نجحت عائلة مسلمة اميركية حيث فشلت أعتى الشبكات السياسية الاميركية، من مؤسسة عائلة بوش المتجذرة في العمل العام، الى الطبقة الحاكمة في الحزب الجمهوري، الى ماكينة عائلة كلينتون. فعلى مدى العام الماضي، حاولت كل الشبكات السياسية الاميركية، من اليمين واليسار، وقف صعود نجم رجل الاعمال المثير للجدل دونالد ترامب، من دون جدوى.
وكان آل بوش أول من بدأوا هجومهم ضد ترامب عن طريق مرشحهم الرئاسي المتبقي جب، ابن الرئيس جورج الاب وشقيق الرئيس جورج الابن. لكن ترامب عطّل قدرة بوش الهائلة، وقلب سحرهم عليهم، وتحول مرشحهم الى شخصية هامشية. وواصل ترامب توظيف شعبويته المعهودة وخطابه العنصري، الموجه خصوصا ضد المسلمين، لاستقطاب اليمين المسيحي المتطرف، فقضى على المؤسسة الحاكمة داخل الحزب الجمهوري، وتصدى لآخر مرشحين جمهوريين للرئاسة جون ماكين وميت رومني، واخرجهما من المعادلة الرئاسية، فتغيبا عن حضور المؤتمر الحزبي العام، خلافا للعادة، وتحول المؤتمر الى سهرة شخصية لمع فيها ترامب وافراد عائلته.
من اليسار الاميركي، كان من الطبيعي ان تشن مرشحة الحزب الديموقراطي وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون هجوما ضد منافسها الجمهوري. لكن مرة اخرى، اظهر ترامب قدرة عجائبية على امتصاص قوة خصومه وقلبها عليهم. هكذا، على الرغم من ان ترامب يواجه محاكمات بسبب قيام الجامعة التي تحمل اسمه بخداع طلاب انضموا اليها، وعلى الرغم من ان ترامب ما يزال يرفض الكشف عن ضرائبه على جاري عادة المرشحين من الحزبين، الا ان المرشح الجمهوري افاد من النقمة الشعبية ضد ايميلات كلينتون واللجنة المركزية للحزب الديموقراطي، على الرغم من ان الايميلات هذه لا تشي بفضائح معينة، بل هي عبارة عن ثرثرة سياسية على شكل ان تقول فلانة عن فلان انه يكذب.
كل عظمة ترامب التي لم تقف في وجهها اي من القوى السياسة الاميركية التقليدية، حطمتها فجأة عائلة مسلمة اميركية، ليلة وقف خزر وغزالة خان امام المؤتمر العام للحزب الديموقراطي، وتحدثا عن فقدان ابنهما الذي كان يقاتل في صفوف الجيش الاميركي في العراق، وحاز على ارفع الاوسمة بسبب البسالة التي اظهرها قبل مقتله.
فجأة انهارت رواية ترامب التي تصور المسلمين الاميركيين انهم طابور خامس في اميركا، وتتهمهم بالمساهمة في تسهيل هجمات الارهابيين، والعمل ضد مصلحة اشقائهم الاميركيين. فجأة انهارت رواية ترامب عن “الطبيعة المخادعة” للمسلمين، وهي تسمية يتداولها أكثر المسيحيين الاميركيين تطرفا، من امثال القس بات روبرتسون او زميله الراحل جيري فالاويل.
ولم يكتف خزر خان في تقديم وطنيته واظهار نفاق ترامب بالقول متوجها للمرشح الرئاسي الجمهوري “انا فقدت ابني وهو يدافع عن اميركا، وانت لم تفقد احدا”، بل حمل خان الدستور الاميركي وراح يلوح به ليقول لترامب انه لا يفقه حتى الدستور.
خان انتزع فعليا من ترامب اعلى مرتبتين في المخيلة الشعبية الاميركية: الجيش والدستور. ومنذ اطلالة خان، راحت كبرى وسائل الاعلام الاميركية تستعيد ملف خدمة ترامب في التجنيد الاجباري، الذي كان سائدا ايام شباب ترامب اثناء حرب فيتنام، ليتبين ان المرشح الجمهوري تهرب من الخدمة بحجج واهية منها تقرير طبي عن الام في كاحله.
وفيما بدت اثار كدمات خان السياسية على وجه ترامب، قرر الاخير ان يعتصم بسياسته التي دأب على ممارستها منذ اليوم الاول لترشيحه، والقاضية بالتمسك بالكلام الطائفي نفسه، فهاجم غزالة خان، واتهمها بالسكوت امام المؤتمر الديموقراطي لأن المسلمين لا يسمحون لنسائهم بالحديث، لتطل غزالة في مقالة رأي في “واشنطن بوست” وتحطم هجوم ترامب المضاد.
ومع الغرق الذي تسببت به عائلة خان لترامب، وبسبب عناده ورفضه التراجع، راح الجمهوريون ينفضّون عنه خوفا من ان تؤذيهم مواجهة ترامب مع عائلة قدمت ابنها العسكري فداء للوطن، وهي تضحية لا تقف في وجهها الثرثرات الطائفية والتفرقة بين المسلمين والمسيحيين.
ترامب طرد عدداً من كبار مديري حملته بسبب الغرق الانتخابي الذي يعانيه، لكنه لم يتراجع امام عائلة خان المسلمة الاميركية، وبذلك، مازال يجد نفسه خائر القوى انتخابيا في مواجهة لا يبدو انها ستنحسر عن قريب، ولا يبدو ان ترامب سيفوز فيها في وجه عائلة مسلمة اميركية يبدو انها الوحيدة التي نجحت، حتى الآن، في التغلب عليه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها