”هل تعلمين ان تعدد الزوجات يحقق مصالح النساء قبل الرجال وينقذ الكثيرات منهن من العنوسة ومن الرذيلة؟ … هل تعلمين أن هناك نوعاً من النساء يستفقن عندما يتعرضن لضرب غير مبرح ويعدن إلى رشدهن؟“. لم يأت هذا الرد من تنظيم القاعدة أو حركة سلفية، بل من إعلامي في فلك تيار المستقبل، وفي اطار حملة أطلقها الأخير ضد الصحافية المخضرمة ديانا مقلد بعد إعتراضها على منع مؤتمر حقوقي للمثليين والمثليات في أحد فنادق بيروت.
ديانا كتبت قائمة من أحكام نعرفها ونرفضها، بينها ضرب المرأة وتعدد الزوجات وزواج القاصرات، ثم طرحت سؤالاً بسيطاً. كيف كل ما سبق طبيعي ولا مشكلة فيه، والخيار الجنسي لفرد ناضج مشكلة تزلزل الأرض لها والسماء؟
هذا السؤال إستدعى رداً من منسق الاعلام في تيار المستقبل، حمل، إلى جانب الاستنكار والرفض لما كُتب على الفايسبوك، كلاماً هو أشبه بـ”فتوى“. اعتبر هذا المسؤول الاعلامي أن كلام مقلد يحمل ”إساءة متعمدة بحق ديننا الإسلامي“. ومقلد لم تأت على ذكر الإسلام في كل نصها، بل حديثها جاء عن تعدد الزوجات وضرب المرأة وزواج الطفلات وقطع الرؤوس والصلب وغيرها، وأكثرها فتاوى متفرقة. وهناك فارق بين انتقاد انتشار هذه الظواهر، وبين الاساءة الى دين بأكمله، والأخيرة تهمة خطيرة في مجتمعاتنا.
وبالفعل، أطلقت جوقة كاملة تهديدات واهانات بحق صحافية لا تملك حماية أو غطاء سياسياً، بل رصيداً اعلامياً يمتد من حروب أفغانستان واليمن والعراق وسوريا مروراً بمجزرة قانا عام ١٩٩٦. والمخيف أن كاتبي الاهانات لم ينطلقوا من كلام مقلد، وهو يحوي سؤالاً ودعوة للتفكير، بل من تصريح متهور للمسؤول المستقبلي يدعي فيه اساءتها للدين، وهو غير دقيق. هناك من نقل أكاذيب كاملة بناء على نقطة الشرارة الأولى. طبعاً، تيار المستقبل يتحمل مسؤولية هذا الكلام وما يترتب عليه.
وهذه الحملة على صحافية لا تُذكّر إلا بالممانعة التي يتحالف معها اليوم تيار المستقبل في الحكومة. ما الفارق بين من يُفتي بلا حُجّة بأن صحافية أساءت للدين الاسلامي، وبين من يدعو صحافيين إلى تحسس رقابهم، وبين من يحرق مقر تلفزيون انتقده؟ بالعكس، الافتاء أو الاتهام بالاساءة الى دين أخطر من تهديد سياسي، سيما لو احتسبنا أن هناك آلافاً مستعدون للقتل على أساس إشاعة لا أكثر. الكاتب الأردني ناهض حتّر الذي شارك صورة نشرتها صديقة له على الفايسبوك، قضى برصاص مواطن ”غيّور“ كان يُتابع النقاشات والاستنكارات، ولم ير المنشور على الأرجح.
وحملة ”المستقبل“ على مقلد، مؤشر أيضاً إلى عمق أزمته، وتبنيه تحولاً يُشبه مخاض التيار الوطني الحر خلال السنوات الماضية، من الوطنية الجامعة بين الطوائف، إلى حزب يجمع في خطابه بين كراهية حراس الأرز للفلسطينيين والسوريين من جهة، وبين المشاريع الانفصالية للقوات اللبنانية ابان الحرب الأهلية من جهة ثانية.
بعد سقوط اصطفافات 8 و14 آذار، هناك موجة انكفاء إلى الطوائف. والحال أن تيار المستقبل، إذ ينتخب ميشال عون رئيساً ويدخل شراكة حكومية مع حزب الله وحركة أمل وغيرهم، لم يبق في جعبته إلا سُنّيته الشكلية ليستثمرها في السياسة والانتخابات. وهنا، تُمثُل ديانا المشغولة دوماً بالتوفيق بين مبادئها الحقوقية والنسوية من جهة، وبين أمنها الوظيفي، نقيضاً لحزب لا يشعر بهذا الضيق أبداً. وهذا تناقض يكبر ويزيد.
فالكلام عن أن المستقبل مشروع وطني على النقيض من حزب الله وحلفائه، لم يعد يجد آذاناً صاغية. ليس مشروع دولة مدنية مبنية على المواطنة وحكم القانون، مقابل مصنع للموت والغوغاء، كما يدعي. ولم يعد تنظيماً يلجأ اليه الناقمون من أحزاب الحرب وميليشياتها.
هو يلتحق بأحزاب الحرب متأخراً، تماماً كالتيار العوني. آلية عمله المحاصصة وتقديم تنازلات بلا حساب في السياسة، يُغطيها بمُطاردة ستاتوسات صحافية على الفايسبوك بدعوى "الذود عن الدين".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها