يسود لدى عامة العرب اعتقاد مفاده ان الاميركيين المسيحيين واليهود والماسونيين يحيكون سويا المؤامرات على العرب والمسلمين، ويطلقون على أنفسهم اسماء من قبيل “المحافظين الجدد”. لكن في الواقع، هذه المجموعات ليست واحدة موحدة، وان بدت احيانا كذلك.
في هذا السياق يأتي ترشيح دونالد ترامب، الذي أبدى قرباً غير مسبوق من مجموعات التطرف اليميني المسيحية في الولايات المتحدة.
للعين المجردة، يبدو اليمين المسيحي — على انواعه — وأصدقاء اسرائيل، في خندق واحد. لكن بالتدقيق اكثر، يتضح ان اليمين المسيحي الذي يؤيد اسرائيل ينحصر بالانجيليين ممن يعتقدون ان قيام اسرائيل ضرورة لعودة المسيح وبدء سلسلة احداث نهاية العالم. هؤلاء الانجيليون هم الداعمون الرئيسيون لجماعات تأييد اسرائيل، مثل ايباك، الى جانب اليهود الاميركيين.
على ان هذا اليمين الاميركي ليس أقصى اليمين، بل هو يمين محافظ فحسب، فيما يتمركز اليمين المسيحي الاميركي المتشدد في مجموعات التفوق العرقي البيضاء، ويتوزع اليمين المتشدد على مجموعات مثل “النازيين الجدد” و”كو كلوكس كلان” وغيرها.
مجموعات التفوق العرقي للبيض المسيحيين هي الأقرب حاليا لترامب، وهذه تكره كل الشعوب من غير البيض، مسيحيين ام لا. اما في صدارة لائحة الكراهية لدى البيض العنصريين الاميركيين، فتأتي المجموعات المسماة سامية، أي العرب (مسيحيين ومسلمين) واليهود.
وتصريحات الكراهية التي ادلى بها ترامب تجاه العرب والمسلمين معروفة ولا حاجة لتكرارها. لكن ما لم يقله ترامب علناً، بل تكفل بقوله مؤيدوه، هو العداء لليهود، بمن فيهم اليهود الاميركيون من اصدقاء اسرائيل، وهذا العداء غير مسبوق في التاريخ الاميركي الحديث لدى مرشح من الحزب الجمهوري للرئاسة.
على صفحات موقع "برايتبرت" اليميني المتطرف، الذي اصبح مؤسسه ستيفن بانون مدير حملة ترامب الرئاسية، هجوم فريد من نوعه ضد بيل كريستول، وهو يهودي اميركي من زعماء الحزب الجمهوري ومن أبرز وجوه “المحافظين الجدد”. وكريستول هو ناشر مطبوعة “ويكلي ستاندرد”، وهو لطالما تمتع بنفوذ عظيم لدى الادارات المتعاقبة التي ترأسها جمهوريون، وكانت آخرها إدارة الرئيس جورج بوش الابن.
ولأن كريستول يعرف ما خلف الأكمة، ويدرك التماهي بين ترامب ومجموعات التفوق العرقي البيضاء، فهو كان من أول المعارضين لترشيحه، بل ان كريستول ومطبوعته تمسكوا بمعارضتهم لترامب، وتأييدهم لمرشح بديل، حتى بعدما اقتنص الاخير ترشيح الحزب الجمهوري رسمياً.
ولابعاد شبهة “معاداة السامية”، عهد موقع "برايتبرت" الى دايفيد هوروويتز، وهو يهودي من مؤيدي ترامب ممن يندر العثور عليهم، كتابة المقالة التي هاجمت كريستول ووجهت له نعوتاً مثل “اليهودي الخائن”. وكتب هوروويتز انه يهودي غير صهيوني، وانه لا يعتقد انه يمكن لليهود انهاء الكراهية ضدهم بحصولهم على دولة خاصة بهم.
واضاف هوروويتز: “انا ايضا أميركي، وأميركي اولا”. والعبارة هذه تفتح جراحا عميقة، اذ ان نقاشا حادا يندلع بين اصدقاء اسرائيل الاميركيين منذ فترة، يقوم جزء منهم يعتبر نفسه اكثر ولاء لأميركا باتهام الجزء الآخر بأنهم اكثر ولاء لاسرائيل، ويطلق "الاميركيون اولا" على خصومهم تسمية “إسرائيليين اولا”، وهو ما يجعل هؤلاء اليهود الاميركيين خونة لوطنهم الاميركي.
هذه الفقرة من مقالة هوروويتز قد تبدو جذّابة بالنسبة للقراء العرب، لكن على العرب إدراك ان ترامب ليس صديقهم بمجرد انه يهاجم اسرائيل واصدقاءها الاميركيين، يهوداً او مسيحيين.
ترامب، من جذور المانية خبأها جده وأبوه لفترة طويلة وتظاهروا بأنهم من السويد لأن اعمالهم في العقارات كانت تتركز في الضواحي اليهودية لمدينة نيويورك. ويبدو ان ألمانية ترامب هذه لم تُضِع على مؤيديه من العنصريين البيض، ان كانوا “نازيون جدداً” او غيرهم. هؤلاء، مثل النازيين القدامى، يغرقون في عنصرية بيضاء وعمياء، وان بدت احيانا تشترك مع بعض المصالح العربية، والأرجح ان هذه العنصرية هي الدافع الرئيسي خلف تأييدهم ترامب ودفعه الى المقدمة.
اما أسوأ من يتعاطى مع ترشيح ترامب فهم العرب الاميركيون من غير المسلمين. هؤلاء يهللون لعدائه للمسلمين، ويأيدونه، ويتبرعون لحملته، ويحشدون الاصوات لانتخابه. ما لا يدركه هؤلاء العرب ان ترامب يكره المسلمين لا بسبب دينهم، بل بسبب عرقهم، وهي كراهية عرقية تطال المسيحيين من السود والاميركيين الجنوبيين، وتطال كذلك المسيحيين العرب، الذين يتصدر واحد منهم فريق ترامب لشؤون السياسة الخارجية. تخريف العرب من غير المسلمين يعيد الى الذاكرة تخريف مسيحيي لبنان في الماضي، وغوصهم في صداقات مع اسرائيل، خسروا بسببها علاقاتهم مع اللبنانيين والعرب الآخرين، فيما انهال الأمن الاسرائيلي عليهم بالضرب في وقت لاحق فيما هم يستنجدون اسرائيل لقمة العيش.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها