مؤشرات التقارب الخليجي-الايراني: هل من تسوية من دون أميركا؟

تؤشر جملة أحداث وتطورات، شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الفترات الأخيرة، إلى امكانية التأسيس لحقبة جديدة أو فتح مسارات لتكريس وقائع سياسية مختلفة عن السائد. يمكن لهذه الأحداث أن تتشكل بناء على تراكمات بدأت منذ التقارب الإيراني السعودي برعاية الصين، وهو ما كان قد استُبق بانفتاح خليجي على النظام السوري. حالياً، تشهد المنطقة تحركاً اقليمياً لا تزال نتائجه غير واضحة، ولكن لا بد من تسجيل بعض معالمه.
أولاً، زيارة حزب الله الى الإمارات وهي الزيارة التي أجراها رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا في سبيل البحث بملف الموقوفين، وسط معلومات عن مساع إيرانية وسورية بذلت على هذا الخط، ومعلومات تفيد بأن المرحلة المقبلة ستشهد عملية اطلاق سراح الموقوفين على دفعات. هناك من لا يفصل هذا التطور عن مسارات أخرى قد تفتح لاحقاً.

ثانياً، المعلومات التي تشير الى استعداد المملكة العربية السعودية لاستضافة حوار بين المعارضة السورية والنظام السوري. وهذا إن حصل سيمثل تطوراً اساسياً على قاعدة وضع شروط عربية واضحة لدمشق بأن مسار التطبيع معها يمرّ من خلال إعادة احداث توازن سياسي. ولا بد لذلك من أن يقود ايضاً الى اعادة ترتيب الوقائع السورية على الأرض خصوصاً لجهة انتشار الكثير من الجماعات المسلحة وخصوصاً ايران وحلفائها، وسط معلومات تتحدث عن مفاوضات تجري في سبيل إعادة تموضع هذه القوى العسكرية، بما فيها حزب الله ايضاً.  لا ينفصل ذلك عن تطورات الوضع في جنوب لبنان والمفاوضات الحاصلة في سبيل الوصول الى حل ديبلوماسي وتجنب الحرب هناك.

الانخراط في ملفات المنطقة
هذا الدور السعودي المرتقب بالملف السوري، له ما يقابله من دور على الساحة الفلسطينية من خلال عنوان "حل الدولتين" والوصول الى وقف لإطلاق النار، وبالتالي اعادة انخراط السعودية في ملفات المنطقة ككل، فلسطين وسوريا ولا بد للبنان أن يكون مدرجاً ايضاً على جدول أعمال الإهتمامات، وليس فقط من بوابة عمل اللجنة الخماسية. كل ذلك يمرّ من طريق المقاربة السعودية الجديدة لملف اليمن وعدم الموافقة على إعادة احياء الحرب هناك من خلال رفض استخدام اراضيها من قبل الأميركيين لتوجيه ضربات للحوثيين، وهو ما يظهر المزيد من الحرص والتقارب بين الرياض وطهران وسط مساع لتحقيق بعض الإتفاقات أو التفاهمات التي يفترض أن تنعكس على الساحة الإقليمية.

ثالثاً، الدور القطري والذي يتقدم على أكبر من جبهة وساحة، خصوصاً ملف غزة ووقف الحرب هناك والبحث في الوصول الى هدنة ووقف اطلاق نار وصفقة اطلاق سراح الرهائن والبحث في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، او في لبنان من خلال الزيارات التي سيجريها العديد من المسؤولين اللبنانيين الى الدوحة. فهذا الدور القطري مبني على تقاطعات جيدة مع الأميركيين، الإيرانيين والسعودية ودول الخليج الأخرى بالإضافة الى الدول العربية.

رابعاً، كلام ايراني إيجابي عن قطر وعن السعودية وما ينقل من معلومات حول حرص ايراني على عودة انخراط السعودية على الساحة اللبنانية لبناء تفاهمات وإعادة ارساء التفاهم، مع تعبير عن الاستغراب في حال ارادت السعودية الإنسحاب من لبنان لأن ذلك سيكون له تبعات غير معروفة.

المسار الايراني-الخليجي
أمام كل هذه النقاط والوقائع، ثمة من يتصور وجود فرصة أمام دول المنطقة ولا سيما دول الخليج وإيران للدخول في مسار جدي حول خلق تقاطعات فيما بينها حول جملة ملفات من اليمن الى العراق، ومن سوريا الى لبنان. في هذا السياق، تتحدث  أوساط لبنانية عديدة عن "زيارات لشخصيات من المحور" الى دمشق في المرحلة المقبلة، وذلك في محاولة لتلمس بعض المعطيات من هناك بعد ما حكي عن دور سوري في ترتيب زيارة وفيق صفا الإماراتية. بالنسبة إلى اصحاب وجهة النظر هذه، فهم يعتبرون أن المنطقة تمر في مرحلة من التحولات، في ظل استعداد روسيا لتصعيد هجومها العسكري على أوكرانيا، وانشغال الولايات المتحدة الأميركية بمواكبة هذا التصعيد وبمواكبة الحرب الإسرائيلية على غزة، علماً أن هذه الإهتمامات ستتراجع مع اقتراب موعد الإنتخابات الأميركية. فيما خوض الإسرائيليين معركة رفح سيكون واقعاً ولكن بعدها يمكن أن يصبح الحديث جدياً في شهر حزيران عن استقالة الحكومة الإسرائيلية والذهاب الى إنتخابات مبكرة، أو بحال حصل العكس فلا بد من انتظار الإنتخابات الرئاسية الأميركية.

امام هذه الوقائع، ينشط أكثر من طرف في لبنان وخارجه ضمن لعبة الوساطات والتقريب بين وجهات النظر في سبيل الوصول الى تسوية انطلاقاً من التقاطعات المذكورة آنفاً، باعتبار أن الساحات الأربعة التي قاتلت على اراضيها إيران، يمكن ان تكون أمام فرصة الوصول الى تفاهمات إيرانية سعودية، في ظل الإنشغالات الدولية بملفات أخرى، بينما وجهة النظر الأخرى تشير إلى أن لا حلول ولا تقاطعات من دون الأميركيين.