الإثنين 2024/03/11

آخر تحديث: 08:25 (بيروت)

الارتجال في السياسة: قوات فرنسية الى أوكرانيا؟

الإثنين 2024/03/11
الارتجال في السياسة: قوات فرنسية الى أوكرانيا؟
increase حجم الخط decrease

منذ بداية الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في شباط 2022، وجه كثيرون من أنصار كييف النقد لضعف الدعم العسكري الفرنسي المقدّم لأوكرانيا، وخصوصًا إذا تم قياس هذا الدعم بوزن فرنسا الاقتصادي الذي يُشكل ثاني أكبر انتاج محلي اجمالي في الاتحاد الأوروبي ـ بعد المانيا الاتحادية ـ وبإمكاناتها العسكرية المتطورة التي تجعل منها الدولة الوحيدة في القارة الأوربية المؤهلة للقيام بعمليات عسكرية على مستوى عالي من الدقة والفعالية خارج أراضيها. ولقد أشار المستشار الألماني، أولاف شولتس، الى ضعف الدعم العسكري الفرنسي الى جانب الايطالي والاسباني وذلك في تصريح له في الشهر الأول من العام الحالي انتقد من خلاله عدم قيام هذه الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي بلعب دورها المنتظر في تقديم الدعم العسكري للجيش الأوكراني. وعلى الرغم من دعوة الزعماء السياسيين والعسكريين الأوروبيين إلى عدم جعل موضوع من يساعد أكثر عامل اختلاف واضح بين دول الاتحاد، وعلى الرغم من ضرورة ان لا يتحول الأمر إلى ترتيب يشبه مسابقات الدوري الكروي، من هو الأول ومن هو الثاني، إلا أنه من الضروري التنويه بالترتيب هذا خصوصًا عندما يرتبط بمواقف سياسية معلنة أو مضمرة لدول الاتحاد. وحسب مصادر بروكسل، عاصمة القرار الأوروبي، فلقد بلغ رقم المساعدات المقدمة من قبل دول الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا منذ بداية الحرب الروسية عليها رقمًا وقدره 28 مليار أورو. كما قد تقرر أن يبلغ رقم المساعدات سنة 2024 وحدها رقمًا وقدره 20 مليار أورو.

وفي تفاصيل المساعدات، تتموضع باريس في ترتيب متأخر جدًا بالمقارنة مع وزنها الاقتصادي وقدراتها العسكرية، فهي تشغل المركز الخامس عشر. تسبقها في الترتيب دولٌ عدة كألمانيا وايطاليا وبولندا وبريطانيا والسويد وهولندا والدانمارك. بالمقابل، تعترض باريس على هذا الترتيب في المطلق. حيث تُشير مصادرها إلى إجحافٍ تتعرّض له من خلال إطلاق حكم تعميمي. فباريس، حسب مصادرها الرسمية، تزوّد كييف بأسلحة هجومية ودفاعية حديثة ومتطورة تكنولوجيًا، وذلك بالمقارنة مع ما يقدمه الآخرون من أسلحة تقليدية. وبالتالي، فلا تصلح المقارنة الكميّة حينما يتعلّق الأمر بفوارق نوعية.

في حمأة هذه الملاحظات والتقديرات والتبريرات، فوجئ المتابعون بتصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام اجتماع أوروبي لدعم أوكرانيا استضافه في باريس نهاية الشهر المنصرم. وقد جاء في هذا التصريح بأنه يمكن لفرنسا أن ترسل "قوات" عسكرية إلى أوكرانيا. وسرعان ما عبر مجمل القادة الغربيين عن مفاجأتهم ورفضهم لهذا التطور الغريب في الموقف الفرنسي. واعتبر البعض بأن هذا التصريح يُترجم الطريقة الارتجالية في إدارة الملفات الخارجية لدى القيادة الفرنسية. ولتوضيح ذلك، قاموا بالتذكير بتصريحات سابقة لإيمانويل ماكرون شابها التعجّل. فقد قال سنة 2019 بأن حلف شمال الأطلسي مصابٌ بحالة موت دماغي. كما أنه نوّه، وبعد ثلاثة أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بأنه يجب الحذر في التعامل مع موسكو وعدم "إهانة روسيا". أما في ما يخصّ تايوان، والعدائية الصينية تجاهها، فقد صرّح في نيسان من سنة 2023 بأنه لا يجب على الغرب الخوض في نزاعات لا تعنيه. واللبنانيون يتذكرون زيارته الخاطفة لبيروت غداة انفجار المرفأ في شهر آب من عام 2020 وتصريحاته التي تلتها والمتعلقة بالملف الداخلي اللبناني.

للدفاع عن تصريحه المتعجّل، أشار الرئيس ماكرون إلى أنه يستخدم أسلوب "الغموض الاستراتيجي" ليرسل إشارة إلى الرئيس فلاديمير بوتين. مُضيفًا أنه بذلك يوضّح له بأن الغرب جاهز للقيام بخطوات إضافية ذات تأثير مباشر على سير المعارك. وبالتالي، فهو لا يكتفي فقط بتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري إلى أوكرانيا. وقد اعتبرت مصادر الإليزيه بأن تطرّق الرئيس ماكرون إلى إرسال قوات لا يعني من خلاله إرسال المحاربين وإقحامهم في القتال المباشر على الجبهات، بل هو يعني الخبراء والمستشارين ونازعي ألغام ومراقبة الحدود. بالمقابل، بدا بأن محاولة التبرير هذه غير مقنعة. فلقد ورد في تصريحه حديثٌ عن قوات وليس عن أفراد. وكان من الأجدر أو الأكثر تأثيرًا، الحديث عن دعم سياسي وعسكري ثابت لأوكرانيا للمحافظة على وحدة أراضيها وعلى استقلالها.

أوكرانيا، التي لم يسبق لها ان طلبت تدخلاً عسكريًا غربيًا مباشراً، فشلت في هجومها المضاد الصيف الماضي وطاب لبوتين استمرار المعارك مستنزفًا جيشه كبير العدة والعتاد، حيث لا قيمة للإنسان في منهجه. والغرب تلكأ كثيرًا في دعم كييف التي تحارب بعشر حجم الذخائر التي يستعملها الروس. وتصريح ماكرون بخصوص ارسال قوات فرنسية لا يُساعد على حلحلة الملف لا عسكريًا ولا سياسيًا. فإذا حصل، وهذا مستبعد، سيكون بإمكان الروس أن يتحولوا من موقع المعتدي الى موقع الضحية، خصوصًا في دول الجنوب ذات الموقف السلبي الميكانيكي من الغرب صاحب التاريخ الاستعماري. كما يتضافر هذا التصريح مع تعدد الجبهات التي للروس شأن في تأجيجها إفريقيًا وشرق أوسطيًا وسواه. أيضًا، فالخطر الإرهابي سيتعزّز بمساعدة من الروس أو من دونها، مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية. ولا يمكن نسيان بأن أميركا تتجه أكثر فأكثر نحو الانعزالية وهي التي أوقفت مساعداتها العسكرية لكييف منذ أشهر. وأخيرًا، فمن المفيد تذكير السياسيين الغربيين بأنه، وخلال أربعة عقود من الحرب الباردة، لم تصل مراحل التوتر لوضع القوات في حال مواجهة مباشرة بين المعسكرين الشرقي والغربي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها