هو قضاء "ممنوع حشيشة الكيف، مسموح القتل"، بهذا الإختصار التهكّمي وصّف أحد المراجع القانونية الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بقضية الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان لتنفيذ تفجيرات تستهدف إفطارات وإحتفالات شعبية وتهدف إلى إغتيال شخصيات دينية وسياسية.
يبرز الحكم لدى الإختصاصيين السؤال عن المحكمة العسكرية ودورها، بالنسبة إليهم هي محكمة سياسية، تبرم أحكامها تبعاً للشخصية وعلاقاتها، من دون الأخذ بالإعتبار نوع الجرم وسبب التوقيف والتهمة، التعبير الأدق جاء على لسان وزير العدل أشرف ريفي، معتبراً أن المخابرات السورية ما زالت تتمتع باليد الطولى في مفاصل المحكمة العسكرية.
من ناحية قانونية صرفة، ووفق ما يشير مصدر قضائي بارز لـ"المدن"، فإن سماحة منح اسباباً تخفيفية أكثر من اللازم، واعتبرت المحكمة أنه لم يشرع في تنفيذ العمل الارهابي، بل كان فقط في إطار المحاولة، لكن على الأقل فإن المتهمين بقضايا مماثلة يحكم عليهم بالحد الأدنى ما بين السبع والعشر سنوات، فمثلاً من ينقل كمية من حشيشة الكيف يحكم بالسجن لمدة خمس سنوات وهي غير خاضعة لأسباب تخفيفية، بينما من ينقل متفجرات يسجن أربع سنوات ونصف، إستناداً إلى مواد يجوز فيها التخفيف.
يثير الحكم استغراب جميع الإختصاصيين، ففي الشكل ألقي القبض على سماحة، ولم يكن فصل موضوعه عن قضية مملوك، وبالتالي تمّ تجنب الإدعاء على بشار الأسد على الرغم من ورود إسمه في التحقيقات ومعرفته بالأمر، وأنه كان من المشجعين للقيام بهذا الموضوع، كذلك تمّ في ما بعد تجنب محاكمة مملوك وإن غيابياً.
أما في المضمون، فإن المادة القانونية المدعى بها وهي 549/201 والتي تنص على أن التحريض أو محاولة القتل أو محاولة إرتكاب الفعل الجرمي، تطبق عليها العقوبة ذاتها، لأن الفعل الجرمي لم يرتكب بظروف خارجة عن إرادة المتهم، ولأن النية الجرمية كانت متوفرة، والمواد 4 و5 من قانون الإرهاب الصادر عام 1958 تحدد عقوبة هذه الأفعال الجرمية بالإعدام.
ويرى المرجع القانوني البارز أن النية الجرمية متوفرة في حالة سماحة، بدليل نقل المتفجرات وتسليمها إلى كفوري لتنفيذ المخطط، وتسليم الأموال مقابل ذلك، وتحديد أسماء الشخصيات المستهدفة، إلّا أن القضاء العسكري لجأ إلى إدانة سماحة بالمادة 335 عقوبات والمادتين 72 و75 أسلحة وبرأه من كل التهم المنسوبة إلى المادة 549/201 والتي هي أساس الفعل الجرمي الذي كان ينوي القيام به، ووفق ما يؤكد المرجع فإن ذلك يخضع لإستنسابية معينة بناء على الموقف السياسي، إذ أن القاضي هو الذي يختار المادة التي يريد إصدار الحكم بناء عليها.
استفاد الدفاع عن سماحة من غياب المخبر ميلاد كفوري لأسباب أمنية، وقدم مرافعته على هذا الأساس باعتبار أن كفوري هو الذي حاول استدراج سماحة والسوريين للقيام بهذه العمليات، فيما إستناد الإدعاء المثبت بصور وتسجيلات يقول عكس ذلك، أي أن سماحة والسوريين هم الذين أرادوا تنفيذ المخطط، وتم الطلب من سماحة توفير الشخص الملائم لذلك، فوقع اختياره على كفوري الذي أبلغ فرع المعلومات بالأمر، وطلب منه مجاراة سماحة إلى النهاية، وتوثيق كل ما يجري، لإلقاء القبض عليه في ما بعد، بشكل لا يحتمل اللبس أو النقض.
موجة الإستنكار التي خلّفها القرار، دفع بريفي إلى الطلب من مدعي عام التمييز سمير حمود الطلب من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر تمييز الحكم الصادر بحق سماحة، وعليه تسلّم صقر نسخة عن الحكم، وسيعكف على دراسته لإعداد الطعن وتمييز الحكم، وبذلك سينظر القاضي طاني لطوف رئيس محكمة التمييز العسكرية بالقرار، وفي حال اقتنعت المحكمة التمييزية بذلك فإن المحاكمة ستعاد من جديد، أما في حال عدم الإقتناع فيصبح الحكم مبرماً ويخلى سبيل سماحة فور إنهاء محكوميته.
وفيما يمضي ريفي في تصعيده ضد المحكمة العسكرية، متوعداً بإتخاذ كل الإجراءات القانونية لإلغائها أو تعديل آليات حكمها، يعلّق أحد السياسيين عبر "المدن" بالقول: "بإختصار فإن الأحكام العسكرية لم تعد رادعاً أمام المجرمين عن تنفيذ أعمالهم الإرهابية، وأصبحت مصدر قلق للبنانيين".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها