حتى الان لا يزال السبب الحقيقي وراء سقف حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله حيال الأزمة اليمنية، غير معلوم. لم يسبق ان بلغ سقف التطاول على المملكة العربية السعودية هذا المستوى، حتى حين اتهم الحزب علناً المخابرات السعودية والأمير بندر بن سلطان بالمسؤولية عن التفجيرات الانتحارية التي ضربت الضاحية والسفارة الايرانية في بيروت.
كما ان اليمن لا يحتل موقعاً متقدماً في الخريطة الوجدانية او العقائدية للشيعة. بل إن أهميته الاستراتيجية للسياسة التوسعية الايرانية كانت وليدة الصدفة، ونتاج المهارة الايرانية في الاستثمار في ازمة قائمة بحد ذاتها، رغم انه استثمار تعلم ايران اليوم علم اليقين انه كان مغامرة قاتلة، ومبالغة فاض بها كأس الخليج العربي، وتحديدا السعودية.
فما الذي يدفع نصرالله الى هذا الحجم من المراهنة السياسية والمعنوية بتصدر اشتباك مع السعودية غير مسبوق في تاريخ لبنان منذ نشوء كيانه عام ١٩٢٠؟
تبدو غير مقنعة، القراءة التي تقول بأن سقف حزب الله اليمني، يشكل دخاناً حاجباً للهزيمة الايرانية بعد عاصفة الحزم، والتي تجلت عملياً باقفال الأجواء والمياه الإقليمية في وجه إيران، بشكل مهين استراتيجياً لدولة تعتبر نفسها قائدة الإقليم. فالإيغال بالمبالغات والرهانات في اليمن، من شأنه ان يضع تحت المجهر، الفارق الشاسع بين وعود الخطابات الساخنة وبين الوقائع على الارض. من يعرف اليمين والسعوديين، يعرف ان عاصفة الحزم ليست الاداة لمعالجة السؤال اليمني، وان لا حل عسكرياً سيُخرج هذه البلاد من نفق مشكلاتها، لكنه يعرف ايضاً ان العملية السياسية التي تديرها الرياض بدقة لتفكيك البنية القبلية والعشائرية التي قام عليها حكم صالح كانت تستوجب عزل طهران "وتعقيم" الجرح اليمني قبل البدء في الجراحة الموضعية تمهيداً لإقفال الجرح. وفي هذا السياق تعج الرياض بشيوخ عشيرتي حاشد وباكيل، تمهيداً لإنتاج بيئة حاضنة للحل السياسي، وهو ما كان يستوجب قطع اليد الايرانية اولاً. إذذاك ليس أبعد من المناكفة الاعلامية، الشروع في تفصيل ما تحقق وما لم يتحقق من أهداف عاصفة الحزم. وعليه فان كل كلام سيقوله حزب الله في الموضوع اليمني لن يلبث ان يُفَرَغ من مضمونه في ازاء تطورات المسار اليمني.
الحقيقة ان سقف حزب الله اليمني، يندرج في سياق تقديم حزب الله أوراق اعتماده مجددا لإيران، التي يعلم انها عاجلاً ام آجلاً ستصل الى نقطة الخيارات المفصلية، عندما يحين موعد التوقيع على الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.
لا احد في موقع أفضل من حزب الله لفهم هذا التحدي المقبل واستشعار تداعيات الاتفاق عليه وعلى دوره. وهو في رفعه الصوت عالياً جداً ضد السعودية، يبعث برسائل تذكير لإيران انه الصوت العربي الوحيد الذي يمكن لإيران الاعتماد عليه لإقامة توازن مع الصحوة العربية الخليجية التي تقودها الرياض.
لو كنت مكان نصرالله سأقلك. لان ما بعد الاتفاق ليس كما قبله، حصل هذا الاتفاق ام لم يحصل. فهو يعلم علم اليقين ان لا مجال لاتفاق اميركي إيراني لا يتضمن "إخصاء" ترسانته الصاروخية، وضمان أمن اسرائيل. ما يعني ان انسحابه من الدور الحالي في الحروب الأهلية العربية الى الوظيفة السابقة والمنتهية صلاحيتها منذ العام ٢٠٠٠، والمؤكَد على انتهائها في القرار الدولي ١٧٠١ في أعقاب حرب تموز ٢٠٠٦، هو امر مستحيل.
كما يعلم علم اليقين، أيضاً، ان الاستمرار في الوظيفة الراهنة، رأس حربة إيرانية في الحروب الأهلية العربية، يعني المزيد من الاستنزاف لبيئته وللإنكشاف فيها من دون اي أفق عاقل لتحقيق أهداف انخراطه في هذه الحرب. بل بات يدرك ان الخيار الايراني الطبيعي بعد خطيئة اليمن الاستراتيجية، هو المصالحة مع السنة العرب، ما يعني تلقائياً تعطيل الوظيفة الراهنة في سوريا والعراق واليمن وغيرها!!
حزب الله يعيش الان ازمة انتهاء وظيفة قديمة، واقتراب وظيفة مستحدثة من ختامها، ويستشعر بدقة حقيقية، فداحة المستقبل أمامه. ما يخشاه حزب الله اكثر، ان تكون بوابة تبييض صفحة ايران معركة جديدة مع اسرائيل تعيد انتاج وعي جديد قابل لهضم ايران والمصالحة معها، وهو ما سيدفع ثمنه المباشر حزب الله من كيس أهله وجمهوره وتاريخه. ولعل السقف العالي تذكير للإيرانيين اولاً بقيمته وبضرورة عدم التضحية به.
حزب الله قلق. صراخه ترجمة لهذا القلق. والاحباط الذي بدا عليه نصرالله في خطابه قبل ايام إيذان ان مصائر الميليشيات اول ما يتقرر حين تبدأ الدول بإتخاذ الخيارات الجادة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها