لم يكد حبر كتابات مؤيدي "محور الممانعة" يجف حول المظلة الجوية الروسية التي اقامتها موسكو لحماية الأجواء السورية من الضربات الإسرائيلية المتكررة، حتى استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في الكرملين. وما هي الا أيام حتى اغارت المقاتلات الإسرائيلية ضد مواقع داخل سوريا تابعة لتحالف إيران والرئيس السوري بشار الأسد.
وفي نيويورك، سرق بوتين الأضواء من إيران: حضوره، خطابه، لقائه مع نظيره الأميركي باراك أوباما ولغة جسد الاثنين، رؤيته لحل الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب كبديل عن سياسة أوباما المتعثرة. هذه المرة، لم يبحث الاميركيون عن اتصال هاتفي أميركي – إيراني او مصافحة، ولم يسلط الاعلام الأميركي الضوء على مشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني في اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولم يأبه لخطابه او للمتظاهرين الذي احتشدوا أمم مقر اقامته. ولم يجهد الاميركيون لتحليل ما ورد في خطاب روحاني، بل أفردوا اهتمامهم لبوتين.
وبوتين يبدو انه التقط "السحر الإيراني" ويحاول استنساخه روسياً: اثارة المتاعب في منطقة المشرق العربي وتحويلها الى سيف مسلط على رقاب الغربيين، ما يدفع الغرب الى تناسي كل تجاوزات إيران الداخلية والإقليمية والهرولة باتجاه طهران للتوصل الى حلول.
وبوتين يتمتع بخبرة دولية أكبر من إيران، فالرئيس الروسي الذي يحرّض ضد الغرب باستمرار لتحويل الأنظار عن فساد حكوماته وفشل اقتصاده، مثلما يفعل قادة إيران، يقوم بذلك من دون مواقف عقائدية متصلبة، أي ان بوتين لا يمانع مصافحة أوباما او زيارة أميركا، ولا ينزوي لتفادي مصافحة وفدا مرّ من هنا، ولا يهرب من وليمة لزعماء العالم هناك.
ومقارنة بإيران، يتمتع بوتين بإمكانيات ديبلوماسية هائلة، كون روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن، الى صناعات عسكرية متفوقة، وهو متورط والأوروبيين بشبكة تزويدهم بالغاز، وتشكل بلاده سوقا رفض الأوروبيون الاستغناء عنها وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليه بعد ابتلاعه شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
ولأن إيران تعرف انه يصعب عليها مواجهة العالم ان اجتمعت أميركا وروسيا ضدها، فهي لم تعاند الروس، بل تتصرف دائما كحليف طبيعي لهم في مواجهة "الغطرسة الامبريالية" الغربية.
لكن الحكام الاحاديين لا يحبون الشراكة والشركاء، بل يفضلون التبعية والاستتباع. هكذا، رأى بوتين فرصة سانحة لابتلاع الشرق الأوسط، وإيران، وتحويل المنطقة الى ساحة نفوذ له يمكنه من خلالها تحسين موقعه في مواجهته مع الغرب وفي محاولته إعادة ترميم الإمبراطورية الروسية باستعادة السيطرة على الدول المجاورة لروسيا، والتي كانت تعرف بالكتلة الاشتراكية.
وربما اعتقد الرئيس الروسي ان إرساله مقاتلات ومقاتلين ودبابات الى الساحل السوري يمكنهم فرض موسكو كلاعب أول في المشرق العربي. ولأن إيران تحتاج روسيا، طالما ان علاقتها مع أميركا لم تقلع بعد، يبدو ان موسكو تفرض على طهران الدخول في "محور الممانعة" الروسي، وهو محور يختلف عن نظيره الإيراني بشكل أساسي اذ يتصدر الفارق بين الاثنين صداقة روسيا المتينة مع إسرائيل وعداء إيران، بالوساطة، للإسرائيليين.
وقبل ان يذهب بوتين لمصافحة أوباما واللقاء معه للحديث في شؤون سوريا، حرص الرئيس الروسي على اعلان "تحالف استخباراتي ممانعاتي" روسي – إيراني – عراقي – سوري. وقابل بوتين أوباما، وقدم له "محور الممانعة" بزعامة موسكو.
لكن أوباما لم يأبه لمطالب بوتين بضرورة تبادل اميركا معلومات استخباراتية مع "محور الممانعة" الروسي، فخرج بوتين غاضبا، واتجه نحو طائرته، واقفل عائدا الى بلاده من دون ان يشارك في وليمة أوباما لزعماء العالم، على الرغم من ان بوتين كان حجز مكانا له في حفل عشاء الرئيس الاميركي.
صحيح ان بوتين أخذ قياس أوباما عندما تراجع الأخير عن توجيه ضربة عقابية للأسد بعد مجزرة غوطة دمشق الكيماوية في آب 2013، الا ان بوتين يبدو انه بالغ في تقدير مدى ضعف أوباما. وصحيح ان الرئيس الأميركي يخشى وصول الإرهاب الى الغرب وهو متردد عسكريا في مواجهته في الوقت نفسه، لكن حذر أوباما يشمل كذلك حذره من تطويب الشرق الأوسط باسم بوتين، فأوباما لم يستمع لرؤى الآخرين، ومنهم مقربون وحلفاء وأصدقاء، حول الحل في سوريا، ولا يبدو انه سيستمع هذه المرة لبوتين و"محور الممانعة" الروسي حول كيفية التوصل الى تسوية سورية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها