السبت 2024/04/27

آخر تحديث: 09:30 (بيروت)

حماس ورهائنها: خطأ الحسابات المستقبلية

السبت 2024/04/27
حماس ورهائنها: خطأ الحسابات المستقبلية
increase حجم الخط decrease

قلنا في مقالة سابقة: نقد السلاح ضروري، منذ نشأته، وعلى امتداد سيرته السياسية. الضرورة النقدية لا تمنعها حالة الاسترخاء السلمي، ولا تؤجلها حالة اليقظة القتالية.

لقد بات في الحوزة ما يوجب السجال مع السلاح الفلسطيني المقاتل اليوم في غزّة، وبات في اليد ما يستدعي السجال مع السلاح اللبناني المقاتل اليوم، على امتداد الحدود الشمالية لفلسطين.

 

غزّة ويوميّاتها:
منذ انطلاق صفارة طوفان الأقصى، حَلّت في ساحة النقاش كل القضايا الكبرى الخاصة بمعادلة الصراع مع إسرائيل.
مثلما هو واضح، سقط من المعادلة الصراعية الطرف العربي، واستبعدت منها الصفة الصهيونية، وصار من الماضي الواقعي، ومن الحاضر الواقعي، عدم الكتابة بحبر "الصراع العربي الإسرائيلي"، والاكتفاء بسطور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي كرّسته السنوات الزاخرة بأحداثها، منذ الأول من كانون الثاني سنة 1965، وحتى تاريخ أصوات القصف التي تتردد أصداؤها في أرجاء فلسطين، وفوق مساحات واسعة من الأرض اللبنانية.

لقد فاجأت نتائج "الطوفان" حركة حماس، مثلما فاجأت إسرائيل، وكل المهتمين بمتابعة القضايا الشرق أوسطية.
حديث المفاجأة، لا يشهد للقيادة العسكرية لحماس، وهذا على الضدّ مما شاع، ومما يثابر على إشاعته، من النجاح الباهر لعملية اجتياز حدود غزّة إلى الداخل المحتل من فلسطين.
نجاح معركة الدخول، لم يؤسس للفوز بالحرب، وهذا مما لا يراود خيال مخطط عربي، في أي جيش نظامي، أو في أية تشكيلات مقاتلة شعبية.

لقد أخفقت قيادة حماس العسكرية، في بند الضبط والسيطرة فتحكَّم بسير المعركة القادة الميدانيون، الذين لا يملكون رؤية شاملة حول المآل الأخير لعمليتهم، على الصعيدين العسكري والسياسي، فكان أن أخذتهم نشوة التوغّل خلف خطوط العدو، فتحوّلوا من الانضباط الصارم المطلوب، الذي تفترضه التعليمات القيادية، إلى الانفلاش الفوضوي، الذي زاد من آثاره الضارة، دخول عناصر غير نظامية، ليست من عداد القوة المقاتلة، ولا صلة لها بالتنسيق معها، ولا تملك تصوّراً عن الهدف الأصلي والأساسي، للهجوم الحمساوي الواسع.

من الضبط الغائب، إلى الانتشار الفوضوي، كانت الحصيلة "سلّة" من الرهائن والأسرى، سرعان ما تحوّلت عناصرها إلى عنصر "قاتل" للمهاجمين، بعد أن خُيّل لهم، أنهم قد عادوا بجنى انتصار وفير.

 

حماس وأهدافها:
الحقيقي من الأهداف، هو ما أعلن عنه منذ وقت قليل واحد من قادة حماس، الذي علّل الهجوم بدافع النجاح في أسْرِ عدد من جنود العدو، ليكون متاحاً إجراء عملية تبادل تسمح بإطلاق أعداد من المناضلين الفلسطينيين القابعين في الزنازين الإسرائيلية. هذا الهدف الحقيقي، الذي جاء على لسان "القيادي" الحمساوي، يتجاوز الإعلان الذي ورد على لسان قيادي آخر، وجاء فيه، أن الهدف كان إعادة وضع القضية الفلسطينية على الطاولة، بعد أن تجاهلها العالم لأعوامٍ طويلة.

أبسط القول وأصدقه، في السجال مع هكذا إعلان، هو أن هدف إنقاذ فلسطين من النسيان، صيغ كثمن مقابل للدمار الشامل الذي نزل بغزّة وأهلها، وهو شكّل في هذه المناسبة، دعوة إلى الغزاويين ليصبروا، ما دامت المعركة معركة استعادة فوز فلسطيني، ينقل المسألة الصراعية من حالة النكران والنسيان، إلى حالة الاعتراف وإعادة التمركز في الزمان وفي المكان.

لن يفيد حماس الآن، مثلما لم يكن مفيداً لها بالأمس، ارتجال صياغة الأهداف، حسب مسار الوضع الميداني، ولم يكن جائزاً لها أن تبالغ في أمرين هامين، هما: أمر الأسرى والرهائن لديها، وأمر سقف المطالب العالي، الذي ارتفع كثيراً أثناء الاجتماعات التفاوضية. لقد ارتكبت القيادة السياسية لحماس خطأ التقدير، وخطأ الإدارة في السياسة، مثلما ارتكبت القيادة العسكرية، خطأ السيطرة وخطأ الضبط، وخطأ تقدير الموقف القتالي، الذي منعها من اتخاذ الإجراءات الصحيحة بما يتناسب والتطورات الميدانية.

 

عبء الأسرى - الرهائن:
لقد خلقت حركة حماس عبئها، وهي تنشد عامل استقوائها، وأدخلت تحركها السياسي الاستثماري بعد "الطوفان"، في مأزق، بدأت أولى "كلماته" مع إعلان رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الحرب على حماس حتى تفكيكها واقتلاعها.
على ذات خطوط سياق التقدير الخاطئ، لم تأخذ "الحركة" على محمل "القدرة" التنفيذية الواقعية، ما أعلنه العدو من هدف أساسي للحرب. أساس الخطأ موجود في الاعتقاد السائد المعروف عن أسلوب القتال الإسرائيلي الذي يعتمد الحرب "الخاطفة"، التي توائم ثلاثيته القائمة على عناصر الوقت والكلفة البشرية - الاقتصادية، وغطاء الشرعية الدولية.
لقد ظنت حماس أنها قادرة على إبطال هذه الثلاثية، بإدامة صمودها الميداني الذي سلب العدو عامل الوقت، ففرض عليه دفع كلفة على صعيد العاملين الباقيين من عقيدته القتالية.

المفاجأة الشاملة جاءت من تجاوز العدو لعقيدته، فها هو يخوض حرباً طويلة، وها هو يضبط خسائره البشرية والاقتصادية، وها هو العالم "الحرّ"، يتدافع إلى سدّ الثغرتين الاستراتيجيتين اللتين جرى الظن بانضباط حرب العدو، ضمن النطاق العام لكل منهما.

من ضمن العوامل العديدة التي دفعت، وما زالت تدفع "الغرب" إلى الإسناد المفتوح لإسرائيل، حضر عامل الرهائن كعنصر ضغط أساسي لدى الإدارات الغربية، وشكّل المبرّر الأول للتضامن الواضح مع "الشعب" الإسرائيلي، مثلما شكل المصدر الإضافي لشحن اتهام حركة حماس بتهمة "الإرهابية".

هل كان متاحاً لحماس اتباع سياسة بديلة حيال الرهائن، وحيال من هو في عداد الأسرى من بينهم؟ نعم كان متاحاً ذلك، والسؤال هو كيف ذلك؟ ببساطة، كان على حماس أن تحيّد جميع الذين يحملون جنسيات أجنبية، فتعلن نيّة إطلاقهم، وكان عليها أن تتخلى عن الأطفال والنساء وكبار السن من الإسرائيليين، وأن تحتفظ بالعسكريين الأسرى لديها، ليكونوا مادة التفاوض للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

ذلك كان في مقام الممكن، وفي السياق، لا يمكن لمكابر سياسي أن ينكر الأثر الإيجابي لهكذا سلوك، على مجريات السياسة القتالية للعدو، وعلى مجريات سياسات الدعم الخارجي الذي اتخذ ذريعة تحرير رهائنه مبرّراً لانحيازه السافر.

هل مضى حديث الرهائن؟ الجواب بالنفي. هل لحصول إطلاقهم مردود إيجابي اليوم على الوضع في غزّة؟ الجواب بنعم. ما حدود ذلك، هذا يعود أمره إلى تقدير الموقف الراهن الذي وصلت إليه حماس، بعد أن اتضحت كل المواقف الغربية والإسرائيلية، وبعد أن توضحت المقاصد الأخيرة التي تنوي بلوغها.

قد يقول قائل، إن إسرائيل ستتابع حربها حتى بعد إطلاق الرهائن!! قد يكون الأمر كذلك، والسؤال، ما دامت الحرب ستظل هي الفيصل بين حماس وعدوّها، فما الفارق الذي سيحدثه بقاء الرهائن في حوزتها؟ وماذا ستضيف ورقتهم من عوامل القوة للموقف الحمساوي؟ ثمّ أليس واضحاً للعيان أن حكومة التطرف الإسرائيلية، وبقيادة رئيسها، تتمسك بمطلب تحرير الرهائن، لاستكمال أهداف حربها؟ أليس واضحاً أيضاً، ووفقاً لمصادر الداخل الإسرائيلي، أن بقاء الحكومة ما زال مرتبطاً باستدامة حربها؟ إذن، هل يقيم هذا الحكم وزناً لحياة أسراه، أم أن كل الوزن هو للغطاء الذي يوفّره أولئك الأسرى؟

 

نقطة ومتابعة:
الأداء السياسي لحماس ومن معها من فصائل مقاومة، يتجاوز واقع موازينه، يظهر ذلك من الشروط التي طرحتها حماس والفصائل في التفاوض، فهذه الشروط تعادل، في حال تنفيذها، هزيمة إسرائيل، وفشل كل عملياتها الحربية. أين نقرأ ذلك؟ نقرأه في مطالب الوقف الشامل للقتال، والانسحاب الشامل من غزّة، وإعادة إعمار ما تهدّم، ... أليست هذه نماذج من شروط المنتصر؟ فهل واقع الحال كذلك؟
ثمة ما يجب الالتفات إليه، والأهم من بينه ما يأتي:
الأول، قطاع غزّة بات في حكم المحتلّ، فالسيطرة الإجمالية عليه هي للعدو، أما العمليات المتفرقة التي ما زالت تحصل هناك، فتقع في باب منع الاستقرار للعدو، والتعامل مع قواته تحت سقف السيطرة العامة لهذه القوات. هي حرب "عصابات"، ليكن الأمر كذلك، وليكن النقاش في القدرة على استمرار هذه الحرب، وعلى تقدير الآفاق الأخيرة لها.

أما الالتفات الثاني، فهو إلى الداخل الفلسطيني، فلا تكون غزّة ميداناً للتنافس على الفوز بسلطة تحت الاحتلال، ما دام حل الدولتين غائباً، لا يحدده الناظر إليه، وفي السياق، قراءة التعاطف العالمي على حقيقته، وبصفته تضامن إنساني مع نكبة الفلسطينيين، وليس انتصاراً لفصائلهم المسلحة... وللحديث صلة.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها