلق النجاح نفسه، إذ يرى البعض فيها إساءة إلى كرامة الإنسان.
فوق الأشجار
في السويد، ثمة فندق متناثر في قلب غابة كثيفة وسط البلاد. والغرف على شكل أكواخ صغيرة، مثبتة فوق أشجار عملاقة، يستلزم الصعود إليها جهداً عضلياً وإجادة التسلق على الحبال. فالمكان مخصص لعشاق الطبيعة وللسويديين الراغبين في تمضية أيام على نمط أجدادهم الـ"ڨيكنغ"، الذين خبروا تلك الغابات الموحشة، وصاغوا أساطير حول "أشباحها" و"أرواحها الشريرة" و"ساحراتها الطيبات". ويقع المكان في منطقة "كولاربن"، نحو 200 كيلومتر إلى شمال غرب ستوكهولم.
في الثلج
السويد إياها كانت رائدة في نوع آخر من الفنادق: تلك المطمورة في الثلوج. وتبعتها في ذلك كل من رومانيا ومقاطعة كيوبك الكندية. ففي العام 1990، استنبطت فكرة فندق "آيس أوتيل"، الذي شيد على بعد 200 كيلومتر إلى جنوب الدائرة القطبية الشمالية. في بلداننا، في عِز الحر، نمتعض حين "يخرب" المكيف، فنمطر قسم الصيانة بالشكاوى. ونضيق ذرعاً إن توقفت الثلاجة عن العمل، فنطلب النجدة بإلحاح من المصلح. أما هناك، فثمة أناسٌ آخرُ ما قد يقض مضجعهم تنغيص التكييف والتبريد: فهم يدخلون في "الثلاجة" نفسها، ويمكثون فيها أياماً، يأكلون ويشربون وينامون، ويتسامرون ويعقدون الاجتماعات المهنية، ويتفرجون على الأفلام. بل منهم من يتزوج في تلك المجلدة، ويمضي شهر العسل، مستفيداً من المبدأ الفيزيائي "الحرارة المكتسبة تساوي الحرارة المفقودة". ويتميز الفندق بخاصية عجيبة: "يذوب" سنوياً مع الربيع، ثم يعاد بناؤه "قالباً فقالب"، وليس حجراً فحجر، مع عودة البرد في الخريف، وفق تصميم جديد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها