الإثنين 2024/02/19

آخر تحديث: 00:51 (بيروت)

عنصري منذ تعيينه

الإثنين 2024/02/19
عنصري منذ تعيينه
increase حجم الخط decrease

أعلن حزب التجمع الوطني الفرنسي، وهو الوريث الشرعي، ولكن ليس الوحيد، لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، عن انضمام موظف حكومي عالي المستوى إلى صفوفه في التحضير لانتخابات البرلمان الأوروبي المزمع عقدها في شهر حزيران / يونيو القادم. هذا الملتحق حديثًا بصفوف اليمين المتطرف بشكل رسمي هو فابريس ليجيري المدير الأسبق للوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل، فرونتكس، والمناط بها حماية أمن حدود دول الاتحاد الأوربي. وقد تأسست هذه الوكالة سنة 2004 وكان في صلب مهمتها حماية الحدود الأوروبية والعمل على تفكيك شبكات تهريب البشر والهجرة غير الشرعية.  قبل أن يُعاد تشكيلها وتعزيز قدراتها إثر موجات اللجوء الكبرى الى أوروبا عامي 2014  و 2015. حينها، تمحور دورها في صدّ موجات اللجوء القادمة من دول الصراعات والنزاعات والمجاعات والكوارث الطبيعية، وتحولت إلى لعب دور شرطة زجرية تواجه محاولات الهروب المأساوية، خصوصًا عبر البحر. وفي عام 2015، وقع الاختيار على هذا الموظف عالي التكوين وخريج كبرى المدارس العليا الفرنسية التي تؤهل خريجيها لتولّي مراكز أساسية في إدارة البلاد. ولقد كان له باعٌ طويل في خدمة وزارة الداخلية الفرنسية في ملفي الأمن والهجرة قبل تبوؤه هذا المنصب.

ومنذ أن تم دفعه للاستقالة من منصبه الهام في الاتحاد الأوروبي سنة 2022، وهو يدّعي أن السبب في ذلك يعود إلى إدارته الصارمة لملف الهجرة والتزامه بتأدية الدور المنوط به. أما الاتحاد الأوروبي، فقد ذكر بأنه فتح تحقيقًا حول طريقته في الإدارة والتي شجعت وكالته على القيام، ليس بمنع قوارب اللجوء من الوصول الى الشواطئ الأوروبية فحسب، بل وبإجبارها لها بطريقة عنيفة وغير قانونية للعودة إلى نقاط الانطلاق. وقد أدت هذه العمليات الى وقوع عديد من الضحايا بين اللاجئين. وتولت منظمات حقوقية أوروبية عديدة مهمة توثيق هذه العمليات وتحرير التقارير وكتابة الاحتجاجات بحقها. وقد صرّح حينها رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديللا، بأن هذا الإبعاد هو نتيجة لرغبة رسمية أوروبية بفتح الحدود أمام المهاجرين الذين يشكلون خطرًا أمنيًا وثقافيًا واقتصاديًا على البلاد الأوروبية حسب قوله. إن انضمام هذا المدير السابق الى حزب يميني متطرف ليس مفاجئًا، وخصوصًا لمن يتابع انزياح الخطوط الحمراء التي قيدت الخطاب العنصري والاسلاموفوبي لسنوات في أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى زوالها في أيامنا هذه. فقد تم التطبيع السياسي والإعلامي والأخلاقي مع الخطاب والمفردات والقرارات والإجراءات العنصرية نسبيًا إلى درجة يكاد يختلط الأمر على المراقب فيها والمتابع لها بين الأحزاب اليمنية المعتدلة ومتوسطة الاعتدال والمتطرفة وشديدة التطرف.  

في بيان ترشّحه، كتب المدير الأسبق لفرونتكس بأن تشكيل قوة برلمانية أوروبية من أحزاب اليمين المتطرف ـ المنتشرة كالنار في الهشيم في بلدان الاتحاد الأوروبي والتي تحكم في عديد منها ـ سيُشكّل "فرصة وحيدة لإعادة وضع فرنسا على الطريق الصحيح" متمنيًا تعاونًا أوروبيًا يمينيًا متطرفًا في جعل القارة القديمة حصنًا منيعًا ضد الأجانب غير الأثرياء بالطبع. وفي هذا القول يبدو انه لا يوجد خلافٌ يُذكر بين هذا التوجّه والخطاب الرسمي القائم حاليًا إن كان في فرنسا أو في بعض الدول الأوروبية الأخرى التي لم تعلن صراحةً تطبيعها مع اليمين المتطرف. إلا أنه من المتوقع، ومع الاقتراب من موعد الانتخابات، أن يسعى المرشح الجديد إلى التركيز على التنديد بالسياسة الرخوة والانهزامية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي في مسألة معالجة ملفات الهجرة واللجوء. وهذا الاتهام مكرر دائمًا في تصريحات ممثلي اليمين المتطرف السيادي. وحيث أنه أيضًا يحلو لبعض العامة من الأوروبيين أن يستسيغوه، مدعومين من بعض مهاجري الخدمة الذين يصيرون متطرفين أكثر من المتطرفين أنفسهم بمجرد اطمئنانهم لأوضاعهم الإدارية والتي تمنحهم الشعور بالاستقرار ووجوب منع نظرائهم من اتباع طريقهم، تطبيقًا لنظرية الواصل أخيرًا، فليغلق الباب ويمسك به مغلقًا.

يُسجّل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف أعلى مستوى من النقاط يبلغ الثلاثين نقطة في استطلاعات الرأي التي تجرى تمهيدًا للانتخابات. هذا على المستوى الفرنسي فقط، ويبدو أن الوباء ممتد على مجمل القارة الأوروبية في ظل انقسامات لا تتوقف لدى أحزاب اليسار وعدم وضوح مواقفها من كثير من الملفات الصعبة وخصوصًا الأحزاب اليسارية التقليدية منها. كما أن الحكومات الوسطية او التي تدعي ذلك، ساهمت وما زالت في تعزيز صفوف اليمين المتطرف من خلال فشلها في سياساتها العامة وفي إدارتها الاقتصادية، كما ومن خلال معالجتها غير المثمرة للملفات الدولية التي تشكل خطرًا أمنيًا على القارة الأوروبية.

غداة موجة اللجوء الكبرى سنة 2015، دُعيت لإلقاء محاضرة أمام المجلس البرلماني لدول الحلف الأطلسي الذي كان مجتمعًا في فيينا عاصمة النمسا، حول الوضع الإقليمي المسبب لموجات اللجوء هذه. وبعد أن استمعت لتعليقات الحضور وأجبت على أسئلتهم، انتقلنا الى مأدبة العشاء ووزعنا على طاولاتها. جلس إلى يميني أحدهم وإلى يساري آخر. وبدأ الحديث الرسمي مع الأول، الذي سرعان ما تفوّه بالجملة التي أكره عندما يعرف العنصريون بأنني من أصل سوري، فقال مبتسمًا "انت صحيح عربي ولكن متحضّر ومثقف". حينها، أشحت بوجهي عنه وسألت الثاني عمن يكن هذا الشخص، فأجابني بأنه المدير الجديد لفرونتكس. أستطيع اليوم القول بأن "المكتوب كان واضحاً من عنوانه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها