الثلاثاء 2014/07/08

آخر تحديث: 15:20 (بيروت)

طائفة "المونديال"

الثلاثاء 2014/07/08
طائفة "المونديال"
في مباراة للبرازيل، سيارة مفخّخة تنفجر في الطيونة. نعود إلى الحزن؟ لن يسرقوا منّا "المونديال". (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

 

قريباً ينتهي "المونديال". كأس العالم لكرة القدم. سننتظر سنوات أربع، كي تعود فسحة الأمل.

على مدى شهر، صرنا نحن، الناس العاديين، نخرج من إحباطنا إلى مجال رحب، أكبر بكثير من مساحة وطن مُرهق، مثقل بكل أنواع الأزمات. صارت كرة القدم سبيلنا إلى الحياة وإلى إمكانية أن نكون، مجموعة من الناس الطبيعيين، كغيرنا في بقاع الأرض. صارت كرة القدم كل شيء. السياسة مؤجلة. البلاد التي تنحو نحو الخراب، فيها مكان للفرح، للأصدقاء، للاختلاف الديموقراطي.

 

على مدى شهر، اكتشفنا أنفسنا، أو جزءا منها. مجتمع حيوي يتفاعل مع لعبة تجري خلف المحيط، على المقلب الآخر. هذا اليساري وهذا اليميني، ذاك المؤمن والآخر المُلحد. مُجتمع بكل ما يحمله من تناقضات، قرّر أن فسحة الأمل سبيله إلى الحياة، أو إلى تأجيل لحظات اليأس في بلد يحكمه الخوف ويديره الموت ومن يحاول إبقاء هذا الموت ببعديه الحقيقي والرمزي مخيماً فوق الناس وحولهم، يخرج عليهم من كل مكان قابضاً على حياتهم. فيخرجون عنه، إلى فسحة رياضية لا تُشبه ممارسات آلهة الموت.

 

هكذا، تحوّل هذا المونديال إلى حدث غير محصور بلعبة أو منتخبات دول تتصارع على لقب. صرنا يومياً، نُراكم الفرح بلاعبين ومنتخبات لا يعرفوننا. نعرفهم نحن لأنهم يُمتعوننا. لا يعرفوننا لأن لا متعة في شرق قرّر أن يعود 1400 سنة إلى الوراء، ليُخرج كل أحقاده. هم، من يُمتعوننا، يقفون قبل كل مباراة ليتحدثوا عن مكافحة العنصرية، ونحن غارقون بين "دولة خلافة" و"دولة ولاية الفقيه". هُم، يبحثون عن اللعب النظيف. لا نظافة في بلادنا. صرنا نفرح بشاشة صغيرة. ما هذا الاكتشاف؟

 

يمضي المونديال سريعاً، لم يبق له سوى أيام. يبدأ الخوف بالعودة تدريجياً. السؤال الأساس: هل لهذه الفسحة من الأمل أن تستمرّ؟ لا يبدو. الانتظار لأربع سنوات جديدة صعب. خلالها، لا ضمانة لمن يبقى أو يرحل. ينتهي المونديال. رحلة يحيى جابر ويوسف بزي مع المناكفة الكروية تنتهي. معركتهما الجميلة تغادرنا كما يغادرنا الفرح. الحلف الرباعي إلى زوال، يعود علي مراد إلى عمله ووليد حسين يترك كرة القدم، وهو أساساً دخيل عليها. فيديوهات هيثم شمص في مواجهة "المانشافتيين" تتحول ذكرى جميلة. وداعاً "شمصكو" للإنتاج. مداخلات خالد براج التوعوية كروياً، ستخفت. كُل الدخلاء على اللعبة، بفرحهم ومرحهم، سيذهبون. زياد عيتاني سيعود إلى طريق الجديدة، بعد رحلته مع أنجيلا ميركل. "جنبلاطيو" المونديال، وأنا منهم، سيفتقدون تقلباتهم بين هذا الفريق أو ذاك. شعارهم كان: مللنا هزائم.

 

الحديث عن هؤلاء لا يأتي من عدم. كُلّهم، مع آخرين كُثر، حلموا بدولة ما. راكموا الهزائم حتى ملّوا المحاولة. منهم من هاجر. منهم من بقي لكنه استسلم. مجموعة من الناس الحالمين، استيقظوا على واقع مُرّ لا يجدون أنفسهم فيه، أو جزءا منها. خارجون عن الطوائف، ليس لهم سوى طائفة المونديال تجمعهم، ليقولوا إنهم موجودون. هم، مجموعة تقاوم الموت الممتد من العراق إلى سوريا ولبنان ففلسطين. صار المونديال فُسحة للحياة. ينتهي مساء الأحد المقبل، يعودون إلى السياسة؟ بل يعودون إلى الواقع المرير.

 

اليوم، وقبل أيّام من انتهاء الاحتفالية الكروية. لا قانون انتخاب ولا تمديد ولا فراغ في موقع الرئاسة ولا "داعش" أو سلاح "حزب الله" وأفعاله. كُلّها أمور روتينية في بلاد لن تتقدم. اليوم، هناك المونديال، مساحة للفرح، ليس أمامنا سوى أن نتمسّك بما تبقى لنا من أيّام. مع ألمانيا أو البرازيل أو الأرجنتين أو هولندا. لا يهمّ. دول تجعلنا نبتسم، في بلاد تجعلنا مجموعة من أرقام، للموت أو الاستثمار.  

 

في مباراة للبرازيل، سيارة مفخّخة تنفجر في الطيونة. نعود إلى الحزن؟ لن يسرقوا منّا "المونديال". 

 

increase حجم الخط decrease