قبل فترة، علا صوت رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط معلناً انهيار منظومة سايكس بيكو. لا يزال زعيم المختارة على تمسكه بنظريته، فالحرب الهوجاء التي تدور رحاها في سوريا والعراق، "مسحت" الحدود وأدت إلى تلاشي الدول. يحدق الخطر بالجميع، وقلب العروبة النابض ينبض دماً وجروحاً نازفة، وبلاد الرافدين على شفير التقسيم، والحرب المذهبية في أوجها، والشرق الأوسط بأسره يترقّب إلى أين تتجه الأمور. بالوقائع والإشارات يصيغ جنبلاط رؤيته للمستقبل، والتي على ما يبدو ليست متفائلة.
إنشغل العالم في اليومين السابقين بالمقابلة التي أجراها زعيم جبهة "النصرة" في سوريا أبو محمد الجولاني على قناة "الجزيرة". شكّلت مواقفه صدمة في بعض الأوساط، لا سيما في ما خص أبناء الطوائف والمذاهب الأخرى، واعتبره البعض نكسة للثورة السورية، وغلبت العاطفة المدنية للحراك السورية في تقييم موقف الجولاني، لا سيما أن كثراً كانوا ينتظرون منه موقفاً معتدلاً، أو على الأقل عدم التبنّي العلني للالتزام بخطّ تنظيم "القاعدة". كل ذلك لم يحصل، فهذه هي المنظومة الفكرية التي ينتمي إليها، والتي تغذّت بفعل إجرام النظام السوري بحق السوريين في مرحلة تفرّج العالم على ذبح شعب بأسره.
يبدو جنبلاط، منذ ما قبل مقابلة الجولاني، الأكثر واقعية وعقلانية، لم ينتظر "المن والسلوى"، لكنه يضع الأمور في سياقها الطبيعي. يقول لـ"المدن": "كل العالم يركزّ على موضوع ما يسمى بالقاعدة والإرهاب، ويريدون تناسي أن النظام السوري وإجرامه على مدى سنوات، من قتل وتدمير بشر سوريا وحجرها، هو الذي استدرج هذا الإرهاب، وسط تفرّج العالم". يتساءل جنبلاط عما فعلت الدول حيّال الأزمة السورية، وماذا قدّمت للشعب السوري، قبل أن يجيب بنفسه، مشيراً إلى أن "الشعب السوري ترك لمواجهة مصيره، فيما إيران وروسيا تقدّمان كل الدعم لنظام بشار الأسد، ووفرا له الغطاء للقتل، وكل هذا الإجرام هو الذي أنتج الإرهاب"، قبل أن يضيف ساخراً: "هل اكتشف معجزة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله إن سوريا بحاجة إلى حلّ سياسي؟ أين هو الحلّ السياسي في ظلّ الدعم المستميت من قبلهم للنظام؟".
لا يفصل جنبلاط الوضع الداخلي عن كل ما يجري في المنطقة. يكرّر عراب الحوار بين "حزب الله" وتيار "المستقبل"، إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، ضرورة التمسك به والحفاظ عليه، "على الرغم من كل الإختلافات"، لأنه "وحده كفيل بحماية لبنان"، وخصوصاً أن "الخطر على الأبواب، فيما الساسة غارقون في النقاش حول جنس الملائكة". يضيف: "كفى جدل بيزنطي حول أمور لا ترقى لمواجهة أي خطر، لا بد من الالتفاف حول المؤسسات للحفاظ على لبنان".
المرحلة بالنسبة إلى "البيك" هي الحفاظ على لبنان بحدوده القائمة، بما أن اتفاقية "سايكس - بيكو" انتهت. يقول: "علينا الحفاظ على لبنان غورو أي لبنان الكبير"، وعن النظريات التي تتحدث عن تقسيم لبنان أو توسيعه، يؤكد مجدداً: "لا بد من الحفاظ على لبنان كما هو، لا تقسيم ولا توسيع، وهذا يحصل بجهود القوى الداخلية، ويتحقق من خلال الحفاظ على الإستقرار والسلّم الأهلي، والإلتفاف حول الجيش والمؤسسة العسكرية وحمايتها"، ولهذه الغاية يقول بصراحة: " إذا كان دعم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائداً للجيش يؤدي هذا الغرض فلا مانع، آخذين بعين الاعتبار الأداء الممتاز الذي قام به العماد جان قهوجي، وذلك لحماية الجيش من اي ارتدادات "، وهو الموقف الذي أبلغه إلى مختلف القوى.
وفي وقت استطاعت الحكومة سحب فتائل التفجير حول موضوع بلدة عرسال وجرودها، يعتبر جنبلاط أن دخول الجيش إلى البلدة "مؤشر إيجابي"، وفي الوقت الراهن لا يتخوف من أي أحداث امنية في البلدة، خصوصاً أن الجميع حريص على الإستقرار، فبالنسبة إليه التوافق الداخلي هو الذي يحمي الإستقرار، وليس أي غطاء دولي بل "نحن من يحمي أنفسنا، ونحن نؤمّن الإستقرار، وليس أحد غيرنا".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها