يخسر رئيس تكتل التغيير والإصلاح فرصة ترشيحه من قبل تيار المستقبل بالنقاط، في ختام معظم جلسات العصف الذهني، الرسمية وغير الرسمية. الحاجة الاستراتيجية لانتخاب رئيس للجمهورية وانهاء حال الشذوذ في الحياة المؤسساتية والسياسية والوطنية اللبنانية تبرر في بعض القراءات التفكير بعون رئيساً. اصحاب هذا المدرسة، يفكرون خارج السياق. فالسؤال بالنسبة اليهم يتعلق بمصير النظام واحتمالات انهياره اذا ما تمدد الفراغ، لسبب او لآخر، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة. انذاك سنكون امام ثقب اسود في النظام السياسي ككل، وقد يضطر من يرفض رئاسة عون الآن، ان يقبل بما هو أسوأ منه لأجل اعادة تكوين السلطة السياسية، بانتخاب رئيس للجمهورية، اي رئيس، ليجري استشاراته النيابية الملزمة ثم يكلف شخصية تتولى تأليف الحكومة، وما يلي ذلك من توقيع الرئيس مرسوم التأليف ثم جلسة الثقة في البرلمان.
لكن الخوف من الفراغ الشامل ليس هو الدافع الوحيد عند هذه المدرسة في التفكير بعون رئيساً. بخبث، يراهن البعض على ان شخصية عون الرئيس هي غير عون المرشح، وان الرجل مرشح للاصطدام بحلفائه، وتحديداً حزب الله، قبل خصومه. لا شك ان جرعة المراهنة في هذا التحليل مرتفعة. وهي كمن يشتري سمكاً في البحر. فالجنرال جُرِّب مع حزب الله في ظروف اصعب، وأثبت وفاءً مدهشاً لتحالفاته. ثمة من ينقل عن جيفري فيلتمان خلال فترته كسفير أميركي، ان مراسلاته مع الجنرال خلال حرب تموز، التي بلغت حد ترويعه للضغط عليه، اثبتت له ان العلاقة بين الرابية وحارة حريك أعمق بكثير من الرهان المصلحي على رئاسة الجمهورية. وهو تقييم سمع البعض موافقة عليه وتأكيداً على معطياته من الجنرال نفسه.
يضاف الى ذلك، ان الجنرال جُرب مرتين في سدة الحكم، وأي من التجربتين لا تشجع على تجريبه مرة ثالثة. الاولى كانت إبان توليه رئاسة الحكومة العسكرية عام ١٩٨٨ وما حفلت به من قرارات اقصوية، جرت على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، ويلات تتناسل حتى اليوم. والثانية خلال استحواذه على عشر حقائب في حكومة حزب الله برئاسة نجيب ميقاتي، من دون ان يفلح في تقديم قصة نجاح واحدة في اي من تلك الوزارات. لا رصيد جدياً في التجربتين، لا في امتحان الحكمة ولا في استحقاق الكفاءة.
تفتح خسارة عون بالنقاط، البحث في "مهر" يقنعه بالتخلي عن حلم الرئاسة وإسقاط ورقة النقض التي يتسلح بها مدعوماً من حزب الله. فهل تكون قيادة الجيش للجنرال شامل روكز هي قطبة الحل؟ كلا على الأرجح.
راجت في الأيام القليلة الماضية أنباء عن صفقة، قديمة متجددة، تقوم على معادلة العميد روكز لقيادة الجيش والعميد عماد عثمان، رئيس شعبة المعلومات، مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. مشكلة هذه المعادلة انها صفقة خاسرة للطرفين بنظريهما. فثمة في تيار المستقبل من يعتبر ان قيادة الجيش هي كلفة عالية يدفعها لقاء موقع مُستحق أصلاً لعثمان، وانه مستعد لدفع هذا الثمن، فقط، اذا كان يؤدي لعزوف عون عن الترشح والبدء بالبحث عن مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية. من الزاوية نفسها يرى الجنرال ان قيادة الجيش ليست تعويضاً كافياً لتخليه عن الرئاسة، وان كان ثمة من يجزم بان عون ليس في وارد التخلي عن ترشحه اياً يكن الثمن.
لا شك ان روكز يدفع ثمن علاقة المصاهرة مع عون، لان وصوله لقيادة الجيش، بصرف النظر عن كفاءته ونزاهته ووطنيته، سيعد انتصاراً سياسياً للجنرال، وهو انتصار يرفض عون دفع ثمنه.
كما يدفع روكز ثمن قلة المعرفة الجدية به، من قبل الحريري، خارج إعلانات النوايا التي يتولى مقربون نقلها بين الطرفين، وبعض الاختبارات المهمة والمباشرة بينهما ولكن غير الكافية لتوليد قناعات حاسمة. في المقابل اختبر الحريري واطمأن للعلاقة بقائد الجيش الحالي جان قهوجي، وثوابته الوطنية داخل المؤسسة العسكرية.
وبالتالي، قليلة هي الدوافع لدى الحريري، للمضي في خيار التعيينات في ظل إمساك حزب الله بورقة تعطيل رئاسة الجمهورية ولي ذراع النظام السياسي بكامله وتركه مشرعاً على كل المغامرات المجنونة.
هل ثمة "مهر" يقبل به الجنرال؟ ربما!.
ذهب عون بعيداً في مذهبة الاستحقاق الرئاسي والتلويح عالياً جداً براية الحقوق المسيحية، وسيكون صعباً عليه ان يذهب باتجاه شخصية رئاسية لا تمثل قصة نجاح حقيقية عن المسيحيين. المعادلة المنطقية، اذذاك، تقول بالاتفاق معه على من يمثل "قصة النجاح" هذه، ولا تشكل رئاسته انتصاراً سياسياً لأحد او هزيمة سياسية لآخر، على ان يكون شامل روكز قائداً للجيش، وجبران باسيل وزيراً ثابتاً طوال العهد الرئاسي، في الخارجية او الطاقة.
يعرف حزب الله ان عون بدأ يضيق ذرعاً، وان لحظة بدئه بالبحث عن خيارات بديلة لن تتأخر كثيراً، خصوصا انه بات يغامر بفرصتي صهريه وليس بفرصته فقط. لذلك سرب حزب الله شائعات الأيام الماضية، حول صفقة "روكز مقابل عثمان" بعد اللقاء مع عون، بغية استدراج رد من المستقبل ينقل الاشتباك من عون- حزب الله الى عون-الحريري، باعتبار الاخير سالب الحقوق المسيحية في الرئاسة وفي قيادة الجيش.
لا احد سيغامر من الان بافتراض ان ثمة عرضاً لن يكون بوسع عون رفضه، لكن النتيجة تستحق الرهان.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها