مذهلة هي اجابة الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول سؤال ان كان يعتقد ان نظيره الروسي فلاديمير بوتين قاتل، عندما رد بسؤال قال فيه “اتعتقد ان بلدنا بريئة (من القتل)؟” واثار تصريح ترامب عاصفة ردود لدى الجمهوريين، الذين أطل مشرعوهم لادانة التصريح، وللاصرار ان لا مقارنة بين بلادهم، التي تقاتل دفاعا عن الحرية والديموقراطية حول العالم، و”نظام عصابات”، مثل الذي يترأسه بوتين في روسيا.
وترامب مازال على سجيته، على الرغم من تواتر تقارير تشي بأنه بدأ يعود في سياساته، خصوصا الخارجية، الى السياسات المتعارف عليها في واشنطن تقليديا، كما في ترشيحه المخضرم اليوت ابرامز لمنصب نائب وزير خارجية.
لكن مقارنة ترامب بين بلاده وفكرة ان بوتين قاتل تعكس اضطرابا لا اخلاقيا في شخصية الرئيس الاميركي، فهو كان يدافع عن اجرام بوتين بقوله ان أميركا مجرمة، وهو ما يدفع الى التساؤل اذا كان الرئيس الاميركي الجديد يعتقد ان حكومة بلاده مجرمة، فلماذا لا يسعى الى اصلاحها، بل لماذا يترأسها اصلا؟
وتصريح ترامب حول اجرام حكومة الدولة التي يترأسها يتماهى مع تصريح سابق له في مقر “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي)، قال فيه ان “للمنتصر تعود الغنائم”، معتبرا ان بلاده انتصرت في حرب العراق، وانه كان على سلفيه ان يتصرفا كمنتصرين، وان “يأخذا النفط” العراقي. ومن غير المفهوم كيف يمكن لدولة “اخذ” نفط دولة اخرى، لكن ترامب لم ينف نيته السماح بأخذ هذا النفط كجزء من خطته للقضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق”.
وترامب، الذي لا يرى مشكلة في ان تكون بلاده مجرمة، والذي لا يمانع ان تصادق ادارته انظمة مجرمة، ولا يرى مشكلة في ان تصادر حكومة أميركا الموارد الاولية في الدول التي تحتلها، هو رئيس أميركي ذو شخصية مضطربة ولا اخلاقية، وهو يشغل في الوقت نفسه منصبا رفيعا ذا نفوذ يجعله خطرا على أميركا وعلى العالم ككل.
الأمل الوحيد هو في ان تنجح المؤسسات الاميركية في لجم جموح رئيس أميركي بلا اخلاق، لم ير ضيرا في الغش في بناء امبراطوريته المالية، فتلاعب بالقوانين ولم يسدد ضرائب للحكومة، ولم يف من عملوا معه أجرتهم، واستغل نجوميته للاعتداء على النساء ممن يعملون لديه او ممن كان يقابلهم بصورة عابرة، واليوم، يتضح ان ترامب يريد ان تستولي أميركا على النفط العراقي، ويعتقد ان أميركا وروسيا هي من الدول المجرمة، وهو ما يجعل التحالف بينه وبين بوتين أمرا مقبولا.
قد تكون بعض المؤسسات الاميركية، خصوصا القضائية، نجحت في لجم جموح ترامب ونقض مرسومه الاشتراعي المعروف بـ “منع سفر المسلمين” الى الولايات المتحدة. لكن ترامب لا يبدو وكأنه ممن يتقبلون الخسارة، اذ هو مضى في التهجم على القضاة، ووعد بنقض نقضهم والعودة الى فرض مراسيمه المثيرة للجدل.
ترامب ليس وحيدا في لا اخلاقيته. الاميركيون ممن اقترعوا له، وممن تجاوز عددهم 60 مليونا، هم شركاء ايضا في لا اخلاقية ترامب، فالاخير لم ينقلب على خطابه الانتخابي، بل هو يعمل على تكريسه، على الأقل كلاميا وعلنا، فيما يتراجع عن معظم وعوده الانتخابية خلف الاضواء.
ويوم توجه اميركيون للاقتراع لترامب، كانوا يعلمون انه دعا لمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة، وانه دعا لاقامة قاعدة بيانية للمسلمين الاميركيين، ودعا لاستخدام أسلحة نووية ضد خصوم أميركا، ودعا الى “أخذ النفط” العراقي، ودعا الى القضاء على النظام العالمي الذي تقوده بلاده منذ الحرب العالمية الثانية.
ترامب وصف أميركا وبوتين على انهم مجرمون، وهو مع ذلك مازال يتمتع بشعبية لدى فئة من الاميركيين تؤمن بأن أميركا تتصرف كخانعة ضعيفة، وان عليها العودة لاستخدام قوتها لغزو الآخرين، وقتلهم، وسرقة مواردهم. هؤلاء الاميركيون اللاخلاقيون كثر في بلادهم، لكنهم ليسوا اكثرية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها