"إتفاق الضرورة"..هكذا وصف إتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقع في القاهرة في 12 أكتوبر /تشرين الأول الماضي برعاية و "ضغوط" مصرية على الحزبين الفلسطينيين المأزومين الحاكمين في الضفة الغربية وقطاع غزة :"فتح" و"حماس".
ولأن الإتفاق هو الثاني عشر في سلسلة اتفاقات المصالحة التي تم التوصل إليها منذ الانتخابات الفلسطينية التي جرت في العام 2006 وفازت فيها الحركة الاسلامية ،ولم يتم تنفيذها،أثيرت شكوك كثيرة حول احتمالات نجاح الإتفاق الجديد،خاصة وأن العقبات التي حالت دون تطبيق الإتفاقات السابقة كثيرة وما تزال قائمة.
ربما يكون مصير سلاح "حماس" في قطاع غزة ،أحد المواضيع الأكثر إثارة للجدل على الساحة الفلسطينية،وقد يقود الى نسف الإتفاق الذي يعول عليه الفلسطينيون لإنهاء عشر سنوات من الإنقسام ،و يمكن القول أنه (السلاح) "الأكبر" بين الشياطين التي تكمن في تفاصيل الإتفاق.
وبالرغم من أن طرفي الإتفاق يدركان جيدا أن القفز الى مقاربة هذا الموضوع قبل بحث قضايا أخرى أقل تعقيدا ،قد يدفع نحو تفجير الإتفاق،والعودة إلى نقطة الصفر،فقد وجدت الخلافات حول هذه المسألة طريقها الى وسائل الإعلام ،وتبادل الاتهامات بين الحركتين.
وكانت "حماس" قد أعلنت بعد توقيع الإتفاق، انها ستسلم لحكومة التوافق الفلسطينية "كل ما هو فوق الأرض " وتمكنها من العمل بمنتهى الحرية في القطاع، بما فيها المعابر والأمن والضرائب من دون أي تدخل منها.وكان من المقرر ان تنتهي عملية التسليم يوم الجمعة (29 تشرين الثاني /نوفمبر الحالي).
و شددت "حماس" على لسان القيادي موسى أبو مرزوق على ان جناحها العسكري "كتائب القسام" ليس موضوع نقاش مع السلطة الفلسطينية . وقال نائب رئيس حماس في قطاع غزة خليل الحية إن "سلاح المقاومة خط أحمر وغير قابل للنقاش، هذا السلاح سينتقل للضفة الغربية لمقارعة الاحتلال، من حقنا أن نقاوم الاحتلال حتى ينتهي".
وبالقدر الذي ترفض فيه "حماس" بحث مسألة السلاح،بل وأكثر من ذلك،يرفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس،الذي لا يؤمن بالكفاح المسلح ،ولو بالسلاح الأبيض ،إحتفاظ الحركة الإسلامية بأسلحتها في القطاع ،ويدعو إلى نزع كل الأسلحة ومن كل الفصائل ،عدا تلك التي بحوزة قوات السلطة وأجهزتها الأمنية.
وكان عباس قد أعلن رفضه لوجود "ميليشيات في غزة"، مشددا على "ضرورة وجود سلطة واحدة وقانون واحد داخل القطاع".
وبالرغم من أن عدم الإتفاق على حل لمسألة سلاح "حماس"، يشكل عقبة كأداء أمام تنفيذ إتفاق المصالحة إلا أنه يشكل وجها واحدا من وجوه مسألة أكبرهي "إزدواجية السلطة" التي واجهتها دول عدة ،مثل الوضع الذي نشأ خلال الحرب الأهلية اللبنانية ،ودخول القوات السورية الى لبنان في إطار قوات الردع العربية،والاشتباكات الدامية بين الجيش الأردني والتنظيمات الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي، والعديد من الثورات التي وصلت الى سدة الحكم لتبدأ بعدها التناقضات بين عقلية الثورة وعقلية الدولة،من دون أن ننسى حقيقة أن الأراضي الفلسطينية ترزح تحت الإحتلال الإستيطاني .
و إسرائيل مثلا واجهت بعد شهر من إنشائها في العام 1948، حادثة تندرج في إطار تداعيات مسألة "إزدواجية السلطة". فقد أمر رئيس الوزراء آنذاك، ديفيد بن غوريون ،بمهاجمة السفينة "ألتالينا" التي كانت ت رسوقبالة سواحل تل أبيب،وهي محملة بأسلحة حصلت عليها عصابة "الايتسل" بزعامة مناحيم بيغن من فرنسا، بعد رفض الأخير تسليم الأسلحة الى الجيش الذي شكله بن غوريون من التنظيمات العسكرية الصهيونية بعد تفكيكها وضمها الى جيش الدولة الحديثة التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد سقط في هذه الحادثة التي تردد أنها كان يمكن أن تؤدي الى حرب أهلية يهودية، 19 شخصا، 16 من الايتسل ،وثلاثة من عصابات الهاغاناه.
ولا يعني الإستشهاد بهذه الحادثة دعوة الى اللجوء للقوة واستخدام العنف وسيلة لحل مسألة السلاح في قطاع غزة، والذي تعهدت "حماس" بعدم استخدامه في الداخل ،و حصر استعماله ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي،ولحماية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبرغم حساسية هذا البند إزاء موضوع المصالحة ،ومسارعة الكثيرين الى استحضار تجربة حزب الله اللبناني في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية وفقا لثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة " ، فإن هذا النموذج قد لا يكون مناسبا لحل هذه المسألة لعدة أسباب ،منها أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو إحتلال إستيطاني هدفه إلغاء الآخر ،إضافة إلى معارضة حركة "فتح" ورموز أخرى في السلطة الفلسطينية ،لمبدأ الكفاح المسلح .
وربما فات على البعض ،حقيقة صارخة ،هي أن الخلاف الأساسي بين الحركتين الوطنيتين ،لا ينحصر في مسألة السلاح، لكنه يكمن في البرنامج السياسي لكل من "فتح" و"حماس" ،حيث تتمسك الآولى بالتسوية مع إسرائيل والإعتراف بها من خلال المفاوضات والمقاومة الجماهيرية فقط،فيما ترفض الثانية الإعتراف بالدولة العبرية ،وترفع شعار المقاومة المسلحة .
وإذا تمكنت الحركتان ،ومعهما بقية الفصائل الفلسطينية من التوصل ولو مرحليا،الى برنامج سياسي مشترك، يوحد الغايات والوسائل ولو بحدها الأدنى ،فأن مسألة السلاح ،ومسائل أخرى معقدة ستجد حلها بسلاسة .
صحيح أن التوصل الى مثل هذا الإتفاق صعب ودونه عقبات، ولكنه يظل أقل كلفة من خيارات أخرى جربها الفلسطينيون وكانت كلفتها باهظة جدا كالإقتتال مثلا .فهل ينجح الفلسطينيون بانقاذ الاتفاق ووضع حد للانقسام؟.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها