بعد ثلاثة لقاءات وبيانات وخطة روسية وخطاب أميركي وعشرات التصريحات والتسريبات، يبدو ان محادثات فيينا المخصصة للتوصل الى حل للأزمة السورية انهارت، كما ظهر جليا في تخلي الطرفين عن الملاطفة الديبلوماسية والتكاذب الذي تمسكا به على مدى الشهر الماضي.
وليس واضحا بعد ما هي الأسباب التي أدت الى نسف هذه المحادثات، على الرغم من ان عمق الخلاف بين الطرفين وكثرة التباينات بينهما تجعل من التكهن عملية سهلة.
لكن الواضح فعلا هو ان الطرفين تراجعا عن مواقفهما التي مهدت لانعقاد سلسلة مؤتمرات فيينا.
الولايات المتحدة تراجعت عن مقولة ان مفتاح القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) هو رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، واستبدلت شرط رحيل الأسد بشرط غامض يعتبر وقف الحرب في سوريا مدخلا للقضاء على داعش، وتاليا انهاء الحرب في سوريا، حسب خطاب وزير الخارجية جون كيري، الذي كان مثقلا بالتناقضات.
هذا الأسبوع، تراجعت واشنطن عن المواقف التي ادلى بها وزير خارجيتها الأسبوع الماضي، فقال الرئيس باراك أوباما، على هامش زيارته الى الفيليبين انه "لا يمكن القضاء على داعش إلا بعد التوصّل الى تسوية سياسية في سورية، والتوصّل لمثل هذه التسوية لن يكون ممكناً مادام الأسد في السلطة".
روسيا وإيران، بدورهما، تراجعتا. الأولى تراجعت عن تصريح للناطقة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا قالت فيه ان روسيا لا تؤيد الأسد ولا رأي لها في بقائه في الحكم. هذا الأسبوع، قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ان بلاده تعتقد ان الأسد جزء من العملية السلمية، وان شريحة واسعة من السوريين متمسكة ببقائه في الحكم.
اما إيران، فقال مساعد وزير خارجيتها حسين عبداللهيان ان بلاده لا تعتقد ان الأسد سيبقى رئيسا الى الأبد. هذا الأسبوع، قال عبداللهيان ان "الأسد خط أحمر".
إذا، تراجعت اميركا، من جهة، وروسيا وإيران، من جهة ثانية، عن تصريحاتها السابقة التي حاولت لف مصير الأسد بغموض، وتأجيل البت بهذا المصير الى "الفصل الأخير" من العملية السياسية في سوريا، على اعتبار ان في المراحل الأخيرة من التسوية، تكون العملية السياسية قد أدت الى تثبيت الوضع السوري بشكل يسمح برحيل الأسد والقضاء على داعش في الوقت نفسه.
هكذا، إنهارت محادثات فيينا في وقت أسرع مما توقع الكثيرون.
التبرير الأميركي، حسبما جاء على لسان أوباما، مفاده ان روسيا وإيران مازالتا تحتاجان الى شهور للاقتراب من التسوية. وسبق لأوباما اعتبر، بعد اول اتصال معه بادر اليه نظيره الروسي للتباحث حول الأزمة السورية في تموز، ان بوتين يتصل به لأن الأسد كان قارب الانهيار ولأن بوتين يبحث عن مخرج للأسد.
وعززت الحملة العسكرية الروسية في سوريا رأي أوباما، الذي اعتبر ان موسكو سارعت عسكريا لإنقاذ الأسد.
ثم زار بوتين الأمم المتحدة في نيويورك والتقى أوباما على أمل ان يرى الرئيس الأميركي انه – بعد التدخل الروسي – لا مفرّ لداعمي المعارضة السورية، خصوصا أميركا، الا التراجع وقبول شروط روسيا وقبول بقاء الأسد. في نيويورك، انتظر بوتين تنازلا اميركيا يوقف ماكينة الدمار الروسية في سوريا فيما انتظر أوباما تنازلا روسيا يؤمن للماكينة العسكرية الروسية مخرجا ديبلوماسيا يحفظ لموسكو ماء الوجه.
هكذا، تكاذب الطرفان، اميركا وروسيا، وذهبا الى فيينا، ودعيا الدول المعنية أولا، ثم الدول غير المؤثرة ثانيا. وبعد بيان لقاء فيينا الثالث، تبين ان الفجوة بين الطرفين مازالت عميقة، فعاد كل منهما الى موقعه، وأعطى أوباما نفسه مزيدا من الوقت حتى يقتنع الروس والإيرانيون ان مخرجهم من المستنقع العسكري السوري هو عبر ديبلوماسية تترافق مع موافقتهم على رحيل الأسد.
ما بعد فيينا، قد تستعر الحرب السورية أكثر فيما يستمر عناد شخص واحد يمكن لرحيله عن الحكم ان يغير الكثير وان يحقن دماء سورية، لو كان حريصا عليها اصلا، لما كان العالم يقف متكاذبا حول حل لا يبدو انه يقترب.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها